28‏/02‏/2009

كلمة / قاسم محمد عباس



من ملف صحيفة (المدى)

حسن مطلك... صوت طاهر انتصر للإبداع
.. شهيد الشرقاط
لماذا حسن مطلك؟
قاسم محمد عباس

لأنه روائي ومبدع عاش الكتابة باشتراطات الحياة. آمن أن مواجهة الدكتاتور والعمل على إزاحته جزء من عمل المبدع.لقد عاش حسن مطلك أيام الطاغية، وفي ذروة جبروته تحداه في الكتابة والحياة.ما يدعونا لاستذكار هذا الروائي الشهيد هو إنه لم يعبر معنا إلى ضفة الخلاص من الطاغية. لم يشهد معنا نهايته على الرغم من أنه غامر برأسه لفعل ذلك. وآمن بزواله. وضرورة زواله. مثلما غامر في فنه الروائي ليخرج برواية تركت صدى كبيراً لم يزل إلى الآن.لقد عاش صاحب “دابادا” بخبرته ككاتب وإنسان. واستطاع أن يخرج على المجموع في كتابته وسلوكه وإيمانه بذاته. استعاد بقوة ذلك الدور المؤثر للمبدع، بمهارة وفن جديدين مغايرين، ولقد شاءت الظروف أن يعدم حسن مطلك ويغيب جسده على يد النظام الطاغية، لكنه بقي محرضاً كبيراً لجيل من الأدباء عاش وتربى على عوالم ولغة “دابادا”. وحافظ على حضوره الملح في الأدب العراقي المعاصر، وقدم هزة عنيفة للضمير المبدع، للشرف، وللعقل المثقف.وعاشت رواية “دابادا” مع جيل جديد من الأدباء عاد من الحرب وهو يحتفظ بوعيه وذكائه، مؤسساً لعلاقة جديدة بين الكاتب ولغته وسلوكه، بين المبدع ووضوح غايته. حتى غدت “هاجر” أو “عواد” وهما من أبطال رواية “دابادا” يطرقان بعنف ذاكرة الأدباء، ويدفعان بالروائيين لمواجهة أنفسهم وفنهم. يصرخان لسنوات طويلة في وجه الدكتاتور.إن استذكارنا لهذا الروائي هذه الأيام ربما سيدلنا على حقيقة التزام المبدع والمثقف بقضاياه. ربما يقدم لنا حلاً ما لأيام المحنة والأزمة حينما تطبق. أو يثير فينا الأسئلة الحقيقية، أسئلة تتعلق بمواجهة مصاعبنا ومصائرنا. أو يدلنا على كيفية إعادة إنتاج إبداعنا. أو يقول لنا: إن الإبداع مرتبط بالشرف، وبالضمير، والموقف.إن دم حسن مطلك لم يذهب هدراً. وإنما يحيا في عروق أدبنا وثقافتنا وحياتنا، ليلهمنا أو يدلنا على الطريق.
----------------
في مسألة الانتصار على الألم"
حسن مطلك
سيرة روائي
حسن مطلك روائي عراقي ولد في قرية سديرة في الشرقاط شمالي العراق عام 1961. تخرج من جامعة الموصل عام 1983 وهو قاص وتشكيلي أيضاً، طارت شهرته على إثر إصدار روايته “دابادا”، كتب العديد من القصص والمقالات. وأقام معرضه (التشكيلي الشخصي الأول عام 1983، واشترك بثلاثين لوحة مع قصيدة طويلة للناقد سعيد الغانمي. أصدر مع مجموعة من أصدقائه مجلة “المربي” ونشر فيها مقالتين: الأولى عن الفن التشكيلي، والثانية قراءة لرواية الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال له أكثر من عشرين قصة نشر بعضها في الصحف والمجلات.أما روايته “دابادا” فقد صدرت عن الدار العربية للموسوعات في بيروت عام 1988 لتثير ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية. إلى الحد الذي وصفها البعض بأنها واحدة من أهم الروايات التي ظهرت نهاية القرن العشرين.له الكثير من الأعمال لم تزل مخطوطة منها:“العين إلى الداخل - ومضات حرة” يوميات.“الكتابة وقوفاً” دراسات في الرواية تكشف عن رؤيته الخاصة للرواية.“كتاب الحب - ظلالهن على الأرض” كتاب في العشق.
------------------
*نشر في صحيفة (المدى) العدد 104 بتاريخ 3/5/2004 بغداد.

مقال.. شهادة / حميد المختار



تمارين حسن مطلك الشاقة لتعلم الخطأ

حميد المختار


-------------------------
*نشرت في صحيفة (المدى) العدد 104 بتاريخ 3/5/2004 بغداد.

قصة / حسن مطلك


قصة
أســـــوَدْ

حسن مطلك

(سلّم ينتهي في الفضاء). سمِعته يُصرّ تحت أقدام الرجال. استطعتُ أن أعدّهم: عشرة، من خلال الوطء والصرير، ثم أربعة، سبعة،،، وآخرين (ينزل أحدهم) تعلمتُ أسماءهم ـ لا من خلال ألم السلّم، بل من مناداة بعضهم بعضا علناً دون حياء ـ. في كل يوم أسمع أسماء جديدة (تعلمتُ ذلك من أخلاق النمل في النفق، إذ تذهب نملة تبشر بالحَبة فتأتي الأخريات على خط الدَبق ـ على إشارات الولد الضائع في الغابة وهو يُخرّق قميصه ويشدّه بالأغصان ويواجه البرْكة عارياً ـ حيث يهتدي النمل..).
(كان) أبي يسكن الغرفة العليا من البيت ـ ما الذي جعل الأقدام تذهب إلى الفضاء، إليه، هناك ـ لم أسمعه يُزوبع، ما الذي أسكته وأنزله من العرين؟.. (هـو) الولوع باستجوابي أواخر الليل حين أعود مخموراً ـ كما يزعم ـ وأقف بأدب جم أمام مهابته، أمام رأسه الحليق المدفون في ظلمة أبدية حيث غلّق النوافذ بالجص وجلس منذ عشرة أعوام على كرسي واحد (لا يأكل ولا يشرب ولا ينام) كان يزوبع فقط فيهزّ أعمدة البيت. أسمعه فأمتنع عن التنفس، وأصعد السلّم على أطرافي الأربعة لأمثُل أمام رأسه الحليق المدفون في الظلمة... وهكذا ـ لم أره منذ عشرة أعوام ـ باستثناء البياض الطبشوري على جبهته، والدمع المضيء في عينيه المظلمتين كعيني صنم سومري. وأوشك كل مرة أن ألمسه مهابة لأنه يدنيني من غموض بحاجة إليه. (بحاجة إلى جلسته الدائمة في الأفول، زوابعه، علوّه، سطوته، رائحته ـ مطر بعد قحط ـ مستواه فوق القلب، إشارات روحه في الهواء). أضع قهوته متلمساً زاوية الطاولة.. وأغيب. أنسحب في الرابعة صباحاً بعد التأنيب لأستبدل كوب الأمس الذي لم ينقص قطرة باستثناء ما تبخّر في فضاء الغرفة (فضاء مظلم بلا سقف أصلاً). لقد أقلع عن عادة التدخين بالأنبوب واستبدلها بعادة الصريخ ـ الصوت المدخن ـ مغارتاه ـ يا الله ـ مغارتاه تحت الجبهة الطبشورية تحدقان بي، بشفتيّ حتى درجة الشلل فلا أعرف كيف أجيب عن اتهاماته بغير هز الرأس ـ الذي تعلمت أنه موافقة أحياناً ـ أموت لساعة كاملة وأزحف نحو قدميه لألمسهما فلا أجدهما ـ كما لا أجد قوائم الكرسي ـ وأقول أن جبهته الطبشورية مرتفعة عن الأرض عالياً جداً، وثقباه العميقان ينيران وجهي فأبتسم ليحبني (لعله) يحبني كولَد حائر، وأقسمتُ له (لن أدخن سراً، لن أشرب). وقربني من ثقبيه، سمعته يشمّ فمي ثم يدفعني في الحائط حتى تبرق عيناي. يشتمني ـ يشتم نفسه: ابن الكلب ـ ولم أجرؤ على الادعاء بأن رائحة التبغ منه هو.
(كان يشير إلى البركة بجانب البيت ليطمئن على سلامة الدعاميص والأسماك الصغيرة السوداء ويشير إلى السور ـ سور هائل لا علاقة لنا به، طويل مرتفع بلا نهاية، قديم جداً، إذ اتخذَته الحشرات الحمراء مسكناً وحفرَت فيه ثقوباً دانية من السطح لأجل هواء الصيف الشمالي. أرضة سوداء. طحالب معدنية. أوكار لطيور مضطهَدة فارّة من مختبرات التجارب، مُعَلَّمَة رقابها بعلامات نحاسية. وقد أوصاني أن أفتح نفقاً فيه وحدد لي، قبل عدد من السنين، مساحة الخرق المطلوب، بسخام الموقد ـ هناك، عندما تبلغ أشُدك ستجد كل شيء، تعرف كل ما تريد.) قبل أن يلتجئ إلى غرفته المظلمة المرتفعة فوق سطح البيت. كان يأمرني كل يوم (أن أبدأ بالحفر) ويضربني لكي لا ألتجئ لأصدقاء السوء ـ أبناء الشوارع ـ وأهرب لثلاثة أيام أو أكثر،،، ولكنني أحنُّ إلى عصاه وسطوته كحنيني إلى ظلال الأشجار المنسية على حافات النهر.
أعود إليه، إلى زوابع صوته، قامته الممتدة في الهواء الراكد، وأجلس عند قدميه ـ عندما يثير الريح بحركة كفه مشيراً إلى صورة القمر المهتز في البركة، غير أنني أنظر إلى فوق.. إلى القمر الطبيعي في أعماق السماء ـ كرحمة، كقصيدة، حب قاصم للظهر.
أعرف أن الصراخ بي من واجباته ـ واجبات الأب المقدس ـ إذ كان بإمكانه أن لا ينجبني. وقال يود أن يكرَهني، أنا شخصياً، غير أن الأب نادراً ما يكره ابنه، كما قال، فلا أجد بداً من احترام هذه الأمنية لديه.. فكيف لا يُرعد ويرميهم إلى بركة القمر المهتز لتنقرهم الأسماك السوداء وقواقع ثقوب الأقدام؟.
إن هي إلا رفّة وينبثق الضوء، طرقة أخرى وينتهي العمل. إنني أقترب من الهدف (سأجد كل شيء،، وأعرف ما أريد). طرقة أخرى، أخرى.. أخـ.. لا بأس، فلابد من نهاية لهذا السور، رغم أن الضوء يبتعد، وأن الخرق الأول المؤشَّر بالسخام قد أمسى مدخلاً للنفق.
رأت زوجتي أنني (أضيّع الوقت) منذ أن نادتني من مكان بعيد جداً، وسمعتُ صوتها قادماً من المدخل ـ من حافة الكرة الأرضية ـ لتُعلِمني ـ يومياً ـ بوقائع الحياة في عالم الأخوة البشر: كيف (أن الموضة الأخيرة للقمصان أصبحت دون أكمام) فأضحك في حفرتي، أضحك ضدها، لأجلها.. تلك الطيبة!. وتقول (إنك تضيّع نفسك في قبر لا حد له). وتقول، دائماً، إنها ولدت طفلاً جديداً.. وسمّته باسم عصري وفق آخر المخترعات (أصبحوا الآن تسعة) تشير أسماؤهم إلى مراحل تطور المسدس،،، أما الصغير (ليزر) الذي أحبه ولا أعرف له وجهاً ـ إذ أقذف عبر ظلمة النفق بالهدايا الفخارية التي أجدها مركونة في رفوف الأجداد: مخابئ التراب الأصفر؛ بالأصل ـ بعض العظام المطحونة المشيرة إلى ركبة الجد، سلاّمياته، قفاه على شكل علبة،، وأوانيه المليئة بغلال متفحمة ـ هناك، قريباً من فوهة النفق حفرتُ لنفسي حفرة بمثابة بيت أتناول فيه الخبز وكأس النبيذ.. وأسألها عن الشمس فتندهش. أسألها عن الأخوة البشر فتغضب. كيف صار الأطفال تسعة؟. تسعة!. وما أخبار أبي؟.. فتذهب لأن الصغار يصرخون.. أعود إلى مغارتي وأواصل الدق.
كنت أسمع صوته المرعد يحثني على السرعة فأسرع، وينهاني عن صحبة رفاق السوء فأنتهي.
هناك، هناك أعمق من أي شيء. رائحة تاريخية تنبثق من ثقوب براكين خامدة وأنقاض زلازل. وبشرتني بطلوع نهار جديد وكيف أنها (وجدت القط الخاص بالأسرة مشنوقاً بشجيرة الخروع، إن نصفه الأسفل في الظل) ـ ما الظل؟ أي ظل؟ ـ (نصفه الأسفل كان محطماً وقد تيبست أطرافه في رياح القيلولات اليومية) ـ ما القيلولات اليومية؟ ـ (وأن أحداً قد علقه من رقبته بأغصان الشجيرة) ـ مَن الذي علقه؟.. أحدهم!. مَن هُـم؟! ـ وزعمَت أنها بدأت تراني أشبه فاكهة مخزونة.
حين تسلل لهب من فوهة النفق فأخافني وهربت إلى العمق،،، ولم أقو على الطَرق لستة نداءات إلى الطعام.
قالت (إنه مات من الجوع ـ وهذا يعني أنه لم يعد يقفز ـ لم يشنقه أحد بالضبط بأغصان شجيرة الخروع، بل كان يرجو بموائه أن يلعق بقايا مسحوق الحليب (حليب الأولاد) ـ حليب مسحوق؟! ـ
(أمرني بالغطس في البركة ـ لأنني وسخ ـ فخفت من الدعاميص السوداء الصغيرة أن تدخل في ثقوبي. آه.. توقعت أن أنزلق بمخاط الطحالب ـ وبذلك فإن الطبيعة تهيئ له إمكانيات الطاعة ـ وبكيت لأجل شفقته. وقال لي بهدوء: ممنوع. ثم زوبَع بـ: ممنوووع. فبكيت، لكنه حرك أصابعه الخشبية على جدار بطني ليضحكني بالقوة) ـ هذا ما أذكره ـ إنه لأمر طريف: النفق الأوسع ضيقاً ـ أبصرتهم يهربون إلى طعن الساعة ويجزئون الدقائق بالحديث عن المنقول،، وأنا أعرف أن للمنضدة أربعة قوائم.. سابقاً، ما من أحد يستغني عن سيقانه الخشبية تماماً ـ طرقة، طرقتان.. وأصل إلى الشيء، أحصل على كل شيء، أعرف كل شيء.. فلا أعترف بالهزيمة ـ . ـ أسمعهم، أقدامهم تصعد نحو علوّ أبي المقدس، وقد هدأ صوته منذ أن بدأتُ بالحفر فلأعترف: لا شيء في الخارج، لا شيء سوى هذا النفق.. هناك سأجدها واقفة ـ بانتظاري ـ خلف أطفالها.. في فضاء ممتد إلى ما لانهاية،، وهناك أبي الذي يُشرف على الجميع برحمته المزلزِلة.. ورأسه الحليق المدفون في الظلمة، وعينيه الدائريتين كعيني صنم سومري.
لا أعترف بالذي تسميه زوجتي (الصيف) و(الشتاء) ولا بكل الأسماء الأخرى..
اقتربَ الهدف الآن لأن وقع الطَرقات يُنبئني بالوصول: صوت ضخم يدل على اهتزاز الهواء خلف شيء ما.. وهناك أجد الكنز. نادتني من باب النفق: (صاروا عشرة، وهم بحاجة إلى حنوّكَ، بحاجة إلى التعليم. الصغير يكتشف فائدة قدميه، لذلك فهو لا يكف عن البكاء ولا يدعني أغمض عينيّ رغم أني تناولت علبة من الفاليوم ـ ما هو الفاليوم؟! ـ البيت بحاجة إلى مكنسة، والرجال بحاجة إلى رعاية لذلك فإن السلّم بحاجة إلى ترميم) ـ أي رجال؟! ـ. لمَ يصعدون السلّم ولا يردهم أبي؟ ـ وقرأتْ على ضوء نادر، في البداية البعيدة للنفق، أسماء الذين تزوجوا والذين ماتوا بداء النقرس، وأسماء المعزولين بسبب البرنويا ـ ما هي البرنويا؟! ـ. نادتني بصوتها البعيد المختنق القادم من مجاهيل (إنكَ مَدِين لمصلحة المجاري، مدين للقصاب، مدين لشركة التأمين، مدين لبعض أصدقائكَ) ـ مَدِين؟!! ـ (وقد وجهوا دعوة لحضور عيد ميلاد السيدة إيناس ـ يا للفرح! ـ إنها تطفئ الشمعة الخامسة فقط، أما بقية الشموع فقد تناولها الحضور مع الحلوى ـ على سبيل الدعابة طبعاً). وسمعتُ صوته مقاطعاً: (سوف تجد كل شيء.. كل شيء.. ل شيء). ظللتُ أدق أدق أدق أدق،،، وسقط المعول في أرض هشة، في هواء أسود ملوث.. وانبثقت رائحتـ (ـه). تلمستُ: هنا حافة الطاولة، هنا كوب القهوة لم ينقص منه شيء باستثناء ما تبخر في فضاء الغرفة.. وهنالك عيناه المظلمتين كعيني صنم سومري.. وهتفتُ بكل ما أملك من هواء مخزون ولهفة معتَّقة: أبي!! لقد وجدتـ (ك) أخيراً...

حزيران 1985
------------------------------------------------
*نشرت في صحيفة (المدى) العدد 104 بتاريخ 3/5/2004 بغداد.

22‏/02‏/2009

Te lo prometo Hassan Mutlak


Te lo prometo Hassan Mutlak

Por: Irakya

La verdad es que no sé por qué te escribo esta carta, quizás es porque en el fondo creo que la leerás. Porque de alguna forma sigues aquí con todos los que te recuerdan.
O quizás más bien te escriba por necesidad propia, porque quiero decirte que has despertado en mí un sueño.
Verás, soy iraquía, como tú, nací en 1980, pero tuve la suerte o la desgracia, de salir de allí con sólo dos años. Eso no fue impedimento para que dejase de amar mi tierra, tampoco para olvidarme de vosotros.
Fui a parar a la tierra de Lorca........sí Lorca, tu Lorca, mí Lorca, el de la generación del 27.Y me críe allí , por lo que todos mis recuerdos de infancia, son de esa tierra andaluza, de esos patios, de esas macetas……………………….Puede que sea por eso por lo que me gustó siempre tanto leerle puede ser también que mi padre tuviese mucho que ver en aquello. ¿Sabes? A él le encanta Lorca…………..Durante mucho tiempo, soñé con encontrar algún día algún escritor iraquí que sintiera como siente cualquier miembro del ´27.Era como una ilusión, a veces incluso como una utopía, porque apenas soy capaz de leer bien el árabe. Pero era una ilusión que estaba ahí, y que recuerdo que este verano, estando en Marruecos, frente al mar, le comenté a mi amiga Cynthia, que algún día, cuando me sintiera con fuerzas, os buscaría a cada uno de vosotros, y buscaría todos esos sentimientos y sensaciones en común de aquellos que sufren ………¿Sabes..............? ¿Sabes? A él, si a ese, al tirano, al opresor, al dictador, también lo ahorcaron, hubo quien lloró de alegría, también hubo quien le lloró, otros no pudieron sentir nada….quizás miedo, quizás pena, pena de si mismos, pena por alegrarse pena por no poder sentir, pena por todo lo que hemos vivido, y pena por los que no habéis podido vivir. Imagino que el hecho en sí, no fue consuelo, ni para ti, ni para los que te perdieron………………….
Saber de tu existencia, saber que tú eres el Lorca iraquí, que existes, que no era un sueño, es un regalo, es juntar mis esencias, mis sueños, mis recuerdos, es juntar mi infancia iraquí con mi infancia granadina………………Despiertas en mí el sueño, la ilusión, la intención de poder llegar a leerte. Y de prometerte desde lo más profundo de mi alma, que cuando lo consiga escribiré un libro sobre ti, sobre ti y sobre Lorca.
Te lo prometo Hassan Mutlak.

21‏/02‏/2009

دكتوراه عن حسن مطلك


دكتوراه عن حسن مطلك في العراق

2007

الروائي العراقي حسن مطلك الذي أعدمته السلطة العراقية السابقة سنة 1990 ومنعت أعماله، تحظى أعماله الآن في بلده بالاهتمام، فقد حصل الطالب عبد الرحمن محمد محمود الجبوري على شهادة الدكتوراه فلسفة في الأدب العربي الحديث عن أطروحته الموسومة (الخطاب الروائي عند حسن مطلك دراسة تأويلية) والتي نوقشت في جامعة الموصل كلية التربية من قبل اللجنة المؤلفة من أ.د. عمر محمد الطالب رئيساً، أ.د. إبراهيم جنداري، أ.م.د.بدران حسين، أ.م.د.محمد صالح رشيد، أ.م.د.سعد ياسين العكاش أعضاءً. وأعدت تحت إشراف أ.م.د. عبد الستار عبدالله صالح البدراني. وقد قُسمتْ هذه الدراسة على ثلاثة فصول يسبقها تمهيد تنتهي جميعا بخاتمة موجزة. تناول التمهيد في جزئه الأول حياة حسن مطلك في بعض تفاصيلها المهمة، ونتاجاته الأدبية، أما الجزء الثاني من التمهيد فقد تناول: مدخلاً في نشأة التأويل ونطور مفهومه، ومرحلة التأسيس، ثم العلاقة بينه وبين المصطلحات التي تقترب منه أو تشتبك معه في المفهوم كالقراءة والهيرمينوطيقا، ثم محاولة تحديد المصطلح التي تنتهي بمفهومٍ إجرائي للتأويل حدده الباحث واعتمده في دراسته. وتناول الباحث في الفصلين الأول والثاني تقنات بناء الرواية ودورها في تأويل النص والكشف عن قصديته حيث قسم الفصل الأول على مبحثين تناول الأول الزمان ودوره في تأويل النص خلال التقنيات التي استخدمها الكاتب في بناء الزمن في روايتيه (دابادا) و(قوة الضحك في أورا) كالأستباق والأسترجاع وتعطيل السرد وتسريعه باستخدام تقنياتهما الخاصة كالحذف والتلخيص والمشهد والوقفة الوصفية. أما المبحث الثاني فقد تناول المكان وعلاقته بالشخصيات مؤثراً ومتأثراً، ودور ذلك كله في الكشف عن قصدية النص حيث قسم المكان إلى أماكن مفتوحة تشمل النهر، والوادي، والقرية والمكان الأثري. وأماكن مغلقة شملتْ كالبيت، الغرفة، السرير، البئر. فيما تناول الفصل الثاني الشخصيات، والرؤى السردية، والحوار، في ثلاثة مباحث. أما الفصل الثالث فكان في ثلاثة مباحث أيضاً تناول الأول اللغة الشعرية من حيث قدرة الكاتب على استخدام اللغة استخداما خاصا يسمو بها من لغة النثر إلى لغة الشعر، ما يفتح النص على فضاءات وأفاق أوسع، وتأويلات يمكن أن تتعدد بتعدد القرّاء. وفي المبحث الثاني تناول الأسطورة والرمز ومقدرة الكاتب على توظيفهما في روايتيه بهدف الوصول إلى غاياته ومقاصده. وخصص المبحث الثالث للكشف عن رؤية حسن مطلك الإنسانية الشاملة إزاء العالم والمفاهيم الكبرى التي تشغل الفكر الإنساني والقضايا التي تتحكم بمصير الإنسان، ونضاله من أجل وجوده، وجاءت الخاتمة لتحتوي على أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة.



قصيدة وترجمتها الإسبانية /árabe-español / عبدالرحيم الخصار


قصيدة للشاعر المغربي عبدالرحيم الخصار

حَسَن مُطلَك

ـ .. إلى مروة وسارة بالضرورة ـ

ـ ح ـ
إنها تتساقَط تباعاً
الكلمات التي حرصتَ على حياكتها من الخشب
وتعليقها ببالغ الحذر على الباب.

ـ س ـ
الغرفة التي كنت تحيى فيها أضحت ميّتة
الجدران تنتحب
الشمعدان ذو القد الفارغ انحنى
ومزهرية الطين انزوت في ركن من الغرفة
وجلست تتألم وحيدة من أجلك.

ـ ن ـ
إنني أقف على العتبة
تاركاً الباب موارباً
ورافضاً أن أدخل
أطل على ظلالك متوجساً من ظلي
وأسأل نفسي سؤال أندريه شديد؛
بم تفيد الكلمات في مواجهة من يموت؟.

ـ م ـ
القناصون الذين كنتَ طريدتهم
لم يكونوا حمقى
كانوا فقط يُخرجون ملاكاً صغيراً من الجحيم
.. ربما كانوا عمياناً فحسب
لذلك رموكَ، بَدَل الورد، بالرصاص.

ـ ط ـ
لازالت أمكَ في قبرها
تقف على مقربة من النافذة
تواري جثة الذكريات
وتسأل عنك الموتى الجدد:
هل صادفتم طفلاً من شمال العراق
كان يدس لعبه في قبو الجيران
يجر خلفه مدفعاً قديماً
ويُسقط طائرته التي من ورق
ثم يكنس ساحة الحرب
ويجلس خلف سور البيت يكتب الروايات؟.

ـ لك ـ
لقد كانوا آلهة في صروحهم يا حسن مطلك
.. فلماذا صاروا كالجرذان؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبدالرحيم الخصار: شاعر من المغرب. Khassar@hotmail.com

------------------------------------------------------------

HASSAN MUTLAK

Poema de: Abderrahim Elkhassar
Traducción de: Abdallah Taouti

Necesariamente a Marua y Sara, las hijas de Hassan Mutlak.

-Ha-
Están cayendo sucesivamente
las palabras que anhelo pulir de madera
y colgar con mucho cuidado sobre la puerta.

-SSA-
la habitación donde vivías ya está muerta
las paredes están llorando
el candelabro alto está inclinado
el jarrón de barro se apartó a una esquina de la habitación
y se sentó sufriendo por ti solo.

-N-
Me paro en el umbral
dejando la puerta entreabierta
negándome entrar
asumo a tus sombras con temor a las mías
y me pregunto igual que Andri Chadid:
¿Qué utilidad tienen las palabras frente a quien agoniza?

-MU-
Los francotiradores de quienes fuiste victima
no eran tontos
sólo trataban de sacar un pequeño ángel del infierno
a lo mejor eran ciegos
por eso te pegaron un tiro en vez de echarte flores.

-T-
Tu madre aún sigue en su tumba
de pie cerca de la ventana
enterrando los cadáveres de los recuerdos
y preguntando por ti a los recién muertos:
¿Habéis visto a un niño del Norte de Irak?
¿habéis visto a un niño que metía sus juguetes en el sótano de los vecinos?
¿Un niño que arrastraba un antiguo cañón
y derribó su avión de papel
barrió el campo de la guerra
y se sentó fuera de la casa escribiendo las novelas?

-LAK-
Fueron dioses en sus castillos, Hassan Mutlak
¿Entonces por qué son ahora como las ratas?
--------------------------------------------------------------
* Abderrahim Elkhassar, poeta y escritor marroquí.
*Abdallah Taouti, traductor y escritor marroquí.

Abdallah Taouti

16‏/02‏/2009

مسابقة القصة 2006 في ذكرى حسن مطلك


مسابقة القصة في ذكرى حسن مطلك

2006

أقام منتدى سديرة الثقافي المسابقة الإبداعية الأولى بميدان القصة القصيرة بمناسبة ذكرى رحيل حسن مطلك وتم إعلان النتائج وتوزيع الجوائز في حفل تكريم حضره أكثر من 150 شخص من شتى المناطق المجاورة لقرية الراحل وذلك في مساء يوم السبت 11/11/2006م. وتألفت اللجنة المنظمة للمسابقة من كل من: الدكتور رمضان علي عبود، الكاتب والباحث هلال حمود هايس، الكاتب والصحفي إدريس حسين إسماعيل إضافة إلى الدكتور محسن الرملي كعضو شرف. أما اللجنة الإدارية فقد تكونت من: عبدالله محمد عبود، ياسين سلطان جادالله وكامل أحمد مطلك.

ــــــــــــــــــــــــ

مقتطفات من الكلمات التي أُلقيت في الحفل

بعد الكلمة التي ألقاها السيد كامل أحمد مطلك عن عائلة الأديب الراحل حسن مطلك، والتي رحب فيها بالحضور وبالمشاركين وعبر لهم فيها عن شكر العائلة لهذه الالتفاتة القيمة واستعدادها لدعم أي جهد يصب في الحفاظ على ذكرى حسن مطلك والتعريف بإرثه الإبداعي وبشخصه. قرأ السيد عبدالله محمد رمضان كلمة عن المشتركين في المسابقة، ومما جاء فيها:
" إلى عملاق الكلمة الصادقة... إلى الذي صنع من (دابادا) شراعاً لتبحر سفينة الأدب في بحور الروايات.. السلام عليك أيها الحسن وأنت تنعم بالخلود.. حسن، حسن، حسن، في هدأة الليل قد يرتابك الناس وأنت تطرز صفحة الأدب من مداد خوفك الوجل.. فابدأ بجولتك الأخرى وأنت في رحم الأرض، وحملق بعينيك من الزوايا المكتظة بالويل والصراخ.. ضم إليك بعض ما يمنحك من الراحة.. وراسم نشيش الدماء ونزيف الجراح في جبهتك المسلوبة مشيراً إلى الرقبة المستلة وعد بأدراج بداياتك إلى مواساة نهاياتك... فكل ما كتبت سيبقى مسطراً غزيراً للأجنة القادمة وهي ترفرف في أرحام الأمهات.
في الذكرى السادسة عشر لرحيلك.. كل ملامحنا كالحة، وكلامنا كثير ولاشيء سواه، فالدروب ضائعة.. والطرق اهتزت أرضها وربت فانشق عن رحمها أسلاك شائكة لتجرح النسيم وهي باركة فوق صدورنا..
أهلي وملاذي وسادتي:
إن حسن مطلك آت إلينا.. الآن.. انه ضيفنا وصفيّ مجالسنا فاتركوا له مقعداً شاغراً كي يتصدر الجميع.. فما اعتاد إلا الحديث المؤدب الجسور.. فهل سمعتم أن النهر يتعب...؟؟ ستبقى يا حسن نهر دائم جريانه وكالغيث الذي أينما وقع نفع.. سنستمد منك كيف نكتب..؟؟ وكيف نرسم..؟؟ وكيف نواجه لف الحبال حول الرقاب..؟؟..
أنت غادرت يا حسن دون أن تلتفت.. لأنك تعلم انه لم يقف أحد إلى جنبك أو خلفك.. وكل من وقف زرعوا في جسده اطلاقات وفي رأسه طلقة الرحمة... عفواً طلقة الانتقام.. أية رحمة هذه كي يقايضوا بها الموت. عفواً فنحن الذين غادرناك يا حسن.. فما لك منا سوى الذكريات.. واتخذنا غير ما تشتهي سبيلاً للنجاة.. اعلم وأنا على يقين بأنك تعلم أن (سديرة) التي عمت صباحاً ومساءاً في حضنها نزعت ثوب عرسها وتوشحت بالسواد، فكل شيء أسود إلا الشعر فقد اختار حزنه بالبياض..
قبل ستة عشر عاماً كنت كالشمس في الشروق.. أما اليوم فلا نبض في العروق... ولم يبق بيننا إلا الأرض فمنا من صعد إلى الأسفل ومنا من نزل إلى الأعلى.. هل تتذكر رنة الهاون..؟، أَم نداء الهيوات.. مرددا (حي على الصلاة)؟، أَم قصب البو حلاب الذي أولج في الغياب؟، أم معمل فرج الحداد؟، أم أفعى الوهم لحسن الناصر.. أم.. أم.. أم.. إني أعلم أنك مشتاق.. لكنهم رحلوا وليس كرحيلك.. فرحيلك أقسى..
حين تطوي القرى والمدن أسمائها.. ينهض اسماً جديد يقاسمنا الزاد والوجد.. فالعصور تحتضر.. وها نحن اليوم نولد في عصر جديد.. لا نفهم سوى لغة النار والحديد وقطع الرقاب من الوريد إلى الوريد.. فنم يا حسن قرير العين ولا تندم فليس بيننا سعيد..".


* * *

من كلمة السيد حميد محمد العنكود عن الحاضرين:

في هذا الحفل التكريمي (للمسابقة الإبداعية الأولى بميدان القصة القصيرة للعام 2006) الذي يقيمه منتدى سديرة الثقافي والذي أقيم تزامنا مع ذكرى رحيل الروائي حسن مطلك، الذي دخل الأدب من أوسع أبوابه وهو ابن سديرة التي وصفها الدكتور محسن الرملي بأنها (قرية مغمورة ترقد على ضفاف دجلة بجانبها الأيسر، وسميت سديرة تصغيراً لكلمة السدر، اسم أشجار كانت تنتشر فيها).. واليوم اقترح على مؤسسي منتدى سديرة الثقافي بان نطلق على المنتدى تسمية ثانية هي (منتدى دابادا وشواطئ الدم) لكثرة كتابها وأدبائها، فما تُذكر سديرة إلا وتُذكر رواية (دابادا) لحسن مطلك ورواية (شواطئ الدم شواطئ الملح) لإبراهيم حسن ناصر وبالعكس.. نعم غادرنا حسن و(دابادا) في مهدها ولكنها خلدته وخلدت اسم سديرة ورفعته عالياً كما خلد غيره من كتاب العالم مدنهم وقراهم.. ولأن إبراهيم حسن ناصر قد رحل هو الآخر من أجل الوطن فلابد أن يبقى خالداً بيننا أيضاً. أناشد المقروء والمسموع وأخص جريدة (المدينة) أن يضاعفوا جهودهم من أجل الحفاظ على هذه الثروة الأدبية الموجودة في هذه المنطقة لان (المدينة) كجريدة تعتبر هي الأرشيف الذي يحتفظ بنتاجاتنا، خاصة وأن مدينتنا (الشرقاط) وآشور لها عمر يناهز 3000 سنة كله ثقافة وأدب وعلم وطب وما إلى ذلك من العلوم الأخرى فيجب علينا أن نكون خير خلف لخير سلف وكذلك من أجل الحفاظ على لغتنا العربية التي تناشدنا بلسان حالها وتقول لنا عن طريق الشاعر حافظ إبراهيم:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل تسأل الغواص عن صدفاتي
فمن حقنا أن نفخر بأننا عرب وكما قيل (العرب جمجمة الإسلام) ومن حقنا أن نفخر بان خاتم الأديان السماوية نزل عربياً وخاتم الأنبياء عربياً..
وأشكر جميع من قام على إنجاح هذا الحفل، وأخص بالذكر منهم الكاتب والصحفي إدريس حسين إسماعيل والكاتب والباحث هلال حمود وجميع أعضاء المنتدى وأشكركم مرة أخرى على سعيكم في تكريم ودعم الكلمة الحرة.


* * *

من كلمة السيد إدريس حسين إسماعيل عن اللجنة المنظمة:

حين بدأت الفكرة لإعلان المسابقة الإبداعية للقصة القصيرة أحسسنا بنشوة لا حدود لها، وأردنا من ذلك أن نلملم جراحنا التي لا تزال تنزف دماً وصديداً... كنا حريصين على إنجاح هذه المسابقة مهما كلف الأمر... لأننا نجد في ذلك نصراً كبيراً، ومنه كسر للقيود التي تحيط بنا أو ربما إعادة المياه إلى مجاريها. بدأنا ندرس كيف نضع اللمسات الأولى لهذه المسابقة.. وعلى الفور. تم الاتصال بالأخ الدكتور محسن الرملي شقيق الراحل حسن مطلك، فبارك لنا سعينا، وتم بالفعل وضع أسماء اللجنة.. وبدأت الرحلة في ظروف أمنية صعبة جداً.
كنت أتجول بين القرى والأماكن على الرغم من المخاطر، كاسراً كل القيود من أجل إنجاح المسابقة لأنني أنظر إلى الأدب نظرة ترى بأن عليه أن يواكب حياة الناس يوماً بعد يوم.. وكم كان سروري كبيراً وأنا أتسلم (18) قصة لكاتب وكاتبة.. أنهم من هواة الأدب الحديث في هذه الديار العريقة التي أنجبت الأدباء المبدعين: حسن مطلك، إبراهيم حسن ناصر، محمود جنداري، حمد صالح، محسن الرملي، حمد الدوخي.. وآخرين.. إنهم نجوم لامعة في سماء مدينة الشرقاط ومحيطها..
كما يسرني أن اشكر الدكتور محسن الرملي على توجيهاته القيمة وهو في إسبانيا، وأشكر الأخ الدكتور رمضان علي عبود لدراسته النقدية للقصص المشاركة، وأشكر الدكتور عواد فرحان الجبوري على دعمه اللوجستي من أجل إنجاح هذه المسابقة، وأشكر السيد عبدا لله محمد عبود لاستضافة الحفل التكريمي في قاعة الحدباء، وأشكر مدير وشرطة الساحل الأيسر في الشرقاط لتعزيز الأمن للتجمع الثقافي. كما أشكر الأخ هلال حمود على دوره المتميز وسهر الليالي من أجل إتمام المسابقة.. وأشكر كل من ساهم في هذه المسابقة، وأتمنى لهم الاستمرار في الكتابة والنجاح.. وإلى الأمام والله الموفق.

* * *

من كلمة السيد إبراهيم آل إمحمود عن (منتدى سديرة الثقافي) :

هذه الكلمة تجميع بعض مما قرأت وأرى لأجل أنسنة الإنسان قبل أن تفلت الأفلاك من مداراتها. ربما يتساءل الكثير عن جدوى الثقافة ويقولها آخر (الثقافة ما توكل خبز) لكني أقول كي تذوق طعم الخبز عليك أن تتثقف، كي تفهم نفسك والآخر كي تحافظ على إنسانيتك وآدميتك التي خلقها الله وجعل الملائكة تسجد لها ولا تسجد إلا للواحد الأحد.. كون المبدع إنسان فاعل في بيئته ومجتمعه وذو تأثير مباشر في طبيعة العلاقات الناظمة لهذا المجتمع. ويتعين عليه الوقوف على مشكلات مجتمعه والبحث لها عن حلول ثم كتابتها بأسلوب يفهمه أبناء المجتمع وتمثل خطاباته وبالتالي سيغدو مبدعاً أصيلاً ينطلق في رؤاه من مجتمعه. وفي اعتقادنا أن أهم عامل يشكل أزمة التلقي هو ارتفاع نسبة الأمية. حيث الأمية الأبجدية والعجز الكلي أو الجزئي عن القيام بعملية القراءة والكتابة إلى جانب الأمية الثقافية التي عملت على توسيع الفجوة بين الإنسان والكتاب. والحق إن الموضوع لو عولج بإلقاء المحاضرات المتبوعة بالمناقشات الرصينة وخصوصا مسألة الآخر واصطراعه مع الانا أو مع النحن على الأصح. فالهوية العربية الإسلامية أو الهوية الوطنية واصطراع النحن مع الآخر ومحاولة إثبات الذات في هذه الجدلية وخصوصاً نحن في هذا الزمن المر العصيب الذي تهجم فيه العولمة على كل القيم الوطنية المحلية التي لا تتماسك الهوية إلا بها وفيها ومن خلالها مع أننا لا نريد أن نخوض في أصل المفهوم وتطوره لأننا لو جئنا إلى ذلك لاستحالت هذه المقالة إلى الطول الممل كونها مفاهيم فلسفية سياسية اقتصادية أو مصطلحات.. لذلك سأعود إلى حيث تشير الدراسات إلى أن العربي في العصر الجاهلي كان يعرف الكتابة وإن لم يستخدمها إلا في الأغراض السياسية والتجارية أم الحاسة الجمالية فلم تكن مهمشة أو مغيبة بل عرفت مبكراً، ويكفينا فخراً أن الرؤية الانطباعية الأولى التي قدمتها أم جندب كأول ارتسام عربي نقدي جمالي حين قارنت بين امرؤ القيس وعلقمة في قول الشعر ففصلت بين الجميل وما دونه، إنها النواة العربية الأساس التي يؤطرها الذوق الفني الذي يؤسس لعلم الجمال الذي سيحفل به التاريخ من خلال أسواق الشعر كعكاظ والمربد.
"حين جاء الإسلام كانت أول كلمة ربانية نزلت على الرسول (ص) هي (اقرأ) ففعل القراءة فعل ماكر أي أن العملية ذات الوجهين. إذ لا يمكن القيام بالقراءة إلا من خلال فك الشفرة المرسومة كتابة أو رسماً أو لوناً. ولهذا كانت متواليات الآيات تزيد من الإفصاح والتوضيح (اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لا يعلم) ففعل القراءة/التعلم رهين بالعلم.. وما القلم إلا الوسيلة إلى ضرورة الكتابة". (مصطفى إجماع/كاتب من المغرب).. لقد كان ثاني مجال بعد الشعر اهتم به العربي أولاً والعربي المسلم ثانياً بحكم أنها مشروع مادام كل ما ينزل على الرسول محمد (ص) من وحي يستدعي الكتابة ولهذه المهمة النبيلة تكلف رجال أكفاء من أصحاب خبره بهذا الميدان ـ كتاب الوحي ـ كان من جملتهم الخلفاء الراشدين وثلة من الصحابة.
إن التراكمات الكتابية الخطية التي سجلها الناسخ المبدع على مر التاريخ بمختلف الطرق ومختلف الأدوات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك جوهرة هذا الفن اتجه نحو الإبداعية ذات الأبعاد الدينية والفلسفية والثقافية وهو ما جعل مناخات روح الإسلام بكل تجلياتها تهيمن على هذا الفن. انه بمعنى من معاني عظمة الخالق. إذ شرف الإنسان باليد التي تمسك بالقلم. ولان حسن مطلك يقول (إن الشر فكرة والحب طبيعة) دابادا. والفلاسفة يقولون (لا أحد شرير طواعية). ولكي تترجمها بتحريف بسيط (لا أحد ميال للاقتتال طوعاً). تظل الفكرة المركزية هي نفسها: الجهل وحده هو العدو والشر أو (المقاتل).. هم ضحايا جهلهم الخاص نفسه فمنهم مخطئون في موضوع الصلاح، ويخلطون بين الحاجة إلى التضامن الإنساني وحب الحقيقة والصلاح مع مصالحه الخاصة أو حساباتهم قصيرة النظر الهادفة إلى المحافظة على السلطة، أي سلطة.. لا يهم، وبما أن روابط الجهل هي المرض والعدوان وأضدادها هي المعارف والفوائد والسـلام، فعلينا مواصلة العمل على كل ما يعزز دور المعرفة والإبداع والخير والجمال والســلام.

* * *

مُداخلة ومَدخَل


عبد محمد جرو

هذه مداخلة ومدخل للجهد الذي قدمه لنا الأستاذان (رمضان علي عبود وهلال حمود هايس) في ميدان نقد وتحليل إحصائي رياضي للقصص المشاركة في المسابقة المقامة بمنتدى سديرة الثقافي.
ولكن اسمحوا لي أولاً أن أعرج بلمحة إلى التاريخ القديم للقصة والأدب في العراق القديم. فنحن أصحاب إرث حضاري جم. وثقافي عريق. تمتد جذوره إلى آلاف سنين مضت. فأولى أحرف الكتابة في العالم خطت على الطين قد عرفت في مدينة "الوركاء" في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد. وأولى الملاحم والأساطير كتبت على ضفاف دجلة والفرات. وحفظت لنا الرقم الطينية المكتوبة بالخط المسماري أروع القصص والأحاكي الجميلة وبرعوا بالفنون التطبيقية الجميلة وأجادوا فيها. فرسموا لنا الكثير من اللوحات الفنية الجدارية. إضافة إلى نحت التماثيل وإقامة النصب والمسلات في الساحات العامة ودونت الملاحم والأساطير والقصص لأبطال عراقيين عاشوا أزمان مختلفة من تاريخ العراق القديم..
لقد أتحفنا الأستاذ (رمضان علي عبود). وتفضل علينا مشكوراً بدراسته ونقده الإبداعي في ميدان القصة القصيرة، حيث تفحص وتمعن ودرس كل قصة على حدة. وأعطانا فيها رأياً رشيداً وتقيماً موفقاً وبموازنة جميلة في النقد والتحليل وبدون مواربة ولا محاباة لأحد. وكأنه ميزان عدل لا يعرف "الدغش" وساطورة حق تقطع لتجبر. فهو ينتقد في مكان النقد. حيث درس كل قصة وأعطى تقيماً لها من الناحية الجمالية في الأسلوب والسرد القصصي والحسي والمعنوي والإبداعي. وأجرى عليها مقارنة النقد لمقومات القصة القصيرة من تجريح وتشريح وتعديل حتى الاستقامة. وأدخل عليها المستلزمات الأساسية لكتابتها فكان (للزمان والمكان والشخوص حضوراً فيها). فنجده يشير إلى مواطن الإجادة في القصة ويرفع بها درجات بأمان وثقة ويصب من عصارة فكرة وتجربته فيها قوة لينمي فيها مجال الإبداع. كما يشير أيضاً بكل وضوح ودقة إلى أماكن الضعف وعدم التوازن. ويحاول بجهد عنيد وأدب رفيع وإحسان متواضع تقويم الخلل بحيث يستفيد منه كاتب القصة والقارئ والمستمع والمتلقي مستقبلاً وبدون أن يجرح حسه الأدبي لأنه يمر على الحدث والخطأ بمدار قلم رشيق وأمانة علمية رصينة وأكاديمية متخصصة محترمة. وعمله هذا واضح من خلال ما قدمه لنا من نقد بناء وتحليل برؤيا علمية لكل قصة... حقاً، لقد وفق في دراسته حتى وصل إلى قمة الإبداع في إضافة ملاحظاته النقدية عن كل قصة من القصص القصيرة والمشاركة في هذه المسابقة الإبداعية المباركة.. فشكراً له ولجهده.
وقدم لنا المحلل الإحصائي الرياضي (هلال حمود هايس) في مجال الإبداعات المشاركة في مسابقة القصة القصيرة. إبداعاً وتحليلاً رائعاً وجميلاً بأسلوب تحليلي إحصائي علمي رشيق. حيث أخضع الفن الكتابي في القصة القصيرة وإدخالها مختبره التحليلي العلمي المجهري. وكأنه يتفحص عينة مرضية أخذها من شخص مريض، ليتعرف ويكتشف نوع المرض الذي ألم به والجرثومة التي أصابت جسمه بعلة. ولكن هنا تختلف الجرثومة المرضية. إنها جرثومة فكر ومعاناة وتأمل وقلق وحب وحنين والآلام ونزوات بشرية وشيطانية وهموم وطن محتل نهبت خيراته وترك أبناءه عراة حفاة يعصر الجوع أفئدتهم فهم لا يجدون ملاذاً ولا من منقذ. فالعلة أوسع من أن يشخصها مختبر واحد. ولكن الفحص الدقيق والتأني والمثابرة لمعالجة مثل هذا المرض الخطير يحتاج إلى صبر جميل. لأن الوهن قد يكون أصاب الجسد كله من قمة الرأس حتى أخمص القدم. والإنسان هنا شبه يحتضر بأدبه ومخه وفنه وقصصه ولكن البراعم الجيدة لا يقتلها هواء الخريف وبرد الشتاء لتعود في الربيع يانعة متجددة تصارع القدر وتعيد دورة الحياة رغم الرياح العاتية الصفراء.
نعـم.. لقد أجـاد المحلل والدارس الإحصائي (هلال حمود) وأصـاب الهدف "في الكحلة" فأعطانا نسب مئوية ثابتة عن أعمار المشاركين ومهنهم وثقافاتهم وتحصيلهم العلمي والثقافي وموقعهم الجغرافي وحالاتهم الاجتماعية ونزعاتهم الشخصية وميولهم السياسية. وأعطانا فكرة واضحة عن خلفية وأرضية لكل قاص شارك في هذه المسابقة المتواضعة ولكننا نتوسم فيهم خيراً كثيراً ومستقبلاً باهراً. إذا اشتد عودهم وقويت أجنحتهم وعضدت شكيمتهم وأينعت أشجارهم بأثمار شهية وجادت رياحهم عطراً طيباً زكياً.. هناك نكون قد فزنا ومحونا الأقدام الهمجية عن ارض وطننا.

ملخص عن المسابقة / هلال العبيدي


ملخص عن المسابقة الإبداعية الأولى بميدان القصة القصيرة

للعام 2006

هلال حمود العبيدي

تعتبر هذه هي التجربة الأولى لنا هنا في مجال تنظيم مسابقة إبداعية من هذا النوع، وعلها تكون البذرة الأولى لزرع قادم في أرض لم تكف عن إنجاب أنامل مبدعة. لقد كانت هذه التجربة بمثابة تحد لجملة من الظروف العصيبة المحيطة بأبناء هذه المدينة وقراها الممتدة على ضفاف نهر دجلة والتي مر على تاريخها عقود من الزمن. فتم عبر هذه المسابقة انتقاء افضل أربع نتاجات لهواة كتابة القصة القصيرة في مدينة الشرقاط والبالغ تعداد سكانها حوالي (200 ألف نسمة) تقريباً عبر التحكيم الذي ضم تحليل النتاجات ونقدها أدبياً من خلال كفاءات في هذا الميدان من الأدب. وجرى استلام القصص القصيرة المشاركة خلال دعوة وجهت عبر النشرات والهاتف والدعوة المباشرة والتقدم بالدعوة إلى وسائل الإعلام في المدينة من تاريخ 1/أيلول/2006م ولغاية 1/تشرين الأول/2006م. فكانت الدعوة عامة للمشاركة بالمسابقة المقامة بمناسبة الذكرى السادسة عشر لرحيل كوكبة من شهداء حركة السادس من كانون عام 1990 وفي طليعتهم الروائي (حسن مطلك)، فتم استلام (ثمانية عشر نتاجاً) تحدثت عن مواضيع مختلفة تضمنت (الوطن. المحتل. حقوق الإنسان. الحرب. السلام. الحب. الغربة. المستقبل والطموح. حسن مطلك. العراق وأمنه. الطائفية. المرأة. التقاليد. الأقدار. ومواضيع أخرى ذات أبعاد ودلالات نفسية).
أما الكُتاب الذين شاركوا فقد اختلفت أعمارهم ووظائفهم وأجناسهم وتطلعاتهم وتحصيلهم الدراسي، فقد اشتركت كفاءات علمية وطبية وفنية وتعليمية وأكاديمية وإعلامية، فأضفى هذا التنوع سمات مفيدة عبرت عن تطلعات وهموم وتعقيدات ونصح قيمة وحساسية مرهفة جسدت صورة رائعة واقعية بأسلوب شعري. فلم تقتصر المشاركة على منطقة معينة من المدينة بل ضمت مشاركات من مركز المدينة ومن مناطق متفرقة ومتباعدة من مدينة الشرقاط تفصلها عشرات (الكيلومترات). فقد مثلت هذه النتاجات عينات اختيرت بطرق عشوائية من خلال توجيه الدعوة العامة لمناطق مختلفة ومتباعدة ومتباينة في كثافة تعدادها السكاني، بدءاً من (سديرة وسطى الأولى. جميلة الشرقاط. سديرة وسطى الثانية. تل محمد. سديرة سفلى. وأخيراً منطقة الشيخ حمد) مؤكدة على أن فن القص تمثل بشخص الرجل لما له من دلالة واضحة على المجتمع العشائري بمدينة الشرقاط.
جدول رقم (1) يمثل النتاجات المشاركة في المسابقة الإبداعية الأولى بميدان القصة القصيرة للعام (2006).

ت
اسم القصة
كاتبها
العمر
الملاحظات


1 أوهام قبلية
نجم ذياب رمضان
إعلامي
38 سنة
سديرة وسطى الأولى 4/9/ 2006 (آداب صحافة)

2 حلم السماء
أمل الصباح
طالبة
20 سنة
سديرة وسطى الثانية 4/9/2006 (اسم مستعار)

3 مناداة جبل
عبد الله حسين محمد
معلم
42 سنة
تل محمد 6/9/2006 مدير مدرسة (تربية لغة عربية)

4 حقيبة الدولار
صالح حسن سلامة
معلم
38 سنة
سديرة وسطى الأولى 8/9/2006 مدير مدرسة (تربية علم نفس)

5 حقيبة الأوهام الفارغة
وسام عواد حسن
طبيب
29 سنة
سديرة وسطى الأولى 12/9/2006 مدير مركز صحي

6 عش اللقلق
عبد الله محمد رمضان
موظف
55 سنة
جميلة الشرقاط 14/9/2006(صديق حسن مطلك)

7 حسن مطلك.. واقفاً ما ضر لو كان جلس
إبراهيم محمد محمود
معلم
52 سنة
سديرة وسطى الأولى 16/9/2006م (مدير منتدى سديرة الثقافي وصديق حسن مطلك)

8 علي وعمر وزمن الأوغاد
مظفر عبد الحي محمود
عسكري متقاعد
33 سنة
سديرة وسطى الأولى 17/9/2006 م.

9 انهم يقتلون الحب
طيب احمد محمود
معلم
37 سنة
سديرة وسطى الأولى 18/9/2006م .

10 سمفونية السديرات الثلاث
عبد حمد علي جادالله
معلم
31 سنة
سديرة وسطى الأولى 22/9/2006م (لغة إنكليزية)

11 ذكريات ضائعة
طارق حمد صالح
صيدلاني
27 سنة
جميلة الشرقاط 26/9/2006م .

12 البكاء على اللبن المسكوب
محسن حمود عثمان
معلم
39 سنة
سديرة وسطى الثانية 27/9/2006م .

13 أفراح مكحول العقيمة
صالح حسين صقر
مدرس
40 سنة
سديرة سفلى 28/9/2006 (آداب لغة فرنسية)

14 رؤوس بلا أجساد
مروه علاء الدين الهلالي
طالبة
20 سنة
جميلة الشرقاط 29/9/2006م (اسم مستعار)

15 طواحين الزمن
عبدالله مجبل عبدالرزاق
عسكري متقاعد
35 سنة
سديرة وسطى الثانية 29/9/2006م .

16 ذهاب ـ إياب
صفاء الشيخ حمد
مدرس جامعي
29 سنة
الشيخ حمد 30/9/2006م (آداب ترجمة إنكليزي)

17 الربيع القادم
إيمان علي العنكود
معلمة
32 سنة
سديرة وسطى الثانية 30/9/2006 (لغة إنكليزية)

18 رسالة من تحت الأنقاض
حقي إسماعيل العنكود
متقاعد
45 سنة
جميلة الشرقاط 1/10/2006م (م الشرقاط العام)

*ملاحظة: التسلسل جاء وفق تاريخ استلام القصص ودخولها في المسابقة.

وقد جاءت النسب المئوية المحصاة كنتائج تم الحصول عليها من خلال إحصاء النتائج لثمانية عشر نتاجاً المشاركة في المسابقة الإبداعية الأولى بميدان القصة القصيرة على النحو التالي:
جدول (رقم 2) (من 1 _ 9) يمثل النتائج التي تم التوصل إليها من خلال الإحصاء الرياضي للمشاركين
أ_الوظائف، ب_ الأعمار، ج_ المناطق.

ت
أ_ المهنة
النسب المئوية

ب_الأعمار بالسنة
النسب المئوية

ج_المناطق بمدينة الشرقاط
النسب المئوية

1_ معلمين مدارس
38,8%
الثلاثينات
44,4%
سديرة وسطى الأولى

38,8%

2_ متقاعدين
16,66%
العشرينات
27,7%
جميلة الشرقاط
22,22 %

3_ طلبة
11,11%
الأربعينات
16,6%
سديرة وسطى الثانية
22,22 %

4_ مدرسين جامعيين
5,55 %
الخمسينات
11,1%
تل محمد
5,55 %

5_ أطباء
5,55 %

سديرة سفلى
5,55 %

6_ صيادلة
5,55 %

الشيخ حمد
5,55 %

7_ إعلاميين
5,55 %

8_ مدرسين مدارس
5,55 %

9_ موظفين تربويين
5,55 %

تنويه: عمود الوظيفة لكل القصص ليس له علاقة بعمود العمر الذي شمل القصص وحسب النسب الأعلى جاء التسلسل وكذلك المنطقة تعبر عن النسب المستقلة عن المهنة والعمر، أي ليس بالضرورة النسب الأعلى بالمهنة هي نفسها الأعلى بالعمر والمكان بل هنالك استقلالية في العمود (أ) عن العمود (ب) وعن العمود (ج).

يمكن إضافة تعليق موجز وبسيط حول النسب المئوية التي تم التوصل إليها من خلال الإحصاء والتحليل الرياضي:

حين تفحصنا النسب المئوية التي حصلنا عليها من خلال الإحصاء الرياضي للمشاركين (المتسابقين) بميدان القصة القصيرة فوجدنا أن من عمود المهن إن النسبة البالغة (38,8 %) هي الأعلى والتي تعبر عن شريحة معلمين المدارس الابتدائية فهؤلاء الذين يحترقون شمعة من إنارة دروب الأجيال فهم يعلمون الأبجدية يؤسسون لبناء رصين من المعرفة والعلم. سبب أن نسبتهم فاقت الشرائح الأخرى يمكن اخذ بنظر الاعتبار جملة من الأمور منها العدد/فنجد أن عدد المعلمين في قضاء الشرقاط عدد كبير وهائل مقارنة بالأطباء والإعلاميين وأساتذة الجامعات والصيادلة. وكذلك كونهم يصوغون/مواضيعهم وعباراتهم يومية للتلاميذ يومياً كراوي أتقن فنه منذ أمد بعيد، ورتابة/وانتظام أوقات الدوام الذي لا يبعد عن محل سكناهم كذلك المعلم يتاجر بالفكر/ يصوغه ويقدمه لقمة جاهزة للأجيال.
ثم تلت هذه النسبة المتقاعدين وكانت (16,6 %) فاق النسب التي تتلوه لسبب إن هؤلاء يزخرون بتجارب الماضي وهم أنفقوا رحيق العمر لخدمة الآخرين، إضافة إلى حالة الفراغ التي يعيشها المتقاعد يكتب لينحى بعيداً عن ملل يحاصره في وقت ما، ويمنح تجربته درساً مجانياً للآخرين فجاءت معظم مواضيعه على هذا النحو الأمر الذي مكننا من تعليل المسألة بهذه الصيغة.
(11,1 %) هي نسبة الطلبة الذين شاركوا بميدان الأدب الرحب للقصة القصيرة فمن المعروف إن حالة النشاط والمثابرة التي تقود الطالب لتحيق طموحاته وتطلعاته منته من أن يسبق ما بعده وهي مسالة زج فكرة ما أو حدث ما وتوظيفها بأسلوب أدبي يحفه إحساس جميل من براءة الطلبة.
بقية النسب جاءت على نحو واحد هو (5.5 %) بدأت من المدرسين الجامعين والأطباء والصيادلة والإعلاميين ومدرسين المدارس وموظفين تربويين. قلة العدد الذي يمنح الفرصة الأقل وبرغم هذا فقد جاءت مشاركة الأطباء تعبيراً عن حالة إنسانية وتعاطفاً مع حالة نفسية ما من دون تجريح أو تشهير أو إساءة إلى مهمة الطبيب ورسالته الإنسانية. أما أقلام مدرسي الجامعات عالجت مسألة الغربة والحنين إلى الوطن وذكريات الطفولة وان للفراق لوعة. فلم يغب عن المثقف مسالة المرأة والتقاليد وما تبعث الألسن من دمار وجور يحصد السعادة التي نمت بفطرية أزلية منذ بزوغ شمس أولى الحضارات. وهذه النسبة التي تؤكد على كل ثلاثة أشخاص من مائة شخص من هذه الاختصاص يقدموا موضوعين تئن على مر الزمن من ويلات المحتل والحروب ولوعة فراق الروائي المبدع (حسن مطلك) الذي رحل وما كاد يرحل من ذاكرة من عرفوه وقرءوا نتاجاته وكيف كان رحيله ثمناً لطغيان الظلم والتلذذ بالسلطنة.
وقد تراوحت الأعمار المشاركة من العقد الثاني وحتى العقد الخامس، فكان العقد الثالث بنسبة 44,4 % يولي اهتماماً أكبر للقص لكون مرحلة العقد الثالث يمكن اعتبارها الذروة في العطاء والنضوج ورفد الفن والأدب بنتاجات حصيلة ما تتلمسه مشاعر تراكمت مع طيات السنين. ثم يليه العقد الثاني وبنسبة 27,7 % كون هذه الشريحة تظهر عليها بواكير الحس العاطفي والوجداني والحماسة لفعل ينمي مداركهم الذهنية ويحقق اتزان أمام طاقة هائلة تتلبد خلف هذا العقد من العمر. وجاءت النسبة 16,6 للعقد الرابع الذي تعادل فيه مستوى العطاء مع الحاجة، وحصاد ما بذرته السنين آن وقته. وأخيراً 11,11 % نسبة العقد الخامس الذي طفحت التجارب إلى محيط الورقة ليعوم القلم متراقصاً على وقع أنامل تخط قبل أن تختم ما بدأت بصرخة أولى ليتلاشى العمر على مر الأيام.
ننتقل إلى المناطق الجغرافية المختلفة لمدينة الشرقاط فيمكن اعتبار المشاركات بمثابة عينات من هذه الأماكن للمساهمة ودعم عملية فكرية وثقافية كتجربة كهذه. فقد كانت منطقة سديرة وسطى الأولى ذات النسبة الأعلى وقد جاءت 38,8 % وهذا يمكن أخذه من جانب كون الفقيد (حسن مطلك) صرخ صرخته الأولى فيها ودرس بمدارسها وعاش بها وكتب عنها وغاب عنها ليرحل ويترك كل شيء عرفه. إضافة إلى أن مقر منتدى سديرة الثقافي بهذه المنطقة وفرصة المشاركة بالمسابقة جاء تكريماً لابنهم وأخيهم (حسن مطلك) وأيضاً مقر المسابقة وجمع النتاجات كان على ارض سديرة وسطى الأولى. لتليها جميلة الشرقاط وسديرة وسطى الثانية وبنفس النسب التي جاءت بعد الأولى فكانت جميلة الشرقاط 22,2 % وسديرة وسطى الثانية أيضاً 22,2 % جاءت ثانية بنسبها هاتين المنطقتين فأرض سديرة وسطى الثانية تضم في أرضها قبر المرحوم (حسن مطلك) وجغرافياً لا يفصلها فاصل بينها وبين قرية (حسن مطلك) ولكون هناك ترابط وصلات قربى جاءت المشاركات تكريماً للروائي الراحل (حسن مطلك) الحاضر بنتاجاته وفنه وأدبه وإبداعاته، أما عن جميلة الشرقاط فالمشاركين منهم من أمضى رزمة من سنين الصغر مع (حسن مطلك) في سديرة وسطى الأولى ومن ثم رحل إلى هناك ومنهم من له باع بمجال القصة وله إرث ثقافي كأحد المشاركين هو ابن القاص المبدع حمد صالح. أما بقية المناطق تل محمد 5,55 % والشيخ حمد5,55 % وسديرة سفلى 5,55 % كانت المشاركة تكريماً لأحد شهداء حركة السادس من كانون (حسن مطلك) ومواصلة للمسيرة الأدبية والثقافية التي قطعها المرحوم (حسن مطلك).
أما أهم المواضيع التي تم التطرق إليها في النتاجات المشاركة في المسابقة الإبداعية الأولى فقد تم إحصائها رياضياً ويمكن إيجازها:
جدول (رقم 3) (من 1 _ 6) يمثل أهم المواضيع ونسبها المئوية التي تم التطرق إليها في المسابقة للعام 2006

ت
أهم مواضيع القصص المشاركة
النسبة المئوية

1_ العراق . المحتل . حقوق الإنسان .
22,22%

2_ السلام . الحرب . الحب .
22,22%

3_ الوطن .الغربة . المستقبل .
22,22%

4_ حسن مطلك .
11,11%

5_ الطائفية .الأمن .
11,11%

6_ المرأة . التقاليد . الأقدار .
11,11%

بعد أن تم إحصاء النسب المئوية المقربة لاحظنا أن هنالك تفاوتاً ملحوظاً في تدرج هذه النتائج فكانت أغلب مواضيع القصص المشاركة في المسابقة الإبداعية الأولى بميدان القصة القصيرة وهذه المواضيع تناولت أبرز ما طفى على السطح من مشاهد عن واقع يومي مر متجدد فكانت النسب 22,22 % تمثل الأعلى وهي تناولت قصص هذه النسبة (العراق. المحتل. حقوق الإنسان) ثم تلتها مواضيع (السلام. الحرب. الحب) وهي بنسبة 22,22 % ومن ثم المجموعة الثالثة نسبها مماثلة عن (الوطن. الغربة. المستقبل) بنسبة 22,22 % والمواضيع عن الفقيد (حسن مطلك) بنسبة11,11 % المجموعة الأخرى (الطائفية. غياب أمن المواطن) بنسبة 11,11 % والأخيرة شملت مواضيع (المرأة. التقاليد. الأقدار) بنسبة 11,11 % .
نجد إن المواضيع جسدت حاجة المواطن الملحة إلى عراق حر تحترم فيه حقوق الإنسان وعلى الذين جاءوا من خارج الحدود أن يدركوا أن الشعب لا يقبل الذل والصبر على المهانة مؤكدة بنسيج لغوي مترابط هذه القصص وبحس إنساني مرهف تجاه الوطن ومعاناة الغربة والخلاص مع تزامن الحلم بتحرر العراق من الاحتلال. وجاءت سحابة أخرى من روائع ما جادت به أنامل أبناء هذه المدينة أمطرت الفقيد (حسن مطلك) بأسمى كلمات المحبة والعتاب على رحيله والتأكيد على انه موجود وسيبقى حاضراً بنتاجه الأدبي والفني من خلال من عاصروه ليعرفوا القارئ به ويدرك منزلته ويتخيله وكأنه يراه أو يعيش معه. نادت هذه الأعمال الأقدار كي تعود بالأمن على هذا الشعب الذي عانى وضحى وصبر. وعالجت مواضيع أخر مثل مسألة المرأة والتقاليد في مجتمع عشائري كمدينة الشرقاط.

استنتاجات:
ويمكن أن نقدم عرضاً موجزاً نوضح من خلال النتائج التي تم التوصل أليها من خلال الدعوة العامة والتي مثلت دور اخذ العينات العشوائية واختبارها من الناحية العملية والعلمية وسنبين بأن تجربة جديدة كهذه تصلح وتنشط في ظروف مثالية وتقتصر على مهن معينة وتعتمد على أعمار محددة ومناطق أخرى ومواضيع تكون تتماشى مع الواقع اكثر من بقية المواضيع وأيضاً فيما يخص المهن والأعمار والمناطق الأخرى من مدينة الشرقاط وفي ما يأتي ومن خلال بعض النقاط يمكن استخلاص صورة نموذجية لتقديم الدعوة وإقامة مثل هذه التجارب الفكرية والأدبية مستقبلاً:
1_ المهن، تلقى مثل هذه الأعمال قبولاً أكثر في الأوساط هي شريحة المعلمين.
2_الأعمار، يفضل أن تكثف مسألة توجيه الدعوة إلى الأعمار العقد الثالث.
3_ المناطق الجغرافية، في مدينة الشرقاط يصح أن تقام مثل هذه التجربة على أرض سديرة وسطى الأولى.
4_المواضيع، تلقى المواضيع التالية إقبالاً أكثر من بين المواضيع الرائعة التي حصدت نسب جيدة في الوقت الحاضر حيث تحديد مواضيع المسابقة كأحد شروطه (العراق. المحتل. حقوق الإنسان. السلام. الحرب. الحب. الوطن. الغربة. المستقبل) وجاءت مواضيع أخرى ذات قيمة رائعة تحدثت عن (حسن مطلك. الطائفية. الأمن. المرأة. التقاليد. الأقدار).
وفي الختام لا يسعنا سوى التعبير عن مدى شكرنا واحترامنا لكل المشاركين بمهنهم وأعمارهم ومناطقهم ومواضيعهم، والتي هي في الحقيقة مساهمة طيبة ورائعة جميعها، ونحب أن نبين بان النتائج وردت وفق التردد اكثر من غيره لشريحة أو لعمر أو لمنطقة أو لموضوع وقد يكون جمالية وتقيم الموضوع أو المهنة أو المنطقة أو العمر له طريق آخر في التقييم ولكن تقيمنا جاء وفق دلالات إحصائية وتكرار وهذا لا يعني بأن المواضيع أو المهن أو الأعمار الأقل نسباً هي أقل إبداعاً لكن النتائج جاءت وفق الطرق الرياضية والإحصائية وبالطرق العلمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هلا ل حمود العبيدي: كاتب وباحث عراقي.

أراء نقدية عن القصص المشاركة في المسابقة 2006

أراء نقدية حول القصص المشاركة في المسابقة الإبداعية الأولى
(للعام 2006)

بقلم: رمضان علي عبود

*أوهام قَبَليّة ـ نجم ذياب رمضان
موضوع القصة يعالج بعض التقاليد البالية التي تدين بها مجتمعات ما. أحداث القصة تدور حول حياة امرأة، وقعت ثمناً بخساً (ديّة) جراء تقاليد مجتمعها، عندما اخطأ أحد ذويها بقتل حبيبها الذي ينتمي إلى عشيرة غير عشيرته بسبب وشاية أريد بها النيل من هذه المرأة ذات الحسب والنسب، بعده تقع هذه المرأة ضحية التقاليد والأوهام القبلية فتكون ثمن الدية، وتقاد عنوة إلى بيت الزوج شقيق المقتول.
أراد الكاتب في هذه القصة معالجة واقع اجتماعي ضمن حقبة تاريخية مضت، تستدل على ذلك من خلال طبيعة البيت المسقف بالخشب والسلماس فضلاً عن حركة الشخوص وحواراتهم. سرد الأحداث جاء على وفق السرد الموضوعي يتنازعه راوي متغير الرؤية بين رؤية داخلية لراوي عليم ورؤية خارجية لراوي شاهد على الأحداث وقد استخدم الكاتب تقنية التذكر لإضاءة جوانب مهمة لشخصية (العمة).
وقد وفق الكاتب إلى حد كبير من خلال انبثاق فكرة القصة من وجدانه المتألق، وقدرته على تقديم شخوص واقعيين بطريقة تحليلية فضلاً عن اللغة المكثفة الرشيقة والتي تعد من أهم مقومات بناء الحدث في القصة، لذلك جاءت القصة مبلورة الرؤية بشكل جيد بعيد عن التقريرية، فنجح الكاتب في جذب القارئ من خلال انسياب الحدث بشكل طبيعي ومتوازن بعيداً عن التصنع والافتعال بالأحدث، آملين أن يتخذ الكاتب مواضيع معاصرة تماشياً مع الواقع.

*حلم السماء ـ أمل الصباح
تخفى الكاتب أو الكاتبة وراء اسم مستعار هو (أمل الصباح) وربما لانعدام ثقته بنفسه أو خشية من تبعات الظروف الأمنية المحيطة الآن. لم يقدم الكاتب إلا جملاً متناقضة لا يربطها رابط منطقي… إذ بدأ الحكاية من التأمل للطبيعة وفصل الخريف والذي يصف الكاتب بأن أيامه منعكسة، على حد تعبيره، إلى بشارة مولود جديد لامرأة يائسة، ثم تصل إلى مرحلة الصبا لهذا المولود دون استخدام تقنية (الحذف أو الخلاصة) والتي يقضيها في التجوال بين القبور ليلاً حتى يهاجمه قط متوحش ترك آثاراً في وجهه، اثر هذه الحادثة قرر ترك المقبرة ويلتزم بالمدرسة، يلاقي قسوة من المعلم، يجد فيها حتى إكمالها ويحصل على مركز اجتماعي جيد، ثم نفاجأ بموته الفجائي على فراشه عند إيقاظه من قبل أمه.
حدث النص يضفي عليه الافتعال فجاء مجزأً لا رابط منطقي بين حلقاته وما يستدعيه حدث القصة في كونه يبنى على السببية (السبب والمسبب)، لذلك جاءت الأفكار متناثرة تقترب من الخرافة فضلاً عن مضض التراكيب والأخطاء الإملائية. كما قدم الكاتب شخصية غير واقعية ضمن المنظور الفني.

*مناداة جبل ـ عبد الله حسين محمد
موضوع القصة طريف ((سفرة عائلية إلى جبل مكحول عبر النهر القريب من القرية)) تروى القصة على لسان الراوي الشخصية المشاركة بالأحداث. أنحدر الكاتب في هيكلية القصة من البناء الدرامي إلى الأسلوب الإنشائي الفضفاض وقد مال الكاتب إلى تأجيج العواطف عن طريق الافتعال للأحداث من خلال الاستسلام إلى القدر المحتوم للطفلة (نور) عند تعرضها للدغة ثعبان أودت بحياتها.
الكاتب لديه رؤية جميلة في تصوير البيئة والمكان ولكن ما يؤاخذ عليه هو ركة الأسلوب والأخطاء الإملائية الكثيرة وميله إلى صبغ الأحداث بالصبغة القدرية، كما انه يفتقد إلى قدرة بناء الحدث بشكل مترابط الأسباب لذلك جاء حدثه مهلهلاً فتنحى كثيراً عن القص والبناء الروائي.

*حقيبة الدولار ـ صالح حسن سلامة
اعتمد الكاتب على البناء المتضمن (الترصيع) في بناء قصته حيث صاغ عدة قصص في إطار قصة واحدة، فالقصة الأولى وعن طريق السرد الذاتي تناولت الانتهاكات وأعمال العنف التي طالت الأبرياء من أبناء هذا الشعب، ومن خلال الحوار بين (عماد ومحمود) نجد أن (محمود) فقد حبيبته بسبب تلك الأعمال، وقد عمد الكاتب إلى ترصيع هذه القصة بالمشابه بين جمال حبيبته وجمال المرأة في الصين، إذ انهم يرون جمال المرأة يكمن في صغر قدميها حسبما يرى الكاتب.
وفي هذين القصتين يقدم لنا الكاتب شخصيات جاهزة مسطحة ومكان الحدث مجهول والزمن غير محدود. تطالعنا بعد ذلك أحداث قصة أخرى استخدم الكاتب فيها السرد الذاتي وكذلك الحوار بين (عماد ومحمود)، (محمود) هدفه في الحياة جمع المادة بغض النظر عن طريقة الحصول.. فتدفعه نزواته إلى الوقوع في شباك العمالة ومساعدة المحتل فيقع في أحضانهم… يتنقل معهم في سيارات (الهمر) يلعنه الناس. الشارع. المارة. الرجل. المرأة. الطفل. وكان يقرأ ذلك في عيون الناس الذين يراهم من زجاجة (الهمر) دون أن يروه، ولكن ذلك لم يثنيه عن تحقيق ما يصبو أليه! (الدولار مولاي بلا شك). في هذه القصة قدم لنا الكاتب شخصية (محمود) شخصية نامية إذ اعتمد الكاتب تقنية التذكر لسرد الأحداث ومن خلالها عرفنا ماضي (محمود) ويكف كان منقاداً لنزواته الجنسية وممارساته للعادات السرية.
بعدها نجد الكاتب قد انحدر إلى التقريرية والأسلوب المباشر من خلال تقديم الأسباب والمسببات، وطرح الأسئلة… (لماذا عبد الله قتل أبيه؟ ولماذا…) وكذلك ظهور شخصية (عدنان) شخصية جاهزة (غير عادية) دون سابق علم مع ركة في استخدام الألفاظ، فالسيف لا يمزق الصحف… بل يقطع الرقاب مثلاً والأيادي ولا يمكن حمل هذا التعبير على المجاز المرسل لان فن القص بعيد عن ذلك.
يعود الكاتب إلى وضع العراق المتردي نهب منظم… رشاوى… فساد إداري.. الخ. محاولاً الربط بين هذا الموضوع وشخصية (عدنان) الرجل الكفوء لمثل هذا الوضع وينقاد الكاتب إلى عاطفته متحمساً لـ(عدنان) حتى يصل به الانفعال إلى النيل من العشائر وقيمها الأصيلة، (إني لا اتفق مع الكاتب في ذلك وأطلب حذف العبارة) ثم تطالعنا أحداث جديدة تدور حول التهجير القسري الذي يتعرض له أبناء الشعب ونزوح الكثير من العوائل إلى الريف حيث أصبحت القرية الملاذ الآمن والذي يصفها الكاتب بالدولار. تنتهي القصة مع (محمود) وما جمعه من دولارات جراء خدمة المحتل تسلب منه رغم انفه ويقع بمصائدهم، عندما كان آهب للسفر وحينها تنفجر عبوة على رتل أمريكي فيسارعوا للقبض على من حولهم فيقبض عليه ويستولى على أمواله. نجح الكاتب في إيصال فكرة القصة والتي تحمل أكثر من مغزى، أولها؛ أن من يخون وطنه لن يوفق مهما طال الشوط أو تعسر المخاض، وثانيهما أن المحتل لم يكن صديقاً مطلقاً فصديقهم اليوم يعادوه غداً لأن في نظرهم من يخون وطنه سيخونهم كذلك، وثالثاً إن ما يجمع بطريقة غير شرعية سيذهب سداً ولا طائل وراءه.
المآخذ على الكاتب انه أقحم نفسه إقحاماً في هذا النوع من البناء (المتضمن) فلم يكن موفقاً كل التوفيق في هذا الاختبار، كون قلمه لازال طرياً، لذلك تلاحظ عليه بعض الهفوات كالأحداث المترهلة أحياناً والأسلوب الصحفي أحياناً أخرى، أما في مجال تقديم الشخصيات استخدم الطريقة التحليلية فاستخدم الشخصيات الرئيسية والثانوية والمسطحة والنامية وكان يميل إلى تقديم الشخصيات دفعة واحدة وهذا ما يؤاخذ عليه فهو لا يشد القارئ في متابعة الشخصيات، إلا في شخصية (محمود) كان موفقاً جداً، إذ لم يقدمه دفعة واحدة بل تدريجياً فهو شخصية نامية أضاءها الراوي عن طريق تقنية الاسترجاع وربط ما بين طفولته المنحرفة وحاضره الخاسئ والذي تمثل في خدمة المحتل، أما من حيث البناء فقد انتابها شيء من التنافر وعدم تماسك الأطراف مع الابتعاد كثيراً عن التكثيف.

*حقيبة الأوهام الفارغة ـ وسام عواد حسن
كما هو معلوم؛ ليس من مهمات القصة تعدد الأحداث، وكاتبنا في هذه القصة وقع في خطأ تعدد الحدث وتشتته، إذ أن هناك كثير من الأفعال تصلح لأن تكون أحداثاً بحد ذاتها، على سبيل المثال: معاناة (صالح) كونه طالباً، والد (صالح) الرجل الضرير (محمود) أرمل يحب مجالسة النساء، ويبحث عن فرصته للزواج، (صالح) يصارع قسوة الحياة ويبدأ حياته عصامياً كادحاً، إحباط (صالح) لعدم تحمله أعباء الحياة، علاقة (صالح) مع طبيب القرية (أبو مرزوق)، (أبو مرزوق) يكتشف إحباط (صالح) وينصحه بالزواج، زواج (صالح)، حصول (صالح) على فرصة عمل، يرزق بمولود (مصطفى يملأ حياته حبوراً)، نقل الطبيب من القرية… الخ. كما أننا نجد تناقضاً في صياغة الحدث تضفي عليه فقدانه للواقع الفني، فمثلاً بعد أن تجاوز (صالح) كل المحن يصبح معلماً ويتأثر بأفعال المراهقين جنسياً ويسمع كلامهم ثم ينحرف ويقوم بملاحقة الفتيات والتربص لهن ومراقبة نوافذ البيوت!! فكيف لهذه الشخصية التي بدأت عصامية ثم أعتنقت مجال التربية تمحق وتتحول إلى شخصية منحرفة..؟؟
يبدو لنا الكاتب من قراء الرواية التي تقوم على تعدد الأحداث وتشعبها وهذا لا يمكن فعله على القصة، فضلاً عن التناقض في صياغة الحدث والتجزئة دون مبرر، كما مال الكاتب إلى الأسلوب الإنشائي والتقريري المباشر.

*عش اللقلق ـ عبد الله محمد رمضان
لم يقدم لنا الكاتب قصة، بل قدم سيرة ذاتية عن حياة زميله المرحوم (حسن مطلك)، فالأحداث واقعية معاشة فعلاً ولم يكن لزخرف الخيال دور فيها، وإذا ما عددنا هذا النص سيرة ذاتية، تجد الكاتب كان حاذقاً في نقل صور الوقائع والأحداث لغة حية صادقة مفعمة بالعواطف النابعة من قلب آلمته الذكريات ولامست شغافه صفاء السنين الماضية.
أما في مجال وصف مكان الأحداث فقد اقترب الكاتب من الروائي الماهر من خلال لغته الشعرية وخياله الخصب وذاكرته الفطنة التي أعاد من خلالها إلى الأذهان صورة واقع القرية آنذاك. آملين أن يطلع على تقنيات القصة ليتمكن منها وهو صاحب الرؤية الجميلة والعاطفة الصادقة.

*حسن مطلك... واقفاً ما ضر لو كان جلس ـ إبراهيم محمد آلإمحمود
أتخذ الكاتب عنوان قصته من البيت الشعري: قل لمن كان واقفاً على رسم درس ما ضر لو كان جلس… والذي كان ينتقد وقوف الشاعر على أطلال الأهل والأحبة، الذي رافق الشعر (القبسلامي) كثيراً. القصة ليست قصة حدث، وإنما هي قصة فكرية ذات بعد نفسي. تبين القصة حالة الهول والهلوسة التي أصيبت بها شخصية الراوي للأحداث والذي اختفى الكاتب وراءها ساعة وداع المرحوم (حسن مطلك) في مثواه الأخير. اعتمد الكاتب على الحوار الداخلي (المنولوج) في بناء فكرة القصة، موظفاً في ذلك عدة تقنيات منها: التخيل… الارتداد.. أحياناً يأتي (المنلوج) على شكل حوار خارجي عن طريق المناجاة لشخصية المرحوم (حسن) وقد اختفى الكاتب وراء الراوي الذاتي إلى حد التماهي، وكان استخدامه (للمنلوج) ورقة رابحة في التعبير عن الآمة ومكنوناته النفسية، وهو الطريق الوحيد لصوغ مثل هكذا أفكار ورؤى، (فالمنلوج) يحقق أهداف الكاتب لكل ما لا يستطيع تحقيقه على أرض الواقع، فضلاً عن إعطائه الحرية الكاملة له في التنقل في الأزمنة (الماضي _ الحاضر _ المستقبل)
لغة القص لغة رشيقة وجملها مكثفة، استخدم في بنائها الترصيع في كثير من الأحيان، مثلاً آيات من القران الكريم، كذلك وصف (امرؤ القيس) لفرسه، كما ضمن مقطعاً من رواية (دابادا). وقد عمد الكاتب إلى الإيماء إلى ماض العراق وحاضره ومستقبله من خلال استخدام جمل المرحوم (حسن مطلك) المرمزة. وقد نجح الكاتب في أيضاء شخصية المرحوم (حسن) لمن لم يعاصره أو لم يكن قريباً منه، وبيان جدية أفكاره وإيمانه بحقيقة رؤاه.

*عمر وعلي وزمن الأوغاد ـ مظفر عبد الحي محمود
أنتقد الكاتب بقصته النعرة الطائفية التي زرعها المحتل، موضحاً أن النسيج العراقي وإن تعددت أطيافه فهو شعب واحد تربطه أواصر الأخوة والمحبة والمصاهرة فيما بينهم، وأن القتل الذي طال أبناء السنة طال أبناء الشيعة كذلك، وكثيراً ما تختلط دماء أبناء الطائفتين في بعض التفجيرات. فكرة القصة جميلة بريئة، مستوحاة من الألم العراقي، وقد نجح الكاتب في تصوير تلك المعاناة وفي إيصال شعوره إلى القارئ، من خلال رفضه للطائفية، إلا أننا نؤاخذه عليه بعض الاخفاقات التي وقع فيها، فمثلاً شخصية (عمر) الملقب بابي (علي) نجد الكاتب يستخدم هذه الشخصية مرة باسم (عمر) وأخرى أبى (علي)، وهذا يربك القارئ وكأن هناك شخصية أخرى دخلت الأحداث، فضلاً عن الأحداث السطحية التي تدور في أجواء القصة، والتي لا تنم عن خيال خصب وعاطفة قوية.
فالحدث الذي رسمه الكاتب نسمعه يومياً في الشارع وفي البيت وفي المجالس، والذي مفاده أن بعض المناطق المختلطة بأبناء الطوائف العراقية يتعاونون فيما بينهم لدرء الخطر الذي يحيط بهم. فلم يكن لخيال الكاتب دور في حبكة الأحداث، فضلاً عن النهاية غير المتوقعة للأحداث، نعم أن الكاتب امتلك شعوراً وطنيناً تجاه أبناء وطنه وأراد أن يعلن عنه من خلال تصافح (عمر وعلي) الذين هم من طائفتين مختلفتين… وليس ذلك بغريب. لكن هل الانفجار يترك يدين متماسكتين متصافحتين بعد أن قطع الجثث إلى أشلاء صغيرة..؟!؟ كتابة القصة وشحت بالافتعال فضلاً عن بعدها عن الصدق الفني.

*إنهم يقتلون الحب ـ طيب احمد محمود
القصة جميلة بعنوانها وفكرتها، إذ كان للكاتب قدرة متميزة في اقتناص الحدث وبناء حلقاته بسلسلة تنساب مع الأحداث بشكل يشد القارئ ويوقعه في وهم الحقيقة، إلا أن الكاتب أخفق في أمرين: أولهما عملية الحوار فمن حيث الشكل يجب أن يكون الحوار ضمير عن سرد عن الأحداث، واضح الشخصيات، أحياناً نستخدم الشارحة ( ـ ) بداية السطر لتدل أن الكلام هو لشخصية أخرى. أما من حيث مضمون الحوار فقد طفا عليه الافتعال وظهر فيه لتدخل الكاتب. وهناك خصائص مهمة للحوار يجب على الكاتب معرفتها. الأمر الآخر الذي أخفق فيه الكاتب، هو النهاية غير المتوقعة، فلو اختار الكاتب نهاية غير التسليم للقدر المزعوم، كالرحيل. أو الزواج. أو الرفض. أو عدم الاستقبال بالنسبة للحبيبة لأضفى نجاحاً كبيراً. ومع ذلك نجد الكاتب يقترب من كتابة القصة الجيدة.

*سمفونية السديرات الثلاث ـ عبد حمد علي جادالله
تنازع السرد في القصة حدثان؛ الأول وعبر السرد الموضوعي تدور حكايته حول الجد (مسعود) الذي عشق الطبيعة لذلك شيد داره في الجزيرة التي تقع في منتصف النهر، وفاق من نومه يوماً وإذا بحبيبته (هالة) تجمع الحطب بالقرب منه لم يأبه بها، بعد أيام تزوجت في القرية المجاورة وإذا بحبها يضرم النار في صدره. ثم يعود السارد إلى الحدث الثاني وهو حفيد (مسعود) الذي جاء إلى النهر وتأمله، حيث القطا الذي نزل الشاطئ للتو ليكبح ضمأه، ثم رأى حبيبته هناك لكنه لم يكلمها وأدرك أن الصمت لغة المحبين.
يعود السارد إلى الجد (مسعود) الذي امتهن مهنة صيد السمك ليلاً واضعاً مصباحه في جبينه ليضيء له أينما حدق، وسرعان ما تمر طائرة الاحتلال من فوقه وحدق إليها وإذا بضوئه يصوب نحوها ليرهب طاقم طائرة الاحتلال ويسارعوا بقصفه، وإنزال (مسعود) إلى قاع النهر. يرجع السارد إلى ماض (مسعود) و(هالة) الذي كان يحبها، وكيف علم زوج (هالة) بعلاقة زوجته مع (مسعود) وأنبها أمام أهلها. لذلك قررت إشعال نفسها والخلاص من هذه الحياة، وبينما كان (مسعود) يزور قريتها ظاناً أنه يشفي غليله برؤيتها، لكنه فوجئ بتشيع جثمانها أثر الحادث.
القصة مرتبكة البناء، إذ وقع الكاتب في خطأ طبيعة ترابط الأحداث، إذ استخدم طريقتين لصياغة الأحداث هما ((التضمين وكذلك التداخل)) وهذا غير الواحدة جائز في القصة، للكاتب الحق في اختيار نسق معين في صياغة أحداثه، ولا يجوز الجمع بين نسقين في البناء على هذا النحو، لذلك جاءت القصة مرتبكة البناء وأفكارها مشتتة فضلاً عن كثرة المصادفات والحوادث الغريبة التي وشحت القصة بالافتعال والذي بدوره افقدها الهدف الفني وعدم المطابقة مع الواقع.

*ذكريات ضائعة ـ طارق حمد
أمتلك الكاتب وجداناً متألقاً ونفساً طويلاً وقدرة جميلة على صوغ العبارة بلغة رشيقة ناطقة ومكثفة. أما الإخفاق الذي وقع فيه الكاتب أنه تجاهل الحدود الدقيقة بين بعض الفنون الأدبية كالمقالة والسيرة والقصة. فقد ابتدأ الكاتب قصته بمقال تاريخي وسياسي عن العراق ودوره الحضاري في خدمة الإنسانية موضحاً الأطماع الصهيونية في خيراته والتي أصبحت نقمة على شعبه. وبعد تقديم الكاتب لمقالته التي أطنب بها دون جدوى، قدم قصة متماسكة الأطراف وبلغة شعرية عن طريق السرد الذاتي. وقد شدنا الراوي نحوه وهو ينوء بهمومه التي ألقى الاحتلال وأذنابه وزرها عليه، فهو ذلك الرجل المتواضع المعتز بدينه بغض النظر عن طوائفه، فهو سني ويكن الاعتزاز والتقدير لكل المذاهب الإسلامية وخاصة الأئمة الأطهار من أهل البيت حيث كان يزور مراقدهم زيارة كل موسم.
قبل مجيء المحتلين وأذنابهم، إضافة إلى انه يعشق امرأة من الطائفة الشيعية، وما أن جاء المحتل حتى تشرذم الأهل والوطن، حرمت عليه زيارة أئمته الأطهار، وافترقت عنه حبيبته، وأخيراً اضطر إلى مغادرة وطنه مغترباً تصيح في شرايين رأسه دجلة والفرات و(فاطمة) والنخلة التي كان يرتادها في زمن الطفولة… مرسلاً أشواقه وحنينه تحت أجنحة الطيور التي صوبت وجهها نحو العراق. أننا نرى الكاتب كان موفقاً في نقل شعوره وما يضع في صدره من مشاعر الأنين والحزن بسبب ما حل بالأهل والوطن من مصائب وويلات، قدم ذلك بشكل متسلسل وفكرة منتقاة من واقعنا المعاش بلغة متميزة.

*البكاء على اللبن المسكوب ـ محسن حمود عثمان
لم يقدم الكاتب قصة، بل أقصوصة بفكرة بسيطة تكاد تكون واقعية. جرائم التفجيرات تكاد تقطف أرواح عدد من الأبرياء، من بين ذلك والدا الطفلة (سوسن) اللذان كانا متعلقين بها اشد تعلق، إلا أن القدر المحتوم فرق بينهما تبقى (سوسن) تنوح بكاءً مراً على والديها وهما جثتان هامدتان في مكان التفجير حتى يراها جارهم (سعد الدين) ويسارع يأخذها إلى زوجته التي لا تنجب وتتبناها.
نذكر الكاتب بأن أخلاق العراقيين وشيمتهم تأبى إلا أن تساند كل من يمسه ضرر مهما كان قدره، فكيف (سعد الدين) وهو الجار الذي أوصى به رسول الله (ص) أن يسارع إلى الطفلة المنكوبة (سوسن) ابنة جاره واقتيادها إلى زوجته لتتبناها كونها لا تنجب عندما فقدت أباها؟ فترى أن الأمر قد تعلق ليحقق منفعة شخصية. وأين الحقوق والواجبات..؟ وأين شيم العراقيين..؟ والأقصوصة ذات حدث بسيط وفكره سطحية فيها شيء من الافتعال بأسلوب يفتقد إلى الصراع والتنامي بعيداً عن العقد، فهو أسلوب تقريري مباشر. فضلاً عن تناقض الأحداث مع الواقع.

*أفراح مكحول العقيمة ـ صالح حسين صقر
امتلك القاص لغة شفافة مكثفة وأسلوباً رصيناً ينم عن ضلوع القاص في هذا الفن ومعرفة تقنياته، والإخفاق الذي وقع فيه هو عدم قدرته على شد القارئ لفترة طويلة مقارنة مع النص، ولسبب أن الحدث جاء قصير وكأنه مجزوء وهو بمثابة حلقة من حلقات الحدث، فالحدث يبدأ بصياد وسط نهر دجلة المحاذي لجبل مكحول… تأتى قوات الاحتلال إلى ذلك الجبل للبحث عن مسلحين يطلقون رصاصة يقتل الصياد.. وماذا بعد ذلك..؟ فالحدث لم يرسم بطريقة سليمة، حدث القص يبدأ من نقطة معينة ينموا الذروة وثم ينتهي إلى الحل وتكشف الحقائق، فالقاص هنا أبقى القارئ ينتظر إلى أفعال أو ردود أخرى لترسم أمامه طبيعة الأفعال بشكل واضح، وكان القاص غير موفق في ذلك.

*رؤوس بلا أجساد ـ مروة علاء الدين الهلالي
ما قدمه الكاتب يخلو من الحدث والشخصيات والمكان والزمان، فالحدث هو الفعل الذي تصنعه الشخصية على سطح معين يسمى المكان وتحت سقف معين يسمى الزمان، فنص الكاتب ابتعد عن هذه العناصر والتي هي عناصر القص وبالتالي ابتعد عن مقومات بناء القصة. وحقيقة النص هو اصلح ما يكون لمقال تأبيني لشهداء سديرات، وإذا ما عددناه ضمن هذا الإطار فإننا نعطيه درجة متميزة من القبول والنجاح. ((هو يصلح للنشر خارج إطار هذه المسابقة لأنها مخصصة للقصة)).

*طواحين الزمن ـ عبد الله مجبل عبد الرزاق
اعتمدت القصة على السرد الموضوعي وبرؤية مختلفة بين رؤية داخلية وخارجية. وبحدث بسيط يمثل رؤية مواطن عراقي يستغرب ويتعجب من شدة الهول والدمار الذي أصاب وطنه والذي طال بناه التحتية، وأرواح أبناء شعبه. أما إخفاق الكاتب، فهو لم يرسم لنا مكان الأحداث فضلاً عن تقديم الشخصيات بطريقة مجهولة غير واضحة فهو لم يعرفنا عليها حتى نعبا بها ونشاركها الهموم والأحزان فالقاص مطالب بتعريفنا على شخصياته.. (أسماؤها وأعمارها.. وملبسها، همومها وأحزانها…الخ) لكن القاص هنا اخفق في هذا المجال على الرغم من أن لغته جميلة ورصينة.

*ذهاب .. إياب ـ صفاء الشيخ حمد
عنوان القصة لا يوحي بمضمونها لذلك ارتئي أن يكون عنوانها (حنين) مثلاً، قدم القاص قصته معتمداً على السرد الموضوعي والراوي شاهد في أكثر الأحيان ويكون عليماً في أحيان نادرة، إذ كانت رؤية الراوي خارجية كثيراً وداخلية في نطاق ضيق، حدث القصة يرتكز على بعد نفسي لشخصية مغتربة تعيش ساعات من الضغط النفسي والحنين إلى الوطن الأم يتضح ذلك من خلال وضع الغربة الذي أنهكه فهو يعج بدخان السجائر وكذلك عودة الشخصية إلى ماضيها الجميل وهو ماضي الطفولة والذي سرعان ما يرجع له الكثير لحظة الحنين والاسترخاء.
اعتمد القاص على تقنية التذكر للعودة إلى ماضي الشخصية، وهذه التقنية شغلت مساحة كبيرة من مساحة القص وقد أجاد القاص بشكل جيد استخدام هذه التقنية فضلاً عن واقعية أفعال الطفولة إذا ما نسبت إلى شخصية (ريفية) ونؤاخذ الكاتب في إطنابه الواسع إلى حد الابتذال في استخدام هذه التقنية. نجح القاص في إضاءة الشخصية وتصويرها من خلال سرد ماضيها وعرفة علاقتها بوالديها وأعمال الطفولة التي تمارسها والتي كشفت لنا أن هذه الشخصية هي من الريف. حدث القصة قصير وموضوعه بسيط ومجمله شخص مغترب يقرر العودة إلى وطنه رغم إن قراره كان لا عودة، وهذا ما يطيح به المغتربين، لكن ألم الغربة وشوق الأهل والوطن يحني الظهور ويلوي القلوب وبعدها ينطق اللسان قسراً بالعودة… لغة القص جميلة ومكثفة وقد قدمها القاص بحنكة ودراية الكاتب المدرك بفضاء نصه.

*الربيع القادم ـ إيمان علي العنكود
حدث القصة بسيط، وفكرتها بسيطة إذ قدمت القاصة أحداثها بشكل رتيب خالي من الصراع والنمو.. حتى أن القارئ بات يعلم ما تصبو إليه الأحداث عندما يصل إلى أية نقطة ولم يفاجئ بشيء جديد، وذلك لضعف القدرة على البناء والتركيب، كما أن لغة القص ضعيفة تميل إلى التقريرية مما حدا بالقصة أن تصبح عبارة عن حكاية سطحية بسيطة.

*رسالة من تحت الأنقاض ـ حقي إسماعيل العنكود
فكرة القصة بسيطة وأحداثها سطحية طفى عليها الافتعال، وأحداثها تدور حول فتى اسمه (لؤي) طالب مثابر أحب زميلته الطالبة (منى) والتي كانت تبادله الشعور عند بداية دوام كل يوم. وأن ظرف العراق، الصعب اجبره على الرحيل إلى لبنان، إلا انه أيضاً اصطدم بواقع لبنان غير المستقر، وقرر العودة إلى شمال الوطن، بعدها دعا حبيبته إلى الالتحاق به في الشمال فالتحقت به. تتضح لنا عملية التصنع في الحدث، فضلاً عن عدم الترابط المنطقي في الأحداث، وعدم سوق مبررات مقنعة تجعل امرأة تلتحق بحبيبها وتقطع المسافات الطويلة دون أن يكون بينهما عقد زواج مثلاً أو اتفاق رسمي على الزواج على الأقل..؟؟ وكيف لا يعرف ظرف لبنان إلى أن يصله..؟؟ ونحن نعلم أن المسافر لأي غرض معين يستعلم ويحتاط لكل الأمور فيعمل بالسفر أو يؤجل إذا رأى خطراً محتملاً. فالقصة حكاية بسيطة تخلو من الصراع بفكرة بسيطة، وحدث يخلو قليلاً من المنطق فضلاً عن ضعف البناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رمضان علي عبود: كاتب وأكاديمي عراقي.

القصص الفائزة بمسابقة (حسن مطلك) 2006

القصة الفائزة بالجائزة الأولى

أوهام قبلية

نجم ذياب رمضان

اختلط العويل بالصياح والنباح. وضجيج مكبرات الصوت التي تعلن أنباء الموتى. وانتشر الخبر من فم إلى إذن فعرفت أن عمتي ماتت، رحلت عن عالمنا. تسارعت خطى المارة واكتظت الطرقات، بعضهم يحمل الخبر وتفاصيله وآخرون يحملون المعاول وعدة الحفر، فوقفت لتسري رعشة في أوصالي وتصل إلى قلبي الذي تدفق الدم منه مسرعاً إلى شراييني وقمة رأسي، وتقريراً مصوراً وشواهد من أرشيف ذاكرتي للعمة المسكينة أثلجت حرارة اللقاء الذي كنت أرتقبه مع الحنونة ذات الوجه الذي تملأه التجاعيد. حنطي مثل حنطة حقلها على التلال القريبة من بيتها الطيني المسقف بأعواد الغرب والسلماس.. أي قانون يجعلك تدفعين ثمن أخطاء الآخرين عندما كنت تحلمين بشاب يسعدك وليلة عرس مثل كل الفتيات، وكنت يافعة كنبته أشبعها شتاء دافئ بالمطر الغزير وتزهين بالنضوج وبليلة رسمت معالم قربها تلك العلاقة الشريفة وعهداً بالخطوبة والزواج وجاءت فرصة الواشي... إذ استنتج بالحقد وبالضغينة والسواد خلطة ممزوجة بدم العناكب وسبعة ألوان من خيوط ذيول الحمير النافقات، تمخضت عن ليلة اظلم ليلة من ليال المحاق وكانت جثة الوعد المكلل بالزواج تغطيها دماء على بعد اذرع لم يستطع أن يصل الطريق كي يستغيث من طعنة بين أضلاعه.
… وأخذوك أيتها العمة في عنفوانك عنوة نحو بيت اعتبروك أسيرة وبغيضة وعليك أن تصمتي، صمتاً ذليلاً لا تذكريهم بابنهم المقتول ولا بالثأر وتنسي عمومتك وأخوتك وعشيرتك... ماذا جنيتي يا ذليلة بجمالك الأخاّذ وسحر عيونك المكحلة في طبيعتها وقد سلبت من عيون الشباب كلهم أن يناموا ليلهم دون حلم بالعيون الفاتنة وسواد شعرك الفاحم الطويل ولد ليلاً داكناً مثل ليلة عرسك الكئيبة، حزناً تكشف صفحاته عيشة كأداء مرير حين أصبحت موضوع صلح بين العشيرة والعشيرة وتلك الفاجعة أن تكوني أسيرة في ظل وضع لا يلائم وضعك وزوج لا يساوي حكة إذنك وتعثرت بذيل ثوبك إذ سمعت القوم يهمسون باسمك قالوا نُضحي بواحدة لسد أبواب فتنة تأكل أبناء القبيلتين وبعضهم يرفضون حيث اقفل حكة إذنك نحو الجميلة الفاتنة هي.. هي لا غيرها ولا بدلاً عنها مقابل أخيه أو عشيرة من أبناء القبيلة يصرعون وبعد يومين سيعلن أسمائهم وتكون مجزرة أخرى.. جرحى وقتلى لم يقطفوا من ثمار المجزرة السابقة ساق شعيرة أو سنبلة....
أو انك يا خاسرة تدفعين عمرك كله وسعادتك وأحلامك لزوج ترتضين يسعدك، شاب جميل يافع من غمزة عينه قد لامس شغاف قلبك. وكنت يا خائبة أنت الضحية لا غيرك. الزوج يرى في وجهك الحنطي احمرار وجه أخيه حين اخترقت الحربة ظهره وقطعت قلبه ليتهاوى صريعاً.. وتصرعين يا عمتي المفجوعة بهذه ألف صرعة لا تريدينها ولم تخطر لك على بال وأنت العفيفة الغالية النظيفة ابنة العشرين عاماً عشرون، ألفا من الخطاب حلموا وضموا وسائد الصوف في ليلهم الطويل.. الطويل بطول خصلات شعرك المسربل الحزين.
وراحوا يحلمون ويحلمون.. حتى جاءت الفاجعة.. الفاجعة أن تصبرين وتدفعين السنين بالسنين بانتظار قبر يضمك ويريحك من عناء العمر المكبل بالحديد ثمناً لعشيرة لا تساوي دمعة تنحدر بين أهدابك نحو صحن خدك الذي أشبعته تلك الزيجة لطمات وأثار أصابع الثأر الدفين وما ذاق قبله وسمعت إذنك همسة ناعمة حنونة سوى اللعنات والسباب وكان عليك أن تسكتي ولا تتوجعي كأنك سبيّة وعندما تتألمين وتقولين ظهري.. لقد دمرتني ضرباتك المبرحة.. يقول:ـ وظهر أخي.. أتذكرين طعنة كسرت أضلاعه وفقراته..؟؟ هل نسيتي أخي يا فاجرة..؟؟ أكنت تحبينه حقاً..؟؟ ماذا جنى من حبك..؟؟ ويصرخ قائلاً:ـ ماذا جنى من حب لم تستطيعي الصمت عنه..؟؟ فعليك أن تصمتي الآن حتى تموتي...
وتسردين قصصاً أخرى كلها ظلم وقسوة، وذلك الشاب القتيل، الفرق بينه وبين أخيه كالفرق بين التفاح والحنظل....
وما كان كفرا بدين آبائي حين عشقته ولم يرتكب جرماً كي يقتلوه... كان يحمر خجلا حين يقول أني أحبك. علاقة شريفة صفحاتها بيضاء... ما ضمني ولا عقبت ظهري يداه ثم استطاعوا باللوم تغيير الحقيقة حتى صار العشق جريمة تهد أركان العشيرة... ولا ضير أني خائفة وكنت أرى النجوم والأرض تصفر فرقا من المجهول.. يا ليتني تركت الأمر يمشي في طبيعته وتركت أحلامك الوردية (يا لبيبة) واخترت عرسا قَبَلياً.
مات الفتى وغطى دمه الحقول وغاب الحلم في أفق الحقيقة.. أغمضت عيني على جمرتين حتى جرى منهما دما.. وما جدوى الدمع إذا وقع القدر، وما يجني العشق حين يداهمه الخطر.؟!
أضناك المرض وكنت طريحة الفراش، أمراض عديدة: كالسكر والتهاب الكبد وغيره من الأمراض الخبيثة. تصارعين حلمك القديم ولم تنسي إذ قال أحبك تظلين ترددينها.. وكان صادقاً.. وأنت الآن على فراشك الرديء بعد الأعوام الثقيلة… طعنة في ظهرك وأخرى في صدرك وقلبك طعنة أخرى وأخرى.. وأمراضاً تنهش لحمك ودمك. عذرا عمتي يا أنيسة وحشتي عن سنوات ظلمك الخمسين، لن تزوريني بعد هذا اليوم ولا حتى شبحاً مكسر الأضلاع، ضلعا يئن وقربه يتوجع طالته اللكمات وأصابعاً من الحقد الدفين رسمت خطوطا شوهت زهو جمالك وتحملين نعشك فوق ظهرك إذ كنت ضحية أوهام قَبَليّة.
2006 أيلول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نجم ذياب رمضان: كاتب وصحفي عراقي، من قرية سديرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* * *

القصة الفائزة بالجائزة الثانية

حقيبة الدولار

صالح حسن سلامة

ناس تتلعثم بالرذائل ولسانه يتلعثم بالدولار.. بل كيف تعثرت أيامه بالدولار ونحن مثل أرتال نمل سود أو حمر تحمل حبات غذاء تدحرجها إلى كهف حيث مغارات سراديب. غرف متشعبة لتستقر في جوف الأرض عند رائحة رطوبة الأرض المألوفة.... كفانا خوفا كفانا صمتا كفانا جوعا. نصمت وبطول الصمت ولا نتمنى أن يطول الليل إذ يطول اليأس. أ الليل اليائس يا عماد؟ كل شيء في الليل وفي كل نهار ساعة خطرة أكبر من النهار. تنفجر عبوة هنا وأخرى هناك وعبوة وعبوة وأخرى عبوة وحرب هنا وهناك وجوع في كل مكان وحزب في كل مكان. هذه يا محمود هزلية الغرب النتنة التي رقصت على مزابل الشرق. ما أكثر مزابل الشرق وما أزكى رائحة العراق وجوع العراق وموت العراق. نائم أنا يا عماد وإن لم أكن نائم، لكني نائم وأتحسس لذة الخوف القريب وإلا بخصوص من جاء هذا الدولار هذا الخوف. لأجل من أرهقه السفر ومتى يرحل الذي اختطف جرحاً من سجل جراحاتي؛ سَحر التي فيها من كل أنواع الجمال نوعاً حتى قدميها التي اعتبراهن أقدام الزنبقة النادرة التي كانوا في العين يقيدون قدمي الطفلة بقوالب صلبة تحول دون نمو هذين القدمين لأن القدمان الصغيران شرط أساسي بجمال المرأة في الصين وكنا نتغامز رغم أنف الجراح، اختفت مثلما اختفت السيوف في أغمادها، مثلما اختفى عادل وابتعد عني نحو الغرب وتركني ملثماً.
أين نلتقي..؟ في أي اتجاه..؟ لا يرد. إلا انه قال لا جراح بعد هذا بل آخر يأس هذا كل الطرقات تحاصرني مرفوض منبوذ من كل أشيائي، حتى الدثار لا أحد يقبلني في الكون ونظراتهم تمزقني من خلف زجاجات (الهمر) المظللة، المصفحة حيث الكلب خلفها واضح مسترخي يلهث ممل من لاشيء يحلم، يحرق كل شيء، ينهب كل شيء حتى الأعراض...!! وفي زمان كان فيه قمر غير هذا ووجوه لا تشبه تلك الوجوه بل هواء غير هذا الهواء أبطال تحمل الوطن ترفع الوطن الممزق، المنخور، أبطال تلم موائد الحصار المدمر الذي امتد صداه ويمتد للأبد. ألا يمكن أن تنسى شكل أبيك وجه أمك شكل العراق أتنسى العار؟ هذا هو الحصار. ولا ادري لماذا يحاصرني الدولار يا عماد؟ الدولار مولاي بلا شك هو الأقوى هو الذي اظمأ أحشائي هو الذي أثلج أحشائي بكل رتابة ونعومته الملساء. مرات العنه وأقول هو الحيوان المفترس وأكثر المرات يدغدغني دون اللجوء إلى طرافة يسعفني ضحك داخلي أكاد أطير بل أحس اختطاف أحشائي وخفت أقدامي فتنتظم الضحكات شهقة شهقة. هل الدولار في خزائن الريف؟؟ هل ألام هي التي ترفد العالم بالدموع؟؟ هل هناك مستحيل؟؟ هل هناك عجز؟؟ وكيف كنا نتسلق الجدران الطينية دون ثياب..؟؟ من اجل ماذا كنا نختبئ تحت أكمام الحطب..؟؟ هل من اجل الاستدفاء..؟؟ هل من اجل التلذذ بنعمة الشهوات..؟؟ كانت الأطفال تحتفل بأشياء بسيطة بتفتح أول زهرة في الخريف هناك زهرة في الخريف في بداية الخريف حيث تبدأ الدراسة وكم هي الآن تصرخ الأطفال تشوه. تنفلق. تحترق آلاف المرات دون أن نقف من العد. واختفت الحفر التي كنا نعمل فيها أشياء لا تذكر في أطراف القرية الخرابة بلا غضب لا تذكر وأنا انزف شوقا مرارا آلما لوعة إلى تلك الأيام وتلك العلاجات البسيطة كعلاج المقص من الكمون والإسهال من الزنجبيل المدقوق والسكر الأبيض والشاي يخفف التوتر ويساعد الاسترخاء. والآن بات في كل قرية لغة خاصة لغة عيون إشارات لهفة قلوب لغة غدر رذائل ودعائر. الجريمة نائمة ولكن هنا في بلدي لا نعرف النوم. وألا لماذا عبدالله قتل أبيه صباح الأحد بخنجر بثمان طعنات انقله إلى جوار ربه وحمادة صديقه بصق بوجه أبيه بصقات قبل طلوع الشمس وكثير ضد الآباء وحقا كان أحمد يريد سقوط عدنان. بالتحديد كان يعبث بعدة محاولات لسقوط عدنان الذي لم يكن إنسان عادي يمكن مسايرته كباقي الناس. بل هو أسطورة التاريخ لم يلثم التاريخ بطل مثله. حيث سيطرت الأقلام العريضة على أبطال التاريخ دون أبطال. إلا أن جاء عدنان وبرى الأقلام الحقيقية وكتب من جديد على صفائح البردي وجلود الغزال. مرحبا أيها التاريخ أيها الضيف الحزين مرحبا أيها السيف المتين الذي أقطع أمزق فيه كل الصحف المزورة.
هكذا هو كما عهدناه صخرة الجبل المستقرة في أعلاه الذي أطفأ النار التي أحرقت المدينة شتم أمريكا وجواسيس الاحتلال يا لهذا البطل الذي صنع تاريخ من جوع. مرار. تعري وقهر وألغى كل تراتيل المجاملات كما ألغى تراتيل العائلة واصفح عن كل هزل وتأخذني الأفكار في مدينتي كل شيء معلن. قتل جماعي معلن جنون معلن وحكومة تنهب خيرات وتسرق شعب معلن وسوق سوداء ورشاوي وتهريب معلن بل حتى تصاهر جماعي معلن. أسراب بشر تحمل توابيت كل يوم في مدينتي. ألا يمكن أن تكون مدينتي بلا تاريخ..؟؟ الجلادين هم الذين كتبوا التاريخ الرديء. كل شيء يكبر في مدينتي الحقد. المزا بل وطوابير الوقود وحكامنا وملوكنا والعرب ترسل القوافل والتبرعات المليارية إلى إعصار (تسونامي وسومطرة ) وفقراء أمريكا. ألا يستحق الشعب العربي الذي يلتقط أنفاسه الأخيرة أن يرفه ولو أيام قليلة في العمر..؟؟ ولماذا تريد سقوطي يا أحمد؟ لان اليأس والحزن التوأمان اللذان أينعا في ربوع الرافدين. ولان هند وأيسر افترقا للنهاية. ولان هند وأيسر تبادلا الأحزان. أحزان الوطن وفراغ اعز الأشياء ولان الصغير هو الذي اخذل الكبير ولطخ وجه الكبير بوحل الطريق. أكره كل ما يحيط بي يا أحمد أكره أبنائي وأخواني وأعز أصدقائي أكره أمي وأبي والعن نفسي كثيرا إذا طات لهؤلاء الأنذال وسأطلق النار على الماضي فلم يبقى لي شيء في الدنيا غير التاريخ.. كل الناس تائهين في هذه المدينة مرعوبين غاضبين صارخين جائعين إلى حرية أمان ما زالت نائمة ولن تصحا. فتجردت عشائرنا من القيم وتخنثت تنحت للذل والعبودية ولم يبقى إلا البطل عدنان الذي امتص كل قيم العرب وشجاعتهم وتحطمت تكسرت تحت سيفه كل السيوف كل الأنذال حيث انه ترك البكاء منذ الرضاعة لم يبك على شيء ولد علية الغضب والقوة الخرافية تقممت الجبل ولم أر الجبل أكبر مما تصورته ولم أر قمته اكبر من قمتي. هكذا قالها عدنان الذي امتلأت حباته كبرياء عزة رغم احترامه كل الطوائف كل المذاهب وتألمه السري الشديد إلى العزوف عن هذا الشموخ الذي نمى بداخله ولو لمرة واحدة في الحياة تساءل. أيكون الوطن بالوعة دماء..؟؟ أيكون نافورة دماء..؟؟ ترهلت الحريات وشابت الأماني وسيطر القحط الشديد هنا في هذا المكان من الأرض حيث اختنق الحب والغزل. هل الوطن هو الغزل..؟؟ ونكتب عن زيف الحياة في هذا الوطن دون أن ندري كيف تنقلب السفينة. ليكون الحب والغزل النكتة الخرافية الأسطورة الخيالية في هذا الوطن. هل لان الموت هو الوطن. في كل ركن موت وبكل ثوان الوقت موت. لا تسخر ولا تتطاول على همجيتي هذا اليوم حين تعصرت توجعت أقدامي تجاه بيت سحر التي ما زال حظها يتلوى بألوانه اليائس وتلوذ بهمساته. تلوذ بأذياله ومرات يفرغ صدرها من الأنفاس عندما يأتي مساء الحب حيث يبدأ خجل الأطفال يسري بين أهداب عينان غريبتان لا تفهم الطمأنينة والسعادة في عالم اليوم عالم الخوف والدم.
اختلطت الغيوم فحجبت الشمس وسيطر الضباب الذي حد الرؤية فغرفت سحر في غابة النرجس المنزلية الحقيقية ومنذ زمان واحلم أن يكون الحب هنا مثلما أريد وجاء الموت وهل نموت الآن..؟؟ ولماذا لا ينتهي العذاب..؟؟ أيختفي الحب ويبدأ غضب الأصدقاء..؟؟ عبد. ليث. ليلى. حامد. سعاد. وصديقات البر حمدية وسعدية التي ابتلت شفاههن مرات ومرات بماء الغدير ولا أدري لماذا كانت دموع حمدية تنزل دون أن تدري بهن سعدية. ربما كانت تتمرمر تتوسل بمشاعر عدنان الخفية التي احتضنته المدينة بمصارعة التاريخ وإطفاء نار جدا قوية فيها. متى يعود. دموع ودماء غدير وسذاجة حمدية وأيام تمر (والدولار) والشمس هي الشمس وحسن وسمير وكم من أصدقائهم لا نعرفهم جاءوا وتركوا بغداد (الدولار) لماذا تركتم بغداد..؟؟ لماذا..؟؟ وألف لماذا..؟؟ هل بغداد الموت..؟؟ هل بعت بغداد بثمن (.....) هل نسيتم (هنا بغداد)..؟؟ إذاعة صوت الجماهير وكل أجزاء وخلايا بغداد... حسن وسمير. هربنا من الخوف ولسنا خائفين بل هربنا من الفقر ولسنا فقراء صعودا يجب أن تتعلما لغة (الدولار) لغة الأعداء لغة المأكولات ولغة الوقاحة لغة الجمال لغة النساء التي تغفوا مثلما كنا نتمنى أن نصحا وهي تخادعنا تهامسنا تطيل نومة اليقظة المنتظمة الفارغة. نضحك ويعتبر الضحك أعظم وأصعب لغة في هذا الوقت.... أحداث بغداد لا تحصى ولا تعد وجمالها لا جمال بعده وحبها لا حب بعده. قاتل وليس قاتلا. مجنون ولست مجنونا وجائع فعلا جائع لا أريد أن أخسر كل أصدقائي.
جاءوا إلى خزائن الريف. (الدولار) في خزائن الريف ومحمود يستطيع أن يشتم كل شيء إلا (الدولار) وحقيبته الفولاذية. حقيبة الحزن التي انزلقت من القمة نحو السفح حتى مستوى السطح بلا موعد أقدار سيئة تحطمت هنا مثلما تحطمت هناك عندما لملم أشياءه أدوات حلاقة. نعله. ثيابه الداخلية وهويته مع (دولاراته) الكثيرة في حقيبته الفولاذية وهم السفر خارج الوطن في طريق جنوب أو شمال المدينة سقطت الحقيبة مع انفجار العبوة انفجر الخوف والإغماء انفجرت (الهمر) ومات الكلب الذي يلهث وأصوات (U. S. A) حيث البسوا رؤوس كل الناس الموجودين هنا أكياس وقيدوا أيديهم بقيود حديثة بحيث كلما أراد الإفلات من القيد كلما ضك عليه القيد أكثر ولا يمكن للقيد أن يتراخى رغم قوة أصابع محمود التي تعودت على مسك (الحقيبة الدولارية) بقوة إلا أنها سقطت وافترقت الأصابع عن الحقيبة فراغ ابدي بل اختلاس علني واعتقاله في سجن (أبو غريب ـ بوكا ـ البكارة ـ السليمانية) ولم يربح محمود في رأسه إلا الكيس وصرخات (stop _ no _ yes _ go _ come) أسلاك شائكة ومصدات كونكريتية وهوس محمود (طار الدولار _ الحقيبة الدولار).
صعد (الدولار) الذي اكتفنته بحضني ولم يكتفني هذا (الدولار) قط أكثر من هذه القحبة التي تجامع الجنود الأمريكان التي رأفت بي وسألتني عن اسمي وعن المقاومة (ملعون خاسئ ذليل المحتل) وبشيء من الامتعاض تقمص بل تنفس رذاذ أسمال سحر وأذيال اليأس. فقد تكون الأيام التي فرت وتركتنا نتصارع مع الأيام القادمة هي الأهون رغم كل ما بها من أمراض وجوع وحتى التعري أهون من هذا الكيس الذي في رأسي ولا أدري أين أنا وأين (الدولار) بل أين القدر..
آب 2006
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*صالح حسن سلامة: كاتب عراقي، من قرية سديرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
* * *

القصة الفائزة بالجائزة الثالثة

ذكريات ضائعة

طارق حمد

أرض العرب الرحم الكبير الذي يضم نخبة من المفكرين والعلماء والأدباء والشعراء وأصحاب الرأي السليم والعقول المدبرة التي تستند عليهم أعمدة الحياة. أرضنا تتفجر من أعماقها سيولاً من العلم والفكر المنير، على أرضي حضارات عريقة لا يمكن تجاهلها أو التمادي على عدم ذكرها. كانت وما زالت هي أرض الخير. لاسيما وقد زرعت على وجهها وطناً اسمه العراق. أنا لا اذكر العراق على تحديد عنصري وإنما أوطان العرب عامة والعراق خاصة. هذا الوطن وطن الخير الذي درس في أحشائه علماء وأدباء وتخرج على ظهره خيرة من أبناء هذا الجيل. هذا الوجه الوجيز أما الوجه الآخر للعملة التي لا تكشف وهو أنهم أرادوا أن يزيغوا الأبصار عن حقيقة فعلية وهي خيراته تتقدم القائمة والخطورة الكامنة في عقول أهل هذا البلد وترابط أهله بتعدده وطوائفه وقومياته وأعرافه المتعددة، إلا أنهم نجحوا في تمزيق اللوحة التي كانت تزهو في ظلمته السياسية العربية كانت السراج المنير الوحيد الذي ظل بنوره يمزق قطع الليل الطويل الداكن سعوا في كتم الوجه المشرق داخل رحم هذا ألام المكافحة. خططوا مسبقاً في طمس الحقيقة التي كانت تشكل حلقة من نار حول أعناقهم. فاندسوا بين ثنايا القلب الواحد فزرعوا بذرتهم وأسموها الصهيونية. وتبقى الصهيونية العالمية لها أساليبها وطرقها البارعة والذكية في توجيه أذنابه الصغار ومخلوقاتها الهجينة وتبقى هذه المخلوقات وعلى شكل ممتد دون مستوى الإنسان الشريف حتى لا تتاح له فرصة التراجع عن المستوى الأدنى الذي هو فيه. ويتم بدورهم تحريك تلك المخلوقات والأذناب الخبيثة باستعمار ليس البلد على حد سوء وإنما استعمار الإنسان نفسه من اجل الوصول إلى تدمير الفكر الإنساني الخلاق والمبدع والطامح إلى الأفضل وهذا الضجيج اللامفهوم والنزعات الجانبية المختلفة والكواليس المعتمة. وبعض الشعارات المستوردة والملفوفة بألوان الدين.. أما الوطن ما هو إلا كذبة من أصل حقيقة معتمة تاهت في دهاليز ومقابر أثرية لا وجود لها في عالمنا المشوه. والحقيقة لهؤلاء هم في الواقع وجه لعملة استعمارية وصهيونية خبيثة وإنهم مجرد دمى تحركهم خيوط لأصابع خفية مشبوهة. ولا يتعلق الأمر بالسياسية فقط وإنما قد تجاوز حد التدخل في العلاقات العاطفية وهدم الفكر الحقيقي لمفهوم الحب لاسيما إن الأمر تعلق في أطراف طائفية متعددة.......
هذا العالم تختلط مفاهيمه دائماً لأنه إذا كان الجهل سيدا بالتأكيد سيكون العالم مقيداً بالظلال والضياع. وعندما يكون النور أعمى يتخبط في وضح النهار، وعندما يتعلق الأمر بالشرف تتردى كل القيم والمفاهيم وربما تصل إلى حد الانحطاط، وعندما يكون الحكم طائفياً يكون الشرع كذبة اخترعها الإنسان ليغطي معظم أفعاله وأكاذيبه الكبرى، ليرتدي قناع الغش والخديعة. سئلت نفسي تكراراً لماذا عندما تضعف الحيلة فينا نجد منفذاً واحداً إلى بر الأمان وهو أن نجد مهرباً عبر الدين والفتوى!؟. لماذا لا نختار مبررات صحيحة وأفعال تنقذنا مما نحن فيه!؟. حينما تضع التساؤلات في أكوام من العلامات الاستفهامية فلا تسعفني الإجابة ولا أجد سوى أن أضع لساني الثرثار في فمي وأغلق عليه بأحكام، بل أحكم عليه بالسجن المؤبد وعدم الخوض في ذات السياسات العربية المنحرفة. فهممت بجمع حقائبي المحشوة بملابسي المتواضعة وبعض من ذكرياتي الضائعة: صور وكتب لشعراء عرب وعراقيين وكتاب (بلد لم تشرق عليه الشمس بعد) وبعضاً من تراب الأئمة وأدعية أذكار قد اقتنيتها من مساجد الأئمة واضعاً كل أحزاني في تلك الحقيبة وأسبلت جفوني لقدر مجهول يقتادني نحو المجهول وذرفت دمعاً على فراق بغداد وفاطمة التي ظلت ممسكة يدي متوسلة أن لا أسافر، تصدعت الأفكار في رأسي وتجمد الدم في عروقي وتاهت تلك الروح الطليقة في جسدي الميت. كان ذهني بل روحي قد شدت نحو أرض السلام التي كانت تمزقني أوصالها وهي تتقطع وها أنا اترك عشي مثل طائر جاء وقت رحيله ليس الموسمي بل الدائمي دون عودة. صرخت فاطمة فسال فيضاً من الدمع على خدين ناعمين تأذي بقوة وتقول:ـ إلى أين السفر؟ أضافت سؤالاً إلى التساؤلات المتخمة في رأسي والمبهمة. غصت في عمق التساؤل باحثاً عن إجابة.. إجابة واحدة تنقذني.. تنقذها.. تنقذنا.. تنقذكم. تخشبت في مكاني وكأني في ميتم. تكاد لا تحملني قدماي فاقد كل لذة في هذه الحياة. ضائع في بحر الخوف سائراً على غير هدى انظر في عين فاطمة فأرى بغداد وهي تجرد من زينتها وحليها وكأنها عروساً قد فقدت زوجها المنتظر. حاولت فاطمة رفع بعض المعنويات المنهارة، تحاول أن تقف هي حتى استند أنا على ما تبقى من عزمها الضئيل تخاطبني بلغة التوسل قائلة:ـ اترك كل هذا العذاب وهذه الآلام وضع إصبعك على مكان الجرح النازف واترك الأمر برمته ولا ترحل. ألم تعاهدني على الرفض والبعد؟ ألم تكن أنت من يخاف الفراق؟ لماذا لا تبر بوعدك، بدل أن تتركني لليالي الهجر الطويلة؟ ألم يكفنا ما عنيناه من تعزية للوطن واضطهاد لنعيش الحسرة..؟؟ أتترك ليالي بغداد وحكاياتها الألف..؟ وتنسى جلسات الغزل في حب دجلة.. دموعك يا فاطمة جرت فمزقت قلبي وحنيناً لليالي بغداد قد أثقل كاهلي. وشوقاً إلى زيارة أئمتي قد فاض به القلب.. يا بغداد يا فاطمة ما كان البعد والفراق أحب إلي منكما ولكنهم اتهموني بتهمة لم اسمع بها من قبل ولم أعهدها قبل اليوم. قتل الإنسان فينا وجردونا من حقنا وحبنا ومن كل أخلاقنا طعنونا في الدين واتهمونا إرهابيين. لقد أشادوا بإذنابهم الهجينة أن يبعدوننا ويشردوننا وينفون الإنسان فينا. لقد جاءوا في ليلة عصيبة ليشيروا بأصابعهم المدمية بأنني مذنب منذ ولدتني أمي فذنبنا منذ أن تنفست هواء العراق، أنني مذنب منذ أن ارتشفت رشفة العسل والخمر الحلال من نهر دجلة. قالوا أن ذنبك هو أنك (سني)! وما دامت قد لصقت فيك هذه الميزة فقد حرمت عليك ليالي بغداد والمشي في شوارعها والقراءة تحت أضواء أبي نؤاس وقراءة أشعار السياب ولا يحق لك التغني في حب دجلة ولا الغزل في عشق فاطمة. اذهب فلن تكون لهذه الأرض ولا لفاطمة لأنها (شيعية) وإنها تقدس أهل البيت أكثر منك. أصبحت القضية كبيرة، فترك العرب قضية فلسطين واحتلال استعماري لنفوسهم أيضاً ودنس العدو ببساطيلهم أرضنا رغم أنوفهم فلم يحركوا ساكناً. والآن قضيتي هي الكبرى. أنا إرهابي عندما اعشق بلدي. وأنا إرهابي عندما اسكن بقرب الأئمة وأصحاب البيت وأنا (سني). أنا إرهابي عندما اعشق فاطمة وهي (شيعية).. لقد غيروا مفهومنا الحقيقي للحياة. لقد دنسوا أرضنا بأفكارهم المسمومة وأضافوا وأضاعوا لنا ديننا عندما لبسوا لباس الدين.. كل شيء في الدنيا قد تغير يا فاطمة فوفري دموعك واعلمي أنك وبغداد في داخلي، تسيران في دمي أينما ذهبت. تركت فاطمة عند مفرق الطريق حائرة باكية على الفراق الذي لا يعود وأدبرت مرغماً عن بغداد التي سأموت وأنا الهث على شواطئ الشوق لرؤيتها. إلى أين سأذهب؟ لا أعرف.. سأهرب بنفسي من أوجاعي وذكريات ضائعة. ذهبت فتاهت معالم الدنيا في مقلتي وبقت صور الأصدقاء ونحن صغاراً نلهو ونلعب في أضرحة الأئمة فيصرخ فينا المقيم هناك، نخرج حفاة الأقدام، نركض ولا نعرف ما يحاك لنا في المستقبل. كلهم في ذاكرتي، أقلب صورهم واحداً واحدا. أما أنت فقد تمزقت صورتك في مخيلتي وقد طغى عليها اللون الأحمر.. لون الدم، وراحت تفارقني صورتك الندية شيئا فشيئا. عصرت الذاكرة محاولاً الإمساك على طيفك ولكن دون جدوى. ضاعت كل المعاني واختلطت الأحاسيس داخل قلبي المتيبس بفعل الشوق. ولم اسمع غناء العصافير منذ أن غادرت بغداد وحتى تلك الآلة المنفردة الوحيدة التي تشبهني (الربابة) قد قطع وترها في قلبي فأهملت في ركن متروك في جسدي الذي لم يبق منه سوى تلك الجثة الهامدة. تلاشت كل الذكريات ولم يبق سوى تلك النخلة العراقية التي كانت تمتعنا بظلها وتغذينا بثمرها فإذا أردت أن تذكريني اذهبي إليها وستقلي تحت ظلالها ذكريات ضائعة. فكل صرخة غربة في هذا السكون القاتل اعتراف إدانة تبوح بها الأرض المثقلة بالأوزار والخطايا. حنين إلى دفء الحنين لحياة قديمة جفت الآن في داخلي.
وبالتالي فان الحياة لم تتغير وتبقى كما هي على الدوام سائرة، وكل ما تغير.. هو أنا. فأنا من تغرب في داخله، التغير معدوم في حياة جافة، لقد استوطن خراب الغربة في داخلي واتسع.. فلا أدري هل أصبحت العودة مسحتيلة..؟ لا يمكن أن يحدث هذا. ولا يمكن أن تكون تلك هي نهاية المطاف. ليست تلك هي المحطة الأخيرة التي فيها سأرتاح من حملي الثقيل. فما زالت في نفسي المحتضرة رعشة أمل متمسكة بحياة آفلة. إشراقة طموح مكابرة في عتمة ليل طويل، منفذ ذو زاوية ضيقة نحو وعي مستقبلي. وما زالت تخنقني حلقة مصلوبة على جدار الحق لم تصرخ بعد. ليس من المعقول أن تصبح الحياة قاتمة اللون وحازمة الحد. لابد من البحث عن المخفي وراء كل الاستنتاجات الخاسرة والكوابيس المعتمة، لابد أن هناك شيئا دافئا وصادقا لم تلمسه أصابع بغداد ولم وتوطئه أقدام فاطمة. هل يظل الشوق فينا إلى المستقبل قيد التنفيذ..؟؟ وهل أصبح حبنا مؤامرة لا تفهم جوانبه ولا نواياه..؟ ولكن اسأل بلهفة من أين سيأتي سيد الخلاص. فالماضي بدا يموت يوماً بعد آخر في داخلي والحاضر كتلة من الأفكار المبعثرة تناثرت وتشتت وبدا جمعها من المستحيل. أما المستقبل فحلم أصحو على مشارفه ليروي لي كذبة أزلية ينتج عنه كوابيس ظلماء اسمها الاحتلال وهاهي معتقداتنا وتقاليدنا تتسرب كما يتسرب الماء بين ذرات التراب. وتتركني ظمآن على الشواطئ. ويبقى الشوق والحنين مذاقه مر على طرف لساني، والاعتراف بالخطأ فضيلة. فأنا كتلة متحجرة تنتظر أن تدب بين أوصالها رسوم حياة بسيطة تساعدني على مواصلة التقدم نحو الأمام. وسأنتظر هبوب رياح الحقيقة.. لكي أكتب ما عجزت عن كتابته على ورقة الزمان ليخط حكم القلم جافه وشوق محترق يأكل بلا رحمة أحشائي، وحنين يحمله طائر النورس تحت ريشاته الملونة إلى بغداد وفاطمة وعسى أن يحين لحظة يكون لي لا مفر منها.. فالموت بين أحضان فاطمة دون حساب وعلى أرض بغداد الغالية دون عقاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*طارق حمد: كاتب عراقي من قضاء الشرقاط، نجل الكاتب الراحل حمد صالح.