29‏/08‏/2009

قراءة/ من التماعات الحكمة في (دابادا)


من التماعات الحكمة في (دابادا)

د. محسن الرملي

لا يكاد عمل أدبي كبير كالرواية أن يخلو من أقوال محبكة الصياغة وعبارات تأخذ شكل الحكمة أو المثل أو القول. ومنها ما يأتي بثه عن قصد فيما تكون الغالبية متأتية من خلال التدفق العفوي وبين ثنايا السرد الأدبي أو استجابة لمطلب فيه؛ حيث تولد الحالة الموصوفة أو أسلوب الوصف هذه الالتماعات. وأحياناً يكون الأمر معكوساً حيث تشكل الحكمة أو القول أو المثل الثيمة أو المحور الأساسي ومنطلقاً وغاية للعمل الفني ومن ذلك ما كانت تبنى على أساسه المسرحيات والقصص والروايات، كما أنها قد كانت من صلب ما يفترض توفره بالخطباء والفلاسفة والمنظرين وإلا فعليهم تعلمه وإجادته.. بل أننا نجد بأن هذا الأمر يمتد حتى إلى الأعمال الأدبية الحديثة والمتطورة المعروفة، ومثال ذلك أننا نجد الأقوال الجازمة والحكم المتدفقة بكثرة عند أوسكار وايلد وبشكل خاص في روايته (صورة دوريان جراي). كما نجدها عند موبيسان في قصصه القصيرة وعند سومرت موم، وبورخس وماركيز وبروست وغيرهم. هذا وقد كان عدد غير قليل من الكتاب ممن يضعون في مقدمة العمل أو في نهايته خلاصة له عن طريق استعارة أو صياغة قول أو حكمة أو مثل معين يكون بمثابة درس أو استنتاج، الأمر الذي يقودنا في أحيان كثيرة إلى تلمس أو فهم آراء وأفكار معينة لدى الكاتب.. بل أن أبرز العبارات التي مازلنا نستشهد بها في كتاباتنا وفي أحاديثنا وما أصبح منها أمثالاً سارية وقواعد يحتكم إليها ما هي في الأساس إلا مقتطفات من أعمال أدبية وقصائد قالها الشعراء ومضوا، ومنها بعض الأقوال التي كان لها الفضل الأول في تخليد عمل أدبي ما بكامله أو شخصية أدبية.. وتراثنا الشعري حافل بهذه الأمثلة التي يتداولها حتى العامة من الناس ممن سمعوا بها ولم يقرأوها لكنهم لا يترددون في المقايسة وفقها ودعم أرائهم بها.. ومن ذا الذي ينكر مار رفدتنا به (ألف ليلة وليلة) في هذا المجال؟. أو شعراء المعلقات والمتنبي والمعري وأبو نؤاس وأبو تمام وشوقي وخليل جبران والجواهري.. وغيرهم. وعلى الصعيد العالمي نسمع يومياً صدى كلمات دانتي وشكسبير وبرناردشو وثربانتس.. وغيرهم يتردد في أرجاء المعمورة مكتوبة ومسموعة وكأنها نصوص مقدسة تعمل على صياغة الأذهان وتعبئوها بالمعرفة والجمال.
وهنا نشير إلى أن الأمر المباشر الذي دفعنا لإحصاء هذا النوع من المقولات في رواية (دابادا) لحسن مطلك قد جاء بالأساس لما لاحظناه من ترديد متكرر لها على ألسنة عدد غير قليل من المثقفين والقراء ممن يحفظونها ويستشهدون بها في كتاباتهم وأقوالهم.وإننا نقوم بهذا الإحصاء بغض النظر عن مدى دقة تطابق ما سنورده مع متطلبات صفة (الحكمة) ذلك أن بعضها يزخر بحبكة القول لغة أكثر مما يتعمق بالدلالة المعرفية. هذا ويجدر التذكير بأنه لا يمكن لنا مقاضاة المؤلف على أساسها، لأنها أقوال مستخرجة من سياقاتها وهي أصلاً بعض من عمل أدبي بحت، أو ببساطة، لأن مؤلفها يستطيع أن ينسبها إلى شخصياته أكثر مما ينسبها إلى نفسه، إلا أن أهمية تأشيرها ستنفعنا كثيراً في فهم جوانب من شخصية وتجربة الأديب ذاته عبر ماستكشفه لنا عبارات مثل:" إن الشر فكرة وإن الحب طبيعة"،" بالحلم يتجدد كل شئ"،"الطفولة ضباب".. وهكذا حيث مضينا نصطاد ما أمكننا اصطياده من التماعات الحكمة المتناثرة على مساحة سيل التدفق الدابادي. وتدلنا غزارة هذه الشذرات على الميل الواضح لدى حسن مطلك نحو التفلسف وصياغة القيم وفق رؤيته ومفهومه. وأحياناً يخيل لنا بأن كل سطر في دابادا هو حكمة إذا ما عمدنا إلى تأويله بصيغ مختلفة. ومع ذلك فإن الحكمة بمفهومها التقليدي قد توفرت فيها.. وإن كان كاتبها يتردد بالجزم النهائي على مشروعية أو قطعية صواب أحكامه، وهو يكاد يذكر موقفه من ذلك في ص139 بالقول:" إنه لمن العسير أن يتخيل الآن أية حكمة اتبعها لإيصال العاطفة إلى شكل المعادلة الحسابية".
وهذه طائفة مما أحصيناه:

ـ كل حقيقي جدير بالنسيان حتماً. ص5
ـ معزول لأنه حر في أن يسقط أو يستمر. ص9
ـ الجدة مُقعَدة؛ علامة احتجاج الأسلاف ضد الجيل. ص9
ـ إن الشر فكرة وإن الحب طبيعة. ص18
ـ للإنسان فتحات كثيرة إحداها للضحك. ص20
ـ لم أنس ولكنني كنت غير قادرة على المجيء أو على إيفاء ديونكم.ص26
ـ الأمور لا تبدو كما هي عليه لأنها تُرى بأعين متباينة الحدة. ص27
ـ في الحقيقة إن ما يعد شخصياً قد يعني الآخرين أحياناً بالفضول وبغير الفضول. ص27
ـ هواية العالم الأزلية: تبرير حركة الأشياء. ص28
ـ الطفولة ضباب. ص36
ـ غريب غربة الأعمى عن مقعده. ص46
ـ كلهم آخرون بالنسبة إلى بعضهم. ص58
ـ يقول الأحياء إن الحياة صعبة.. ما أروع أن تكون صعبة!. ص58
ـ الإنسان الأقدم ينقصه التعبير عن الألم. ص58/64
ـ لا يدري ما جدوى التصديق.. حقيقة: ما جدوى التصديق؟. ص69
ـ ما من أحد يبتعد عن الطفولة مسافة خطوة. ص67/73
ـ أقول: ربما. وكلمة (ربما) أدق الكلمات تعبيراً عن الاحتمال. ص79
ـ الرجل شوك جميل لأنه مُخيف. ص59
ـ لا بديل عن المرأة الشيطانة، الضحكة النادرة، البياض الهلالي في العينين، الإلتـفاتة الذكية لأنثى الرجل… ص82/193
ـ خرج إلى الظلمة ليرى نفسه بوضوح. ص82
ـ لا شيء مؤكد.. لا شيء. ص83
ـ يشعر بأنه لا يرغب بالخلود.. إذا كان ثمة خلود في ذلك الفراغ. ص85
ـ حنان الأم يفوق الحكمة. ص76
ـ الخيال منبع الكوابيس في الصحو وليس في النوم أبداً أبداً. ص90
ـ إنها أكاذيب تأتي بها الروايات الواقعية. ص105
ـ يظل الاعـتراف الأول.. البوح الأول.. وسـيلة مغلوطة في وضـع خـط النهاية. ص106
ـ إن المرء ينكر بداياته بعدما يبلغ، ولكن البداية تبقى أعظم خطوة تقريباً من بين الخطوات الفاشلة التالية. ص106
ـ لا يمكن قياس مقدار العذاب. ص108
ـ الأرض قديمة.. شئ مخيف، غير أنها يمكن أن تكون مليئة بالمسرات الشبيهة بقصاصات الحب. ص109
ـ يـمكن أن يـحب الرجـل أكثر من مـرة في حين لا تـستـطيع الـمرأة ذلك. ص109
ـ إن البنايات تـنمو بينما يـنـشف الحليب. ص110
ـ نعم.. بالحلم يتجدد كل شيء. ص113
ـ أقول لكم: كان العالم طرياً في البدء ولكنه هوى على رأس مُـثَـقـب.. بالأخص فوق فتحات الأسلحة. ص113
ـ تـلك الأغاني التي تتحدث عن مـعنى الحياكة، هـي في الأصـل؛ أغـنية واحـدة. ص113
ـ لأن الاخـتيار يـقـسّم الـروح.. فإن خُـيّـر بـين شيئين فـسـيخـتارهـما مـعاً. ص121
ـ قلما يلتقي صديقان بلا أسلحة ملفوفة. ص128
ـ إن أكـثر الأشـياء عـذاباً؛ تلك التي تـتجه مباشـرة إلى الموضوع الـذي يُـعـذب. ص105
ـ إن الكُتاب يشهدون على جميع مآتم الأرض، ويتحدثون عنها.. لأنهم أكثر المخلوقات بطالة. ص129
ـ إننا نغني عندما نطمئن. ص130
ـ لم يكن أي شئ يعنيه من هذا العالم؛ لذلك يتعلم بطيئاً. ص135
ـ أراد أن يمنح ابنه بعض القسوة لأجل سلم الرجولة الوعر. ص135
ـ إنه من أصعب الأمور أن يُكون الإنسان فكرة محددة عن الأشياء حين يعتبرها الآخرون زمناً مضى بلا أهمية. ص137
ـ إنه لمن العسير أن يتخيل الآن أية حكمة اتبعها لإيصال العاطفة إلى شكل المعادلة الحسابية. ص139
ـ الـقـريـة؛ مأوى الوجع الكبير. ص140
ـ كانت تريد أن تعطيني قلبها مثلما تقدم تفاحة ناضجة.. للأسف لا أريد هذا.. أعني لا أريد أن تمنحني بسهولة. ص142
ـ تكلم يا أخـي.. ولا تنظر إليّ باتهام هكذا؛ تكلم.. تكلم. ص142
ـ الخوف سبب العدوان. ص145
ـ إن الهجوم الأول لا يؤذي؛ لأنه يستطلع وسائل دفاع الفريسة. ص145
ـ إن الرجل الحقيقي هو الذي يحذف ساعات الخطر الحقيقية ويقترب من القرار بإلغاء صيغ التعجب في تحجيم الذات. ص146
ـ أطلب منك أن لا تَـفـزَع. ص146
ـ لا تتحرك بعيداً عني، ولكن لا تلتصق بي فتحد حركتي. ص146
ـ ادفعوا عني هذا السواد لأرى. ص157
ـ القلب المكروه؛ كما هو مؤلم.. جدير بالقذف. ص160
ـ كلهم يريدون الضوء.. فلماذا الظلمة. ص165
ـ يا عيني.. يا عيني.. يتكلمون عن العين في الظلمة!!. ص165
ـ العاصمة بيت الشهرة، والشهرة خـسـارة للجميع. ص177
ـ الأسماك الكبيرة التي تأكل الأسماك الصغيرة.. إلـى مـتـى؟.ص210
ـ تستعد للخسارة النهائية وليس الهزيمة النهائية. ص212
ـ ويسقط.. غير أنه نادراً ما يصل إلى الإغماء. ص210
ـ ليس ثمة أحد بالتحديد يجلس مكان أحد. ص214
ـ إن الدنيا الجميلة شيء ثقيل لا يُـطاق إذا ما حبست العصافير غناءها وحدثت فيضانات في الهند. ص194
ـ ……………………………………
ـ ………………………………………….
ـ ……………………………………………………
-------------------------------------------------------
*نشرت في العدد 11 من مجلة (ألواح) سنة 2001 مدريد.