12‏/10‏/2009

حوار مع حسن مطلك / أجراه: مجيد السامرائي

حـسـن مـطلك وحـديث عـن القريـة والقصـة

صورة: حسن مطلك

حاوره: مجيد السامرائي


".. القرية تغرق في سكون تام، نام بعض الناس ومازال البعض يشرب الشاي أو القهوة وينشر الأحاديث. بدت القرية آمنة عند أقدام جبل مكحول، تسلم نفسها لحبه دون مقاومة، والظلمة الفضية تهرول بين الأشجار وعلى حوافي نهر الزاب الأسفل. هجعت العنادل والحمائم واستفاق الدود والصراصير من سبات النهار. فَراش الحقول القريبة وبراغيث الأحراش وحشرات غدران الري ترتمي على ضياء الفوانيس الحمر الراقصة.. تهرب كل تلك الكائنات بينما يدخل هو مملكتها. على الحُصر والبسط تنام النساء والأطفال، على العتبات تترقب كلاباً. يمكنه أن يحسب كل بيت، كل حجرة حتى آثاثها المتواضع.. يمكنه ذلك فلا توجد غرفة مقفلة على محتوياتها وعصية على أي فرد في هذه القرية."

من قصة (عرانيس)
**************

بهذه اللغة البسيطة، الدقيقة، المناسبة، يتحدث حسن مطلك القاص الفائز بالجائزة الأولى للمسابقة الخامسة لقصة الحرب. بهذه اللغة يتحدث عن قريته الأسطورية التي تنام عند أقدام جبل مكحول، تتطهر بالليل والنهر والسحر.
* حسن مطلك فتى غض غرير مغمور...
** مغمور وابن مغمور وابن قرية مغمورة.. وإلا فمن يدلني على قرية (السدرة الوسطى) على الخارطة.. أنـتم تـعرفون (الشرقاط) ولا تـعرفون قـريتي...

" كنا نثرثر عند حافة النهر وكانت بعض طيور الماء تشاكس وجه النهر وقد انسحب عن بعض الصخور وترك خلفه بعض البِرك القريبة القاع التي امتلأت ببعض العلب الفارغة ونفايات المدن". من قصة(عرانيس)

قال حسن بن مطلك:ـ طيورنا أنقى من طيور المدن.. السماء عندنا دانية وناصعة ورحيمة..
* أنا أدري أنك تحتمي بالمدينة من القرية..
** لقد ملك علي حب قريتي (السدرة الوسطى) شغاف القلب، وأنا.. أهرب منها لفرط حبي لها..
* تلك مبالغة فيها بلاغة..
** اللغة عندي نحت خاص، وتعبير داخلي. لكل مفردة صوت وإيقاع.
* أنت متأثر بالأدب المترجم..
** لا أنكر ذلك، غير أن الواقعية السحرية التي تسود الأدب اليوم هزتني بعنف، فكتبت وأنا أسير في أفلاكها.
* للطيب صالح قول لا أجد بداً من ذكره هنا وهو:" أن في قريتي أبطالاً أسطوريين، يفوقون أبطال هوميروس وشكسبير الأسطورية". أتراك تريد إضفاء تلك الصفات على مواطنيك؟.
** بالفعل كل فرد عندنا حضارة قائمة بذاتها، كل فرد أسطورة.
* وكل بطل في القصة هو عبارة عن نتف متفرقة من شخصيات واقعية أو مبتكرة..
** هذا صحيح.
* وقد يدس الكاتب نفسه بين الشخوص وينسب له حكاية.
** نعم، أنا فعلت ذلك في روايتي الجديدة التي أحاذر في نشرها.
* هناك رأي يقول: أن الكتاب قليلي الأهمية هم وحدهم الذين يعرفون من أين يبدأون وإلى أين ينتهون.
** أنا أعرف النهاية ولا أعرف البداية، أضع الخاتمة للحكاية قبل أن أخطط لمصائر أبطالها..
· بمن تأثرت؟.
** هيرمان هيسه هـزني بـعنف، وغسان كنفاني وغابريل غارسيا ماركيز كـذلك.
· هل تظن أن هناك أدباء قرى وأدباء مدن؟.
** ربما.. أنا أظن أن المبدعين هم أهل القرى، أو الكتاب القرويون المتمدنون.. القرويون أعرف بقراهم من أهل المدن، وإن غطسوا في زحام المدن فهم أدق تعبيراً من غيرهم عن المدينة.
· ألا يضيرك بأنك كاتب مغمور؟.
** أبـداً، إن هذا يسعدني. أنا متأنٍ وغير متعجل، وأقـول للقراء والنقاد نـحن على مـوعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت هذه المقابلة في جريدة(الجمهورية)العدد5246 السنة17/السبت14كانون الثاني1984/بغداد.
***********************
صورة: حسن مطلك في حقول قريته

".. إن القصة القصيرة تحمل منهجها الخاص من خلالها، وما نريد أن نحصل عليه منها هو عمق الصورة الإنسانية المقدمة بلغة فاعلة جاذبة سليمة وقدرة شخصية على تلوين الحدث القصصي بالطريقة التي يراها القاص مناسبة لبلوغ الحدث أعلى درجات نضجه وتأثيره. قصة(عرانيس) لحسن مطلك نبتت في قرية تطل على الزاب، حيث يؤوب الجنود المجازون إليها ويلتقي الفتيان فيها مع الأهل والأحبة ويدور حديث الذكريات وصور الحرب خافتاً حيناً وعالياً حيناً آخر. في القرية ناي يعزف ومواسم حصاد ودروب ومقبرة ودبكات وفوانيس وحقول الذرة...(عرانيس) قصة ناجحة بحركة الشخوص ودوران الأحداث ومسرح الحركة والقدرة على التصوير والشد وإيصال القارئ إلى نهاية جميلة لقصة من قصص الحرب التي تعتمد الانتشار في مسرح آخر."

باسم عبدالحميد حمودي
جريدة( الثورة) بتاريخ 12/10/1983 بغداد

ليست هناك تعليقات: