25‏/09‏/2009

إهداء إلى حسن مطلك / باسل الشيخلي

قصيدة

أُحـيـّي هـذه الأمـطـار

مرثية للشاطر حسن...

باسل الشيخلي


أحيّي هذه الأمطار، وعرباتها الصاعقة تنزلق فوق البيوت / تومضُ ثم تخبو
أُحيّي البيتَ الذي يغطّيه قلبي والأبواب الواقفة بوجه الريح كحيواناتٍ يُقيدها الانتظار
أُحيّي ثيابي وعصف الشتاء / نيران ظلي القديم قرب النافذة
وحجارتي الخضراء حيث كنتُ مربوطاً إلى خفق النجوم كالعصفور
كــثـيـرون سـيـمـســـون هـــذه الـحـجـارة وتــلـتـهـبُ راحـــات أيــديـــهــم
ســغـسـلـون عـــيـونـهـم بـمـرآي فــي الأمــس الـــذي يُــمـطـره الـعـويــل
سـيـوجعهم اسـمي الضائع في أبـجدية الرقاد وخطوتي القاحلة في الطين
أُحيّي هذه الأمطار / أسراري المجروحة بالبراءة والليلا
لأعـراف الــتي تـهـيـل رمـاد الـمـعـنـى عـلى رأسـي
والفروض المدثرة بالظلام، النائمة على أجفاني المسدلة
والـفـوانـيـس الـعاريـة كي أسـتدل عـلى جـسدِ الضـيـاع
هذه هي المخلوقات التائبة أغانٍ
تسعى كالكلاب الصغيرة قرب الأقدام في سهرة أشمُّ رغباتها
أنا الجاثم في ثوبي الأبدي / والقابضُ جمرة العشاق / نشواناً بما أَلقى
أُحيّي مخالب الغابات وضجة الطريق / ضبابَ البراري والعشب المتلفعَ بالبرودة
هل هناك حنظلٌ آخر / مطرٌ آخر يمحو نبل اللائذين بي، الحواريين الذين ملّوا الحوار،
الذين يخبئون ظلي في مساكن الموتى الذاهلة على الجدران الوحيدة / وراء الأبوابِ
في الزوايا والحقائب وفي دخان المواقد أو في عيون الصغار
أُحيّي الفتى الذي يقرأ مأخوذاً سورة الانشطار، لعله يسيرُ خلف حجابي
لعل نشيده القاسي نواحُ عشتار المرير
لعل السنوات وحدها تقف احتراماً رحمة بي وتتكلم المرايا الغارقة في النوم
ربما الفتى هلال المملكة
أُحيّي ربما ولعل أو سوف السعيدة
ربما لولا الجميلة لذّةٌ حبلى تحدثني وتجذبني
كل ربما ليل، فكيف أصحو في الرحيل الفائق الأسباب / كيف أُفسر تغريدي ووجدي
أُحيّي القرى تضيئ أوثانها مبهورة بالمعدن الضاري / تخضبُ بالحناء كف نادبتي
وتتعاطى المواهب والحزن المبتكر
أُحيّي نفاذ الفتيل في رواق الضيوف وصهيل الفجر الذي يخنقه التشبث
أُحيّي أنقاض ليالٍ لا أعرف كيف أجلوها
ليال فتياتٍ عارياتٍ في الشوارع المهجورة / في ساحات النسيان أو في غمرة الحجرات
إذن أُحيّي النوافذَ العمياء / صدأ الأقفال / الملعونين والقدّيسين / حطام التكوين
فمن سيرى من ثغرة المنظوم قنديلي ... أنتِ / عيناكِ / الأشجار كلها
أعطيتِني لمسة تسلحتُ بها وحفنة من بكاء
ونجوماً تتراكضُ في دمي / فدعيني / دعي الدموع تدججني
دعي القلب ينقضّ على الوقتِ دون رحمة / يستبدُّ بالفرح العالي
ضربتُ رأسي بمرمر الأحلام / بعناصر الخمرةِ الوافية / صحتُ حبيبتي نالها الرعدُ
في مدارات البحار وسنابلي ضدي وبريق المطر يتهدم على أكتافي وجدران السماء عالية
تسلقتُ جداراً .. جداراً وجئتُ في احتمالات الوجود كزائر ليل / وَرْدي نهبُ الشهود
أسأل عن سرير العشق / أدق مساميره على صدري والآس الطليق أورثني عبارته
وكل الأيدي التي حرثتْ في جسد الربيع تتوغل في حلاوتي
أُحيّي الأبراج والقلاع والحصون والنقوش الممسوحة التوقيع / والمقصود في المفقود
منذ اصطفاق الدروب بوجهي دون تحديد / أقفُ عند أسوار الكلام
ومنذ السياط / وهذا القلق المنصور يختم على فتوّتي
وحيدةٌ بين الأسرار في تلك الجغرافيا المرتبكة
لم تكن قيامتي سوى تميمةٍ في الرقبة تنام بهدوء / سلسلةٍ صلبةٍ أتصاعدُ منها في بخار التمتمات
لم أكن غير بهلولٍ أركضُ كالحرف الشفوي بين السنابكِ
تصطفيني أعين الأفعال والحراب
أهربُ من نُـذُري وخطيئتي تحت لعنة السُّـحُب الثقيلة
والأشياءُ نزيف أوهام
كيف أمضي أيتها البيضاء بين الجنِّ واليعبدون
كالتفاحة التي أنضجها الخالق والمخلوق في حضرة المطر
لم تعد لي سوى أمجاد الهزيع حين تندلق الغواية على غليلي
استحالت الأشجار قضباناً والممرات هاويةً
تنامُ سَـكِـينتي بين الأدغال وتستيقظُ رغبتي في أرقى اختناق
فمن سيأخذني إليكِ...
ومن سينبشُ عين الطفولة / يُرادفني في الحديث / يقربُ شجر الكلام
أيها المخذول احترق
وانتظر رذاذ الذكريات يهبُّ على تيجان الأماني الميتة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*د. باسل الشيخلي: ناقد وشاعر عراقي.
*نشرت في مجلة (ألواح) العدد 11 سنة 2001م مدريد.

ليست هناك تعليقات: