17‏/09‏/2009

شهادة / علي ريسان

محمود جنداري: أقولها للحقيقة وللتاريخ؛

لقد أنقذني حسن مطلك من الإعدام بكلمة واحدة

علي ريسان

كنا قبل أيام، وأظنها ثلاثة أيام، من اعتقال الأديبين حسن مطلك(أبو مروة) ومحمود جنداري (أبو فوزي) نسهر في نقابة الفنانين في كركوك، أنا وعواد علي وعبدالرزاق الذي من خلاله ومن خلال محمود جنداري تعرفت على حسن مطلك.. أحسست من خلال الجلسة بأن ثمة شيء غير طبيعي.. أحسست أن أبا فوزي يريد أن يشركني أو لنقل يأخذ رأيي بموضوع مهم. كان يحبني كثيراً وكنت أسميه (الأب الروحي لي) وقد أهديته أحد أعمالي.
قال لي:ـ ما رأيك إذا تغير نظام الحكم؟.
دهشتُ وأنا أقبله:ـ كيف؟؟.
قال:ـ سيحدث شيء.
وبذكاء الممثل قلت:ـ الجميليين؟.( أي عشيرة محمود جنداري)
قال:ـ نعم. وهنا ضحكت وضحكنا جميعاً، ثم أضفت:ـ أخاف أن يكون مجرد تغيير في العشائر؛ من التكارته إلى الجميلات.
قبلني وقال :ـ لا تخف، لقد كنت أمزح.
فقلت له مازحاً أيضاً:ـ لا تنس حين تصبح وزيراً للثقافة أن تهتم بالمسرح الجاد والكلمة. وأضفت باللهجة المحكية:" دير بالك علينا".
حينها قال حسن مطلك:ـ أنتم المبدعون مزروعين في خارطة الإبداع قبل أية وزارة..
ثم عرفت أشياء كثيرة أخرى عما كان يدور ويتم التدبير له. ولهذا فبعد اعتقالهم قمت وصديق آخر بإتلاف كل مالدينا من أشياء متعلقة بحسن ومحمود.. حتى الإهداءات على نصوص وكتب من إبداعات الشهيدين.

بعدها حدث الذي حدث.. ورحلوا إلى.. القلوب.
إنجلت حملة الاعتقالات وأعدم حسن مطلك وصدر الحكم على محمود جنداري بالسجن المؤبد، فكنا أول من قام بزيارته في سجن (أبو غريب) أنا والدكتور عبدالله إبراهيم وعواد علي وأصدقاء آخرين. وقد بكى محمود عندما رآنا وقال: لقد ذهب حسن وآخرين.
فبكينا وشعرت بغضب عارم جعلني أفقد أعصابي وأوشك أن أرتكب حماقة، فأمسكني الصديق ع. م. وقال لي الدكتور م. ز. : إلزَم نفسك.
وأتذكر كيف رمقني القاص عبدالستار ناصر الذي كان حاضراً هناك.
بعدها سألتُ الأستاذ محمود جنداري: هل رأيت حسن؟
قال: نعم، رأيته مرة واحدة في محكمة (الثورة) لم أكد أعرفه من كثرة التعذيب الذي ناله..(أخذني جانباً وأضاف) وللحقيقة أقول لك وللتاريخ أن المرحوم حسن مطلك قد أنقذ حياتي وخفضّ العقوبة من الإعدام إلى المؤبد.. بكلمة واحدة، حين قال: "أن محمود ليس له علم بالتفاصيل".
غادرت العراق بعد ذلك وقبل أن تعلم الدولةـ عذراً ـ السلطان وأزلامه بما كنت عليه من علم من التفاصيل حول محاولة التغيير آنذاك وهم يتربصون بكل شيء بإمكانه أن يديم مطحنة التعذيب.. وهكذا أيضاً سأحتفظ ببعض التفاصيل والأسماء خشية من أن يطفئوا شموعاً أخرى مازالت تتوقد داخل الوطن.
أقسم بالوجع.. كلما تذكرت قبور الأحبة أشعر بلهفة أمي عليّ..
وليكن في المعلوم أننا في إبداعنا: قصة، قصيدة، مسرحية، أغنية، لوحة، مقالة، رواية.. كلمة.. وغيرها.. إنما نقوم بتهشيم النظام في كل لحظة.. ولنبق على اتصال بأخوتنا المبدعين في الداخل لأنهم يتابعون أعمالنا بشغف ولهفة.. ويعتزون بنا كاعتزازنا بهم وأكثر.

------------------------------------------------------

*نشرت حينها تحت اسم (أبو فادي) في مجلة (ألواح) العدد 11 سنة 2001م مدريد.

الصورة لمشهد من مسرحية (أطفال الحرب) للفنان علي ريسان

ليست هناك تعليقات: