ما الأدب أو العراق
حسين سليمان
لقد لفت نظري رسالة موجهة إلى ناطق فرج من ناصر محمود نشرتها مجلة ألواح وكنت قد تأملت قبل ذاك في نفس المجلة عالم حسن مطلك. فأدركت مقدار الضلال والهلاك، الهدر، الذي ارتكبه (ابن العراق) صدام حسين في حق أهله وشعبه.
لم تأخذني الصور ولا الرسم أو الموسيقى والتي وصفت مرحلة العراق كما أخذتني الكلمات التي كتبها ناصر محمود، على سبيل المثال. لقد لمست عن حق العبارة الأدبية الضائعة، في الوطن العربي، الروح التي نطمح للإمساك بها في رسالة هذا الأديب، وفي كتابات كونية لا يعرفها لا كافكا ولا غيره من موديلات الأدب العربي المعاصر، كان قد كتبها حسن مطلك. لقد وصل هذان الأديبان إلى شعلة الأدب التي تضيء اللغة وتضيء الزمان. ولقد أدركتُ مقدار الخسارة برحيلهما. وحسمتْ من جانب آخر الكلمات التي كتبها حسن مطلك تساؤلي عن العمق الذي ينفذ إليه الأدب. حيث كثيرا من الأحيان كنت أظن بأن الرسم والموسيقى لهما الباع الأطول في الوصول إلى أعماق الإنسان، إلى هز روح وجوده، لكنني كنت قد نسيت المعنى الروحي للكلمة وبأن الكلمة كانت قد جاءت من قلنا له كن!.
هذا النوع من الكتابة هي كتابة أنبياء العصر ولقد خسرنا الكثير على يد القائد الملهم. ليس العراقيون ما خسروا فقط بل كل العرب، خسرنا حياة عمرها تقريبا خمسين عاما. ولقد ساهم بهذه الخسارة مثقفو الوطن، الأدباء الكتاب الذين كانوا يتقاطرون للسلام ولتأييد حاكم بغداد. لقد ضربوا بعرض الحائط معنى الأدب وضيعوا فرصة مشرقة كانت ممكنة لهم. فتحولوا إلى كتبة بالأجرة، إلى شعراء بالأجرة. بعيدون كل البعد عن الأدب. فهؤلاء لم يدركوا أو لم يفهموا هروب مظفر النواب، مثلا، منذ تقريبا ثلاثين عاما فخانوا بذلك عهد الكلمة والأدب. هؤلاء باعتقادي لم يكونوا أدباء أبدا بل كانوا كتاب إنشاء. يطوعون الكلمة والجملة، يفهمون الإعراب والنحو. لهم علاقة مدرسية مع اللغة لكنهم لا يقتربون أبدا من ميدان الأدب. فالأدب هو كائن لا تلمسه الجملة السلسة حلوة الأسلوب. الأدب هو دين، دين حقيقي يرفع شعلته من خبر الضياع الذي لحق بالروح فيريد أن يصهرها من جديد في الأتون.
علينا أن نتأمل بعمق أدب العراق في هذه المرحلة، أن نأخذه درسا لمن يريد أن يمسك بالجذوة. حيث أن الروح التي فيه هي روح لها تماما المقدار الرياضي ـ المطلق من العلو والسمو ما كان لنظام صدام حسن. فبمقدار ما كان ينحدر هذا الحاكم بأقدامه الهابلة كان معين الأدب يصعد محلقا في سماء الإنسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق