نص
. . من وحي الصفحة الأولى في دابادا
نداءات تموزية
الصفحة الأولى من (دابادا) الطبعة الأولى 1988م
هلال حمود هايس
مكان ما، أو قرى تقطنها الأوجاع، مصدر لأصوات طائر القطا، في تموز.. أربكت كل من نما في حقولها حيث الغدير المكتظ بالشوك وعروقه، ينصت لصدى كلمات رنت في عقله والروح.. كلمات من رواية دابادا: "قامت هاجر ثم اتجهت إلى المطبخ المنفرد لكي توقد ما تبقى من أحطابها وتعد أصباغاً من عروق الشوك لقربة اللبن".ص1 .. جوار هذا الغدبر لبدت القنافذ والسحالي قرب أعشاش تتوسطها بيضتان أو أكثر لطائر البرية، طائر القطا، فعرف أن مهنة الرعي أمر لا بديل عنه لكل من عاش هنا ولا بديل عن حمار نجا أكثر من مرة من حقول الألغام، وفراشات استعدت كي تكون فرائسً لمجموعة من طيور البرية.. هذه قرانا، السائح فيها ستقذفه الرغبة نحو جنى فطر (الكمأ). وقبل تموز أو في الخريف الحال الذي جعل أشجار (حسن مطلك) تجاهد فيقول: ".. بحلول الخريف حيث تجاهد الأشجار للتخلص من أوراقها الميتة".ص1 ولتأجج الشعور الإيحائي من حطام الجسد المبعثر، هناك وفي مكان ما من أنين القرية وعبر ما تلبدت فيها من روائح وسمك وأردية كبار السن والجسد، وفى مكمن ما، في بقعة الأرض التي أمست وطن لطائر القرية الجميل، حيث من السهل للمرء أن يميز بين ذكره وأنثاه عبر همس أو لمس أو هفهفة ألوان ريشه الفاتن.. فخصوصية اللغة هنا تدهش الضيف السائح في رجل القرية أو رجل الأنثى.. فالقرية هي الأنوثة الممزوجة بساعات العزلة في حين لا جديد بظل تلك الأوجاع.. إن ما يجعله يضيف أو يحذف عندما تتقاتل الأفنية بعضل لا يلين وعبر الصمت الموروث من شيخ دابادا لزوبعة ما، خلف شيء ما، أنساه ميلاده واسمه. وعند حافة ذاك الغدير آنسته الأشواك ليرحل بعيداً دون دراية بتموزه الأخير. وأمام نسيج من ألياف قدر لها أن تكون حبلاً.. آه أي حبل هذا..!.. تباً له، لقد فقد وظيفته ومعناه ليخنقنا ويخنق (قرانا) الممتدة جوار جبل مكحول وعشيقته دجلة، وليكون هذا الفيصل بين اللوح والفرشاة وبين الكتاب وقارئه وبين النسل وسلفه.. لترتل صرخاتنا وبأفواه أنتنها الصمت والخوف والحرقة.. تحد.. الآن تصورت مدى الغباء الحاكم على عقول من قتلونا آلاف المرات وفي كل يوم.. دارت رحى خطاي بأطراف ووسط المكان، بعد أن أعاد كتابة النص الهادي وبالرتابة التي تنم عن مدى الحب لانتماء ما، وبالعزلة التي أَحبها بعد أن ورثها من شيخه.. لتتمخض عنها عبارات لها وقع في النفس من الوهلة الأولى.. ولتجرفه عبارات (حسن مطلك).. دابادا هي.."هي الرفسة.. هي الصرخة.. هي القصيدة الغليظة المشحونة و.. هي التمرين الشاق لتعلم الخطأ.. وهي..".. كل شيء تقريباً.. ليغب نور العيون الرائعة وبتموزه وبحر آب وأيلول ووو.. لماذا؟؟ تباً لجدران ذاك السجن.. أيمكننا أن نتصور بأنه قد رحل إلى الأبد؟!؟.. ودون عودة لقلمه وفنه وبناته وإخوته ووطنه.. أم سيمكث جسده الطاهر في لب أرض أجداده.. آشور وسنحاريب.. وو.. فكما علمتنا سنخلص وسنبدع.. أين أنت لتملأ فراغنا الأدبي وتهزم كسلنا.. تعال كلمة على السنة البراءة والورود والنوارس والغزلان تعال يا (حسن مطلك) إلى (سديرة) وفي أحد نهارات الربيع الذي هرب من حر تموز مثلما هاجر طائر القطا وصغاره.. تعال لتملأ فجوة أذهلت أيامنا التي طالما حنت لطائر القطا والغدير الذي ملأت أعشاشه الأشواك.. تعال لتزدهي حقول القمح.. تعال فإن ألق الفجر وابتلال شعر المولود الجديد وطائر البرية كلها تنعاك وتنادى..(حسن.. حسن..آه يا حسن مطلك).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هلال حمود هايس: كاتب وبيولوجي عراقي، من أبناء قرية حسن مطلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق