أراء نقدية حول القصص المشاركة في المسابقة الإبداعية الأولى
(للعام 2006)
بقلم: رمضان علي عبود
*أوهام قَبَليّة ـ نجم ذياب رمضان
موضوع القصة يعالج بعض التقاليد البالية التي تدين بها مجتمعات ما. أحداث القصة تدور حول حياة امرأة، وقعت ثمناً بخساً (ديّة) جراء تقاليد مجتمعها، عندما اخطأ أحد ذويها بقتل حبيبها الذي ينتمي إلى عشيرة غير عشيرته بسبب وشاية أريد بها النيل من هذه المرأة ذات الحسب والنسب، بعده تقع هذه المرأة ضحية التقاليد والأوهام القبلية فتكون ثمن الدية، وتقاد عنوة إلى بيت الزوج شقيق المقتول.
أراد الكاتب في هذه القصة معالجة واقع اجتماعي ضمن حقبة تاريخية مضت، تستدل على ذلك من خلال طبيعة البيت المسقف بالخشب والسلماس فضلاً عن حركة الشخوص وحواراتهم. سرد الأحداث جاء على وفق السرد الموضوعي يتنازعه راوي متغير الرؤية بين رؤية داخلية لراوي عليم ورؤية خارجية لراوي شاهد على الأحداث وقد استخدم الكاتب تقنية التذكر لإضاءة جوانب مهمة لشخصية (العمة).
وقد وفق الكاتب إلى حد كبير من خلال انبثاق فكرة القصة من وجدانه المتألق، وقدرته على تقديم شخوص واقعيين بطريقة تحليلية فضلاً عن اللغة المكثفة الرشيقة والتي تعد من أهم مقومات بناء الحدث في القصة، لذلك جاءت القصة مبلورة الرؤية بشكل جيد بعيد عن التقريرية، فنجح الكاتب في جذب القارئ من خلال انسياب الحدث بشكل طبيعي ومتوازن بعيداً عن التصنع والافتعال بالأحدث، آملين أن يتخذ الكاتب مواضيع معاصرة تماشياً مع الواقع.
*حلم السماء ـ أمل الصباح
تخفى الكاتب أو الكاتبة وراء اسم مستعار هو (أمل الصباح) وربما لانعدام ثقته بنفسه أو خشية من تبعات الظروف الأمنية المحيطة الآن. لم يقدم الكاتب إلا جملاً متناقضة لا يربطها رابط منطقي… إذ بدأ الحكاية من التأمل للطبيعة وفصل الخريف والذي يصف الكاتب بأن أيامه منعكسة، على حد تعبيره، إلى بشارة مولود جديد لامرأة يائسة، ثم تصل إلى مرحلة الصبا لهذا المولود دون استخدام تقنية (الحذف أو الخلاصة) والتي يقضيها في التجوال بين القبور ليلاً حتى يهاجمه قط متوحش ترك آثاراً في وجهه، اثر هذه الحادثة قرر ترك المقبرة ويلتزم بالمدرسة، يلاقي قسوة من المعلم، يجد فيها حتى إكمالها ويحصل على مركز اجتماعي جيد، ثم نفاجأ بموته الفجائي على فراشه عند إيقاظه من قبل أمه.
حدث النص يضفي عليه الافتعال فجاء مجزأً لا رابط منطقي بين حلقاته وما يستدعيه حدث القصة في كونه يبنى على السببية (السبب والمسبب)، لذلك جاءت الأفكار متناثرة تقترب من الخرافة فضلاً عن مضض التراكيب والأخطاء الإملائية. كما قدم الكاتب شخصية غير واقعية ضمن المنظور الفني.
*مناداة جبل ـ عبد الله حسين محمد
موضوع القصة طريف ((سفرة عائلية إلى جبل مكحول عبر النهر القريب من القرية)) تروى القصة على لسان الراوي الشخصية المشاركة بالأحداث. أنحدر الكاتب في هيكلية القصة من البناء الدرامي إلى الأسلوب الإنشائي الفضفاض وقد مال الكاتب إلى تأجيج العواطف عن طريق الافتعال للأحداث من خلال الاستسلام إلى القدر المحتوم للطفلة (نور) عند تعرضها للدغة ثعبان أودت بحياتها.
الكاتب لديه رؤية جميلة في تصوير البيئة والمكان ولكن ما يؤاخذ عليه هو ركة الأسلوب والأخطاء الإملائية الكثيرة وميله إلى صبغ الأحداث بالصبغة القدرية، كما انه يفتقد إلى قدرة بناء الحدث بشكل مترابط الأسباب لذلك جاء حدثه مهلهلاً فتنحى كثيراً عن القص والبناء الروائي.
*حقيبة الدولار ـ صالح حسن سلامة
اعتمد الكاتب على البناء المتضمن (الترصيع) في بناء قصته حيث صاغ عدة قصص في إطار قصة واحدة، فالقصة الأولى وعن طريق السرد الذاتي تناولت الانتهاكات وأعمال العنف التي طالت الأبرياء من أبناء هذا الشعب، ومن خلال الحوار بين (عماد ومحمود) نجد أن (محمود) فقد حبيبته بسبب تلك الأعمال، وقد عمد الكاتب إلى ترصيع هذه القصة بالمشابه بين جمال حبيبته وجمال المرأة في الصين، إذ انهم يرون جمال المرأة يكمن في صغر قدميها حسبما يرى الكاتب.
وفي هذين القصتين يقدم لنا الكاتب شخصيات جاهزة مسطحة ومكان الحدث مجهول والزمن غير محدود. تطالعنا بعد ذلك أحداث قصة أخرى استخدم الكاتب فيها السرد الذاتي وكذلك الحوار بين (عماد ومحمود)، (محمود) هدفه في الحياة جمع المادة بغض النظر عن طريقة الحصول.. فتدفعه نزواته إلى الوقوع في شباك العمالة ومساعدة المحتل فيقع في أحضانهم… يتنقل معهم في سيارات (الهمر) يلعنه الناس. الشارع. المارة. الرجل. المرأة. الطفل. وكان يقرأ ذلك في عيون الناس الذين يراهم من زجاجة (الهمر) دون أن يروه، ولكن ذلك لم يثنيه عن تحقيق ما يصبو أليه! (الدولار مولاي بلا شك). في هذه القصة قدم لنا الكاتب شخصية (محمود) شخصية نامية إذ اعتمد الكاتب تقنية التذكر لسرد الأحداث ومن خلالها عرفنا ماضي (محمود) ويكف كان منقاداً لنزواته الجنسية وممارساته للعادات السرية.
بعدها نجد الكاتب قد انحدر إلى التقريرية والأسلوب المباشر من خلال تقديم الأسباب والمسببات، وطرح الأسئلة… (لماذا عبد الله قتل أبيه؟ ولماذا…) وكذلك ظهور شخصية (عدنان) شخصية جاهزة (غير عادية) دون سابق علم مع ركة في استخدام الألفاظ، فالسيف لا يمزق الصحف… بل يقطع الرقاب مثلاً والأيادي ولا يمكن حمل هذا التعبير على المجاز المرسل لان فن القص بعيد عن ذلك.
يعود الكاتب إلى وضع العراق المتردي نهب منظم… رشاوى… فساد إداري.. الخ. محاولاً الربط بين هذا الموضوع وشخصية (عدنان) الرجل الكفوء لمثل هذا الوضع وينقاد الكاتب إلى عاطفته متحمساً لـ(عدنان) حتى يصل به الانفعال إلى النيل من العشائر وقيمها الأصيلة، (إني لا اتفق مع الكاتب في ذلك وأطلب حذف العبارة) ثم تطالعنا أحداث جديدة تدور حول التهجير القسري الذي يتعرض له أبناء الشعب ونزوح الكثير من العوائل إلى الريف حيث أصبحت القرية الملاذ الآمن والذي يصفها الكاتب بالدولار. تنتهي القصة مع (محمود) وما جمعه من دولارات جراء خدمة المحتل تسلب منه رغم انفه ويقع بمصائدهم، عندما كان آهب للسفر وحينها تنفجر عبوة على رتل أمريكي فيسارعوا للقبض على من حولهم فيقبض عليه ويستولى على أمواله. نجح الكاتب في إيصال فكرة القصة والتي تحمل أكثر من مغزى، أولها؛ أن من يخون وطنه لن يوفق مهما طال الشوط أو تعسر المخاض، وثانيهما أن المحتل لم يكن صديقاً مطلقاً فصديقهم اليوم يعادوه غداً لأن في نظرهم من يخون وطنه سيخونهم كذلك، وثالثاً إن ما يجمع بطريقة غير شرعية سيذهب سداً ولا طائل وراءه.
المآخذ على الكاتب انه أقحم نفسه إقحاماً في هذا النوع من البناء (المتضمن) فلم يكن موفقاً كل التوفيق في هذا الاختبار، كون قلمه لازال طرياً، لذلك تلاحظ عليه بعض الهفوات كالأحداث المترهلة أحياناً والأسلوب الصحفي أحياناً أخرى، أما في مجال تقديم الشخصيات استخدم الطريقة التحليلية فاستخدم الشخصيات الرئيسية والثانوية والمسطحة والنامية وكان يميل إلى تقديم الشخصيات دفعة واحدة وهذا ما يؤاخذ عليه فهو لا يشد القارئ في متابعة الشخصيات، إلا في شخصية (محمود) كان موفقاً جداً، إذ لم يقدمه دفعة واحدة بل تدريجياً فهو شخصية نامية أضاءها الراوي عن طريق تقنية الاسترجاع وربط ما بين طفولته المنحرفة وحاضره الخاسئ والذي تمثل في خدمة المحتل، أما من حيث البناء فقد انتابها شيء من التنافر وعدم تماسك الأطراف مع الابتعاد كثيراً عن التكثيف.
*حقيبة الأوهام الفارغة ـ وسام عواد حسن
كما هو معلوم؛ ليس من مهمات القصة تعدد الأحداث، وكاتبنا في هذه القصة وقع في خطأ تعدد الحدث وتشتته، إذ أن هناك كثير من الأفعال تصلح لأن تكون أحداثاً بحد ذاتها، على سبيل المثال: معاناة (صالح) كونه طالباً، والد (صالح) الرجل الضرير (محمود) أرمل يحب مجالسة النساء، ويبحث عن فرصته للزواج، (صالح) يصارع قسوة الحياة ويبدأ حياته عصامياً كادحاً، إحباط (صالح) لعدم تحمله أعباء الحياة، علاقة (صالح) مع طبيب القرية (أبو مرزوق)، (أبو مرزوق) يكتشف إحباط (صالح) وينصحه بالزواج، زواج (صالح)، حصول (صالح) على فرصة عمل، يرزق بمولود (مصطفى يملأ حياته حبوراً)، نقل الطبيب من القرية… الخ. كما أننا نجد تناقضاً في صياغة الحدث تضفي عليه فقدانه للواقع الفني، فمثلاً بعد أن تجاوز (صالح) كل المحن يصبح معلماً ويتأثر بأفعال المراهقين جنسياً ويسمع كلامهم ثم ينحرف ويقوم بملاحقة الفتيات والتربص لهن ومراقبة نوافذ البيوت!! فكيف لهذه الشخصية التي بدأت عصامية ثم أعتنقت مجال التربية تمحق وتتحول إلى شخصية منحرفة..؟؟
يبدو لنا الكاتب من قراء الرواية التي تقوم على تعدد الأحداث وتشعبها وهذا لا يمكن فعله على القصة، فضلاً عن التناقض في صياغة الحدث والتجزئة دون مبرر، كما مال الكاتب إلى الأسلوب الإنشائي والتقريري المباشر.
*عش اللقلق ـ عبد الله محمد رمضان
لم يقدم لنا الكاتب قصة، بل قدم سيرة ذاتية عن حياة زميله المرحوم (حسن مطلك)، فالأحداث واقعية معاشة فعلاً ولم يكن لزخرف الخيال دور فيها، وإذا ما عددنا هذا النص سيرة ذاتية، تجد الكاتب كان حاذقاً في نقل صور الوقائع والأحداث لغة حية صادقة مفعمة بالعواطف النابعة من قلب آلمته الذكريات ولامست شغافه صفاء السنين الماضية.
أما في مجال وصف مكان الأحداث فقد اقترب الكاتب من الروائي الماهر من خلال لغته الشعرية وخياله الخصب وذاكرته الفطنة التي أعاد من خلالها إلى الأذهان صورة واقع القرية آنذاك. آملين أن يطلع على تقنيات القصة ليتمكن منها وهو صاحب الرؤية الجميلة والعاطفة الصادقة.
*حسن مطلك... واقفاً ما ضر لو كان جلس ـ إبراهيم محمد آلإمحمود
أتخذ الكاتب عنوان قصته من البيت الشعري: قل لمن كان واقفاً على رسم درس ما ضر لو كان جلس… والذي كان ينتقد وقوف الشاعر على أطلال الأهل والأحبة، الذي رافق الشعر (القبسلامي) كثيراً. القصة ليست قصة حدث، وإنما هي قصة فكرية ذات بعد نفسي. تبين القصة حالة الهول والهلوسة التي أصيبت بها شخصية الراوي للأحداث والذي اختفى الكاتب وراءها ساعة وداع المرحوم (حسن مطلك) في مثواه الأخير. اعتمد الكاتب على الحوار الداخلي (المنولوج) في بناء فكرة القصة، موظفاً في ذلك عدة تقنيات منها: التخيل… الارتداد.. أحياناً يأتي (المنلوج) على شكل حوار خارجي عن طريق المناجاة لشخصية المرحوم (حسن) وقد اختفى الكاتب وراء الراوي الذاتي إلى حد التماهي، وكان استخدامه (للمنلوج) ورقة رابحة في التعبير عن الآمة ومكنوناته النفسية، وهو الطريق الوحيد لصوغ مثل هكذا أفكار ورؤى، (فالمنلوج) يحقق أهداف الكاتب لكل ما لا يستطيع تحقيقه على أرض الواقع، فضلاً عن إعطائه الحرية الكاملة له في التنقل في الأزمنة (الماضي _ الحاضر _ المستقبل)
لغة القص لغة رشيقة وجملها مكثفة، استخدم في بنائها الترصيع في كثير من الأحيان، مثلاً آيات من القران الكريم، كذلك وصف (امرؤ القيس) لفرسه، كما ضمن مقطعاً من رواية (دابادا). وقد عمد الكاتب إلى الإيماء إلى ماض العراق وحاضره ومستقبله من خلال استخدام جمل المرحوم (حسن مطلك) المرمزة. وقد نجح الكاتب في أيضاء شخصية المرحوم (حسن) لمن لم يعاصره أو لم يكن قريباً منه، وبيان جدية أفكاره وإيمانه بحقيقة رؤاه.
*عمر وعلي وزمن الأوغاد ـ مظفر عبد الحي محمود
أنتقد الكاتب بقصته النعرة الطائفية التي زرعها المحتل، موضحاً أن النسيج العراقي وإن تعددت أطيافه فهو شعب واحد تربطه أواصر الأخوة والمحبة والمصاهرة فيما بينهم، وأن القتل الذي طال أبناء السنة طال أبناء الشيعة كذلك، وكثيراً ما تختلط دماء أبناء الطائفتين في بعض التفجيرات. فكرة القصة جميلة بريئة، مستوحاة من الألم العراقي، وقد نجح الكاتب في تصوير تلك المعاناة وفي إيصال شعوره إلى القارئ، من خلال رفضه للطائفية، إلا أننا نؤاخذه عليه بعض الاخفاقات التي وقع فيها، فمثلاً شخصية (عمر) الملقب بابي (علي) نجد الكاتب يستخدم هذه الشخصية مرة باسم (عمر) وأخرى أبى (علي)، وهذا يربك القارئ وكأن هناك شخصية أخرى دخلت الأحداث، فضلاً عن الأحداث السطحية التي تدور في أجواء القصة، والتي لا تنم عن خيال خصب وعاطفة قوية.
فالحدث الذي رسمه الكاتب نسمعه يومياً في الشارع وفي البيت وفي المجالس، والذي مفاده أن بعض المناطق المختلطة بأبناء الطوائف العراقية يتعاونون فيما بينهم لدرء الخطر الذي يحيط بهم. فلم يكن لخيال الكاتب دور في حبكة الأحداث، فضلاً عن النهاية غير المتوقعة للأحداث، نعم أن الكاتب امتلك شعوراً وطنيناً تجاه أبناء وطنه وأراد أن يعلن عنه من خلال تصافح (عمر وعلي) الذين هم من طائفتين مختلفتين… وليس ذلك بغريب. لكن هل الانفجار يترك يدين متماسكتين متصافحتين بعد أن قطع الجثث إلى أشلاء صغيرة..؟!؟ كتابة القصة وشحت بالافتعال فضلاً عن بعدها عن الصدق الفني.
*إنهم يقتلون الحب ـ طيب احمد محمود
القصة جميلة بعنوانها وفكرتها، إذ كان للكاتب قدرة متميزة في اقتناص الحدث وبناء حلقاته بسلسلة تنساب مع الأحداث بشكل يشد القارئ ويوقعه في وهم الحقيقة، إلا أن الكاتب أخفق في أمرين: أولهما عملية الحوار فمن حيث الشكل يجب أن يكون الحوار ضمير عن سرد عن الأحداث، واضح الشخصيات، أحياناً نستخدم الشارحة ( ـ ) بداية السطر لتدل أن الكلام هو لشخصية أخرى. أما من حيث مضمون الحوار فقد طفا عليه الافتعال وظهر فيه لتدخل الكاتب. وهناك خصائص مهمة للحوار يجب على الكاتب معرفتها. الأمر الآخر الذي أخفق فيه الكاتب، هو النهاية غير المتوقعة، فلو اختار الكاتب نهاية غير التسليم للقدر المزعوم، كالرحيل. أو الزواج. أو الرفض. أو عدم الاستقبال بالنسبة للحبيبة لأضفى نجاحاً كبيراً. ومع ذلك نجد الكاتب يقترب من كتابة القصة الجيدة.
*سمفونية السديرات الثلاث ـ عبد حمد علي جادالله
تنازع السرد في القصة حدثان؛ الأول وعبر السرد الموضوعي تدور حكايته حول الجد (مسعود) الذي عشق الطبيعة لذلك شيد داره في الجزيرة التي تقع في منتصف النهر، وفاق من نومه يوماً وإذا بحبيبته (هالة) تجمع الحطب بالقرب منه لم يأبه بها، بعد أيام تزوجت في القرية المجاورة وإذا بحبها يضرم النار في صدره. ثم يعود السارد إلى الحدث الثاني وهو حفيد (مسعود) الذي جاء إلى النهر وتأمله، حيث القطا الذي نزل الشاطئ للتو ليكبح ضمأه، ثم رأى حبيبته هناك لكنه لم يكلمها وأدرك أن الصمت لغة المحبين.
يعود السارد إلى الجد (مسعود) الذي امتهن مهنة صيد السمك ليلاً واضعاً مصباحه في جبينه ليضيء له أينما حدق، وسرعان ما تمر طائرة الاحتلال من فوقه وحدق إليها وإذا بضوئه يصوب نحوها ليرهب طاقم طائرة الاحتلال ويسارعوا بقصفه، وإنزال (مسعود) إلى قاع النهر. يرجع السارد إلى ماض (مسعود) و(هالة) الذي كان يحبها، وكيف علم زوج (هالة) بعلاقة زوجته مع (مسعود) وأنبها أمام أهلها. لذلك قررت إشعال نفسها والخلاص من هذه الحياة، وبينما كان (مسعود) يزور قريتها ظاناً أنه يشفي غليله برؤيتها، لكنه فوجئ بتشيع جثمانها أثر الحادث.
القصة مرتبكة البناء، إذ وقع الكاتب في خطأ طبيعة ترابط الأحداث، إذ استخدم طريقتين لصياغة الأحداث هما ((التضمين وكذلك التداخل)) وهذا غير الواحدة جائز في القصة، للكاتب الحق في اختيار نسق معين في صياغة أحداثه، ولا يجوز الجمع بين نسقين في البناء على هذا النحو، لذلك جاءت القصة مرتبكة البناء وأفكارها مشتتة فضلاً عن كثرة المصادفات والحوادث الغريبة التي وشحت القصة بالافتعال والذي بدوره افقدها الهدف الفني وعدم المطابقة مع الواقع.
*ذكريات ضائعة ـ طارق حمد
أمتلك الكاتب وجداناً متألقاً ونفساً طويلاً وقدرة جميلة على صوغ العبارة بلغة رشيقة ناطقة ومكثفة. أما الإخفاق الذي وقع فيه الكاتب أنه تجاهل الحدود الدقيقة بين بعض الفنون الأدبية كالمقالة والسيرة والقصة. فقد ابتدأ الكاتب قصته بمقال تاريخي وسياسي عن العراق ودوره الحضاري في خدمة الإنسانية موضحاً الأطماع الصهيونية في خيراته والتي أصبحت نقمة على شعبه. وبعد تقديم الكاتب لمقالته التي أطنب بها دون جدوى، قدم قصة متماسكة الأطراف وبلغة شعرية عن طريق السرد الذاتي. وقد شدنا الراوي نحوه وهو ينوء بهمومه التي ألقى الاحتلال وأذنابه وزرها عليه، فهو ذلك الرجل المتواضع المعتز بدينه بغض النظر عن طوائفه، فهو سني ويكن الاعتزاز والتقدير لكل المذاهب الإسلامية وخاصة الأئمة الأطهار من أهل البيت حيث كان يزور مراقدهم زيارة كل موسم.
قبل مجيء المحتلين وأذنابهم، إضافة إلى انه يعشق امرأة من الطائفة الشيعية، وما أن جاء المحتل حتى تشرذم الأهل والوطن، حرمت عليه زيارة أئمته الأطهار، وافترقت عنه حبيبته، وأخيراً اضطر إلى مغادرة وطنه مغترباً تصيح في شرايين رأسه دجلة والفرات و(فاطمة) والنخلة التي كان يرتادها في زمن الطفولة… مرسلاً أشواقه وحنينه تحت أجنحة الطيور التي صوبت وجهها نحو العراق. أننا نرى الكاتب كان موفقاً في نقل شعوره وما يضع في صدره من مشاعر الأنين والحزن بسبب ما حل بالأهل والوطن من مصائب وويلات، قدم ذلك بشكل متسلسل وفكرة منتقاة من واقعنا المعاش بلغة متميزة.
*البكاء على اللبن المسكوب ـ محسن حمود عثمان
لم يقدم الكاتب قصة، بل أقصوصة بفكرة بسيطة تكاد تكون واقعية. جرائم التفجيرات تكاد تقطف أرواح عدد من الأبرياء، من بين ذلك والدا الطفلة (سوسن) اللذان كانا متعلقين بها اشد تعلق، إلا أن القدر المحتوم فرق بينهما تبقى (سوسن) تنوح بكاءً مراً على والديها وهما جثتان هامدتان في مكان التفجير حتى يراها جارهم (سعد الدين) ويسارع يأخذها إلى زوجته التي لا تنجب وتتبناها.
نذكر الكاتب بأن أخلاق العراقيين وشيمتهم تأبى إلا أن تساند كل من يمسه ضرر مهما كان قدره، فكيف (سعد الدين) وهو الجار الذي أوصى به رسول الله (ص) أن يسارع إلى الطفلة المنكوبة (سوسن) ابنة جاره واقتيادها إلى زوجته لتتبناها كونها لا تنجب عندما فقدت أباها؟ فترى أن الأمر قد تعلق ليحقق منفعة شخصية. وأين الحقوق والواجبات..؟ وأين شيم العراقيين..؟ والأقصوصة ذات حدث بسيط وفكره سطحية فيها شيء من الافتعال بأسلوب يفتقد إلى الصراع والتنامي بعيداً عن العقد، فهو أسلوب تقريري مباشر. فضلاً عن تناقض الأحداث مع الواقع.
*أفراح مكحول العقيمة ـ صالح حسين صقر
امتلك القاص لغة شفافة مكثفة وأسلوباً رصيناً ينم عن ضلوع القاص في هذا الفن ومعرفة تقنياته، والإخفاق الذي وقع فيه هو عدم قدرته على شد القارئ لفترة طويلة مقارنة مع النص، ولسبب أن الحدث جاء قصير وكأنه مجزوء وهو بمثابة حلقة من حلقات الحدث، فالحدث يبدأ بصياد وسط نهر دجلة المحاذي لجبل مكحول… تأتى قوات الاحتلال إلى ذلك الجبل للبحث عن مسلحين يطلقون رصاصة يقتل الصياد.. وماذا بعد ذلك..؟ فالحدث لم يرسم بطريقة سليمة، حدث القص يبدأ من نقطة معينة ينموا الذروة وثم ينتهي إلى الحل وتكشف الحقائق، فالقاص هنا أبقى القارئ ينتظر إلى أفعال أو ردود أخرى لترسم أمامه طبيعة الأفعال بشكل واضح، وكان القاص غير موفق في ذلك.
*رؤوس بلا أجساد ـ مروة علاء الدين الهلالي
ما قدمه الكاتب يخلو من الحدث والشخصيات والمكان والزمان، فالحدث هو الفعل الذي تصنعه الشخصية على سطح معين يسمى المكان وتحت سقف معين يسمى الزمان، فنص الكاتب ابتعد عن هذه العناصر والتي هي عناصر القص وبالتالي ابتعد عن مقومات بناء القصة. وحقيقة النص هو اصلح ما يكون لمقال تأبيني لشهداء سديرات، وإذا ما عددناه ضمن هذا الإطار فإننا نعطيه درجة متميزة من القبول والنجاح. ((هو يصلح للنشر خارج إطار هذه المسابقة لأنها مخصصة للقصة)).
*طواحين الزمن ـ عبد الله مجبل عبد الرزاق
اعتمدت القصة على السرد الموضوعي وبرؤية مختلفة بين رؤية داخلية وخارجية. وبحدث بسيط يمثل رؤية مواطن عراقي يستغرب ويتعجب من شدة الهول والدمار الذي أصاب وطنه والذي طال بناه التحتية، وأرواح أبناء شعبه. أما إخفاق الكاتب، فهو لم يرسم لنا مكان الأحداث فضلاً عن تقديم الشخصيات بطريقة مجهولة غير واضحة فهو لم يعرفنا عليها حتى نعبا بها ونشاركها الهموم والأحزان فالقاص مطالب بتعريفنا على شخصياته.. (أسماؤها وأعمارها.. وملبسها، همومها وأحزانها…الخ) لكن القاص هنا اخفق في هذا المجال على الرغم من أن لغته جميلة ورصينة.
*ذهاب .. إياب ـ صفاء الشيخ حمد
عنوان القصة لا يوحي بمضمونها لذلك ارتئي أن يكون عنوانها (حنين) مثلاً، قدم القاص قصته معتمداً على السرد الموضوعي والراوي شاهد في أكثر الأحيان ويكون عليماً في أحيان نادرة، إذ كانت رؤية الراوي خارجية كثيراً وداخلية في نطاق ضيق، حدث القصة يرتكز على بعد نفسي لشخصية مغتربة تعيش ساعات من الضغط النفسي والحنين إلى الوطن الأم يتضح ذلك من خلال وضع الغربة الذي أنهكه فهو يعج بدخان السجائر وكذلك عودة الشخصية إلى ماضيها الجميل وهو ماضي الطفولة والذي سرعان ما يرجع له الكثير لحظة الحنين والاسترخاء.
اعتمد القاص على تقنية التذكر للعودة إلى ماضي الشخصية، وهذه التقنية شغلت مساحة كبيرة من مساحة القص وقد أجاد القاص بشكل جيد استخدام هذه التقنية فضلاً عن واقعية أفعال الطفولة إذا ما نسبت إلى شخصية (ريفية) ونؤاخذ الكاتب في إطنابه الواسع إلى حد الابتذال في استخدام هذه التقنية. نجح القاص في إضاءة الشخصية وتصويرها من خلال سرد ماضيها وعرفة علاقتها بوالديها وأعمال الطفولة التي تمارسها والتي كشفت لنا أن هذه الشخصية هي من الريف. حدث القصة قصير وموضوعه بسيط ومجمله شخص مغترب يقرر العودة إلى وطنه رغم إن قراره كان لا عودة، وهذا ما يطيح به المغتربين، لكن ألم الغربة وشوق الأهل والوطن يحني الظهور ويلوي القلوب وبعدها ينطق اللسان قسراً بالعودة… لغة القص جميلة ومكثفة وقد قدمها القاص بحنكة ودراية الكاتب المدرك بفضاء نصه.
*الربيع القادم ـ إيمان علي العنكود
حدث القصة بسيط، وفكرتها بسيطة إذ قدمت القاصة أحداثها بشكل رتيب خالي من الصراع والنمو.. حتى أن القارئ بات يعلم ما تصبو إليه الأحداث عندما يصل إلى أية نقطة ولم يفاجئ بشيء جديد، وذلك لضعف القدرة على البناء والتركيب، كما أن لغة القص ضعيفة تميل إلى التقريرية مما حدا بالقصة أن تصبح عبارة عن حكاية سطحية بسيطة.
*رسالة من تحت الأنقاض ـ حقي إسماعيل العنكود
فكرة القصة بسيطة وأحداثها سطحية طفى عليها الافتعال، وأحداثها تدور حول فتى اسمه (لؤي) طالب مثابر أحب زميلته الطالبة (منى) والتي كانت تبادله الشعور عند بداية دوام كل يوم. وأن ظرف العراق، الصعب اجبره على الرحيل إلى لبنان، إلا انه أيضاً اصطدم بواقع لبنان غير المستقر، وقرر العودة إلى شمال الوطن، بعدها دعا حبيبته إلى الالتحاق به في الشمال فالتحقت به. تتضح لنا عملية التصنع في الحدث، فضلاً عن عدم الترابط المنطقي في الأحداث، وعدم سوق مبررات مقنعة تجعل امرأة تلتحق بحبيبها وتقطع المسافات الطويلة دون أن يكون بينهما عقد زواج مثلاً أو اتفاق رسمي على الزواج على الأقل..؟؟ وكيف لا يعرف ظرف لبنان إلى أن يصله..؟؟ ونحن نعلم أن المسافر لأي غرض معين يستعلم ويحتاط لكل الأمور فيعمل بالسفر أو يؤجل إذا رأى خطراً محتملاً. فالقصة حكاية بسيطة تخلو من الصراع بفكرة بسيطة، وحدث يخلو قليلاً من المنطق فضلاً عن ضعف البناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رمضان علي عبود: كاتب وأكاديمي عراقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق