03‏/10‏/2009

شهادة / إبراهيم الإمحمود

عن حسن مطلك .. الإنسان الفنان والأديب

إبراهيم الإمحمود

لقد رحل قسراً.. لم نودعه.. ولم يودعنا..
بعد أن امتطى ناصية الأدب.. لكنه استعجل الرحيل لكونه لم يعد يحتمل الحياة وظلم الدكتاتور وجبروته، فاختار الموت بإرادته.. لكنه رغماً عن نفسه.. إنه الإنسان الفنان الذي يحمل في طيات فكره عالماً إنسانياً جميلاً هو أقرب إلى جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة.
حسن مطلك.. صديقي اللدود.. كائن يحمل في جسده روحاً احتوت كل مفردات الإنسانية، وهم الوجود الحياتي بكل ما يحمل من مأساة الإنسان.. يؤرقه الظلم والجوع والعري والاضطهاد.. فوزع جسده وروحه على كل الناس ليخفف عنهم بعض معاناتهم، وجعل من روحه طيراً يرفرف في سماء العراق، تكون لهم أفياء يستظلون بها من حر "الظهيرة العراقية"، كما يقول في دابادا،.. وزع عالمه ما بين ريشة فنان تشكيلي وأديب. واستطاع أن يصنع من ريشته سلماً للصعود إلى صهوة الأدب.. لكنه سرعان ما ألقى بها بعيداً عن جحيمهم خشية أن يرسم صورة أو لوحة للدكتاتور، حدث هذا عندما تعرض للضغط من قِبل زبانية الدكتاتور، وعلى الرغم من كل الضغوط التي مارسوها على أهله وأصدقائه وعليه.. لكنه أبى ورفض وبإصرار الفارس القوي بيقينياته. كان يقول:" أن التاريخ لن يغفر".. ذلك لأنه كان يعي نفسه ويمتلك فراسة نادرة لا تلين بالضغط ولا المغريات. فقذف بريشته بعيداً عن جحيمهم وتناول قلمه.. فكان متحدياً بكل ما يكتب ليخط أدباً واعياً نظيفاً يحمل لغة شعرية كثيفة مسنداً بقراءاته الواسعة للأدب العالمي والعربي وعلم النفس وغائصاً في تاريخنا العربي الإسلامي العراقي.. فجاء أدبه موسوعة متكاملة متمكنة، ولكي يؤكد كونه كاتباً لم يجد أمامه إلا ميدانهم، فتقدم لمسابقة القصة وهو المتحدي فكانت (عرانيس) الفائزة بالجائزة الأولى ليثبت لهم أنه يحمل قلماً أدبياً أقوى من ريشته. تطرق في (عرانيس) للحرب وهمومها ومعاناتها في إنسان الريف وبساطته غائصاً في عمق تراث قرية نائمة على ضفاف دجلة الشرقية (سديرة) التي تنظر نحو غرب الضفة حيث قلعة آشور واختفاء قرص الشمس وعمق تاريخ العراق، راسماً عبر لوحته الأدبية الجوع الذي يعيشه العراقيين.. لكنه جوع جميل وسعيد كونهم جعلوا منه آصرة أخرى تربطهم ويتحدون بها كوارث التاريخ وحروب الطغاة فيصنعون منه فرحاً عندما يقوموا بجني محصولهم من عرانيس الذرة ويخلقوا منها، من معاناتهم وجوعهم وتعبهم احتفالية شعبية عبر ألعاب (العلص) يستجدون البسمة والضحكة والدعاية وهم يرقصون خلال الحصاد ويتحدون التاريخ، ويصارعون الطغاة وينظرون إلى قلعة آشور ملكهم الذي أنشأ الحضارة والمكتبة الأولى في عراقهم.
لكنه زمن الحرب في (عرانيس) لذا يتحول الفرح والجوع وعرانيس الذرة وعلصها في هذه القرية إلى بندقية كلاشنكوف يحملونها لأنهم قد زجوا في الحرب قسراً كونها سوف تفقدهم فرحهم وعرانيسهم فهم لا يريدونها لأنهم يحسون أنها ستقطع الأواصر الاجتماعية ولحظات الحب وتفقدهم فطرتهم وطبيعتهم. جاء ذلك عبر بساطة الأم التي ترى ولدها يحقن البندقية على سرير اللبن والقش، وهي الفلاحة الأمية البسيطة الطيبة وخوفها على ابنها من آلة الموت كونها تعني بمفهومها (إما قاتل أو مقتول) فلا تريده أي منهما وهو لا يريد أن يكون أي منهما.. لكنه قسراً من زبانية النظام للمشاركة في قواطع ما يسمى (الجيش الشعبي) فيحاول بدعاباته أن يبرر لأمه ضاحكاً وباستهزاء مبطن سبب حمله للبندقية بأنها عروسته البديل ـ والصورة تحتمل أكثر من تأويل ـ لكنها الأم تعرف بعاطفة بسيطة ولا تحتاج إلى الالتفاف لإقناع نفسها والآخرين رغم ما تعرفه عن الابن وما يحمله من الفكر والوعي صريحاً ذكياً استطاع أن يقول ما يريد وليس ما يريدون، استخدم اللغة والوعي والرمز ومدارس علم النفس ومدارس الأدب والفن التشكيلي كي يفلت من شباكهم وكان له ذلك.

صورة: إبراهيم الإمحمود وحسن مطلك في قريتهما مطلع الثمانينات


كان حسن مطلك صديقاً وفياً ملازماً لي رغم انشغالاته وكونه مدرساً في معهد المعلمين في كركوك، إضافة إلى فرق العمر بيني وبينه، حيث كان يفرقني بكثير ـ أصغر مني ـ. كان مربياً فاضلاً وواعياً ومؤثراً.. تم نقله إلى ثانوية (قرية الزرارية) على ضفاف الزاب الأسفل، ومن ثم إلى (قرية صبيح) على ضفاف دجلة، وخلال ذلك كتب الكثير من القصص القصيرة والطويلة، نشر قسم منها في المجلات العراقية كـ (الطليعة الأدبية، الأقلام، أسفار، ألف باء).. ولأنه فيلسوف أصلاً فقد حاول تسريب فلسفته عبر الأدب مجرباً القصة، الدراسة الأدبية، المسرحية الشعرية والرواية حتى انتهى ليصر على كونه روائياً فدخل عالمها، وأراد أن يصعد جبل الرواية بأقصر وأصعب الطرق فارتقى من الجهة الحادة، حيث كتب روايته الكبيرة (دابادا) وهي كما وصفها "قصيدة غليظة وصرخة في الفراغ.." كتبها، وحسب ما يقول، "لكي يحمي نفسه من القراء"، وهو الذي تعود على البحث عن ارتقاء المسالك الصعبة رغم كونه هادئاً صامتاً مستمعاً أكثر من كونه متحدثاً، لكنه إذا تحدث أفحم سامعيه وفاقهم عبر لغة شعرية قوية متمكنة بأدلة مختصرة وواضحة ومؤثرة غائصاً عبر التاريخ ومعطيات علم النفس كونه اختصاصه.
ومثلما قذف بفرشاته بعيداً عن جحيم الدكتاتور قام بقذف قلمه أيضاً على الرغم من براعته في استخدامه كسلاح لمقارعته.. وهذا ما لم أتوقعه وأدخلني في حالة من الذهول والخوف والصدمة، الإنسان الرقيق الذي لم يجرح مشاعر إنسان، الفنان التشكيلي المرهف الحس الذي لا يستطيع قتل حشرة صغيرة، المفكر والأديب مدرس الأجيال الذي يزرع السلام والمحبة وتذوق الحياة ومحاولاته في تجميل بؤسها وفيها عبر مفردات لغوية جميلة تضع البسمة على وجوه الآخرين..!!.
هذه المرة يمتطي دبابة ويحمل مدفعاً كي يقارع الدكتاتور، نداً لند..! وهو يردد عبارته التهكمية قاصداً الدكتاتور: يا عدوي الوفي. فحسن مطلك قد عودنا على التلاعب بمفردات اللغة وجمالها ومحاولة خلقها، فكان يقول، مثلاً: (مربع الضوء) ويعني الشباك، و(صديقي اللدود) و(الظهيرة العراقية) و(ظهر الخير) قياساً على صباح ومساء الخير، و(المكعب) يقصد المذياع.. وهو عواد وشاهين دابادا. ومحاولة طعنه (قندس) حمار المختار المدلل.. والأرنب المبقع في البراري.. آه.. وآه.. يا حسن مطلك.
لم أكن أتصور ولم أتوقع أنك سترفع سلاحك بوجه الدكتاتور وتضع روحك على كف عفريت، ليس لأنك جبان.. بل لأنني أعرفك وأعرف أنك ترفض العنف وتعرف قيمة الإنسان ولا ترضى بتحطيمه حتى لو كان هو الشر والقبح والدمار، وأنت الذي يقول: حتى الأشياء القبيحة هي جميلة في زوايا منها لا يراها الآخرون.. وكنت أجيبك: ذلك كون الفنان التشكيلي يبقى قبل ولا يفارقك فيصنع لك من قبح الأشياء جمالاً.
فكنت ترد: مثلما أنت لا يفارقك الإنسان المسيس والمؤدلج. وكنا نتصافح ونضحك كما يضحك رواد فلسفة الضحك في دابادا و (كشهم) ومساميرهم.. ونحن الوارثون.. أنا وأنت..
آه.. يا حسن مطلك.. أدرك الآن عظمة عملك وكبر تضحيتك التي من خلالها تركت لنا درساً عميقاً يصعب نسيانه.. لقد اخترت موتك بنفسك بينما نحن ننتظر أن يهجم علينا موتنا ونحن غافلون.. ولكن ما يؤسفني أنك قذفت بنفسك في جحيمهم.. وكأني بك تبحث عن فرشاتك وقلمك ناسياً بأنك عبرهما وعبر كرمك بروحك قد صعدت إلى السماء لتعود نبراساً للأجيال القادمة وتخط لهم لوحات جميلة وأدباً رائعاً يعلمهم مقارعة الدكتاتوريات من غير دماء ولا شهداء.
وقد تم إعدامك أو شنقك ـ لا فرق ـ كي تموت واقفاً كما نخيل العراق وتوضع في قبرك واقفاً وبملابس النوم من دون كفن.. كما الشهداء.. وأنت نبراسهم، كي تكون مميزاً بين شهداء العراق اللذين قارعوا ظلم الدكتاتور وجبروته وهو فرعون القرن العشرين.. لتزرع الخوف في زبانية الأنذال، لتصعد روحك إلى السماء في 18 تموز 1990 وتدفن في قبرك في 2 آب 1990 والعالم يفاجأ باحتلال الدكتاتور لدولة الكويت ونحن إخوانك وأصدقائك لا نستطيع أن نبكيك مثلما نودع الشهداء خشية من الزبانية وهم كثر بإرهابهم وأوامرهم: لا تبكوا، لا تجتمعوا، لا تحزنوا.. ولا.. ولا..، يقولونها، وبكل وقاحة سيدهم متجردين من إنسانيتهم.. وها هم الآن يعيشون بسلام بيننا دون أن يخافوا أو يستحوا كونهم يعرفون أن ما نحمله من إنسانية وأخلاق وتسامح هي أكبر من أحقادهم وشرورهم ودكتاتورهم المقبور.

----------------------------------------

حسن مطلك وإبراهيم حسن ناصر

(مشاهِد معهم)

كنت أشبه بمرفأ لهما بعد سفرهما في عالم الأدب والحياة.. وصندوقاً يضعون فيه بعض همومهم ومعاناتهم وأحزانهم وربما فرحهم.. لذلك أقول ما قاله ابن عربي في (شجرة الكون):" لن يدرك ما أعاني إلا من يدرك المعاني".

مشهد ـ أ ـ
لم أكن أشعر بالبرد لكنني أحس بألم قطرات المطر وهي تصطدم بزجاج الشباك فتسيل كدموع الثكالى من أمهات شهداء العراق. دخل حسن مطلك الردهة بملابس مبللة وعيون باحثة ليصدم صوتي سمعه مرحباً ناسياً آلامي محاولاً الوقوف لمعانقته، لكنه سبقني وعيناه مملوءة بدموع لقاء الأحبة، فخرجت كلماته متحشرجة: جميل.. لقد ثـقّبوا جسدك ولم يعد يصلح كقربة.. لقد أعادوك طفلاً فقمطوك.. آه.. ربطوا قدمك كي لا تهرب. إنك مثلي تكره زرق الإبر. طرق الجبس بظاهر كفه وأضاف: صوته جميل ولونه أبيض.. تستطيع أن تعزف إيقاعاً وربما ترقص ألماً. فقلت: كفى يا حسن.. إنك لم تسلم على بقية الراقدين في الردهة. صمت قليلاً. فابتسم وحياهم متمنياً لهم الشفاء. قلت: كأن العشيرة لم تعلمك الأصول فتصافحهم.
قال: أنا لا أخضع للبطح العشائري.. المهم، وقتي ضيق لأنني مشغول بالإعداد لمعرض كاريكاتير وسيمفونيات بتهوفن.. ولأنني لا أخضع للبطح العشائري فهديتي لك كتاب ينسيك آلامك، سنلتقي، إنشاء الله في سديرة.
ناولني الكتاب وقال: السلام عليكم. خرج مسرعاً كما دخل. والكتاب كان رواية (البحث عن وليد مسعود) لجبرا إبراهيم جبرا، والإهداء: أبو ضياء.. لقد عانقك الموت فأغضبته.. فذهب.. إحذر سيعود.. أتمنى لك الشفاء.. حسن مطلك.

مشهد ـ ب ـ
عاداني مساءً: حسن مطلك وإبراهيم حسن ناصر. وكنا لوحدنا فتحدثنا طويلاً في الأدب وهموم العراق، وعما كتبا وسيكتبان. الاختلاف في أسلوب الكتابة عند كل منهما. حسن مطلك متأثر بالآداب العالمية والفن التشكيلي وعلم النفس وعمق التراث والتاريخ. كتابات إبراهيم الحسن متأثرة بالأدب العربي والحرب واللغة التقريرية للصحافة، لكنه يمتلك لغة رائعة عند استخدامه للفلاش باك والمرأة كعشيقة ومتحدية. أما المرأة عند حسن مطلك فهي فاعلة ومتفاعلة وهاجس نفسي ولوحة فنية متغلغلة فيما يكتب فتأتي كمؤثرة في الرجل أكثر من كونها متأثرة. أما المكان لدى إبراهيم الحسن فواسع شامل لكل العراق فهو يحاول توسيعه قدر ما يسمح به النص ويأتي مكانه جغرافياً معلوماً، أما الزمان فمحدد ويحاول تضييقه أو ربما لا يضعه في حساباته عندما يكتب، لذلك يجيء حراً وحسب ما يحتاجه العمل الأدبي.
أما الزمان لدى حسن مطلك فهو واسع وطويل كونه يمتد عبر عمق الحضارة الإنسانية لذلك فهو تاريخي يقف في محطات مكانية تمس الإنسان وتأثيره وتأثره بالصراعات السياسية والأفكار الفلسفية والاجتماعية والآلهة والدين وصراع الحضارات، أما المكان فهو يتحكم به فيستطيع أن يضيقه لدرجة أن بإمكانه حصره في متر واحد، مثلما كتب متخذاً البئر في قصته (حكاية السقوط) أو الحمّام في قصته (إشارات قبائل القاعة). لكن هذا لا يعني أنه لا يستطيع توسيعه.. بل تراه في قسم من كتاباته يمد هذا المكان ليشمل الكرة الأرضية، كما حدث في (دابادا) فعلى الرغم من أنه قد حصر المكان في المنطقة المحصورة بين جبل مكحول وقلعة آشور والتلال غير البعيدة شرق قريته سديرة، لكنه أخبرنا أن بإمكانه مد المكان إلى صحراء نيفادا والقارة السوداء وآسيا وحتى أوربا..
وهكذا بقينا، نحن الثلاثة، نتحدث إلى وقت متأخر من ليل الاستشفاء فجرحي مازال كبيراً باستشهاد شقيقي صباح وكانا بمثابة عزاء لي أرى فيهما صباح.

مشهد ـ ج ـ
اعتاد إبراهيم أن يودعني قبل التحاقه من الإجازة إلى الجبهة. كان مهموماً ومشتتاً يلعن الحرب قائلاً بأنها حرب نذلة وغير عادلة ومدمرة، معلقاً بأنه لا يعني الأسباب والدوافع بل أسلحتها التي تفقد الرجال كرامتهم لتحولهم إلى جرذان تختبئ في الجحور، ليس جبناً، لكن الحرب قد تحولت إلى قصف مدفعي متبادل في قاطع جنوب البصرة.. شظية جبانة تخطف إنساناً لم يكمل احتساء قدح الشاي بقربك ولا ترى عدوك لتثأر له ولنفسك فيموت في أحضانك دون أن تستطيع فعل أي شيء سوى الدموع والتحديق في دمه وهو يختلط بتراب أرض البصرة السبخة.. إنه ليس خوفاً من الموت لكنها مأساة تحطم الإنسان الذي خلق الله الكون من أجله.. يقول إبراهيم: تصور أنني اعتدت أن أمر على كلية الآداب في بغداد في بعض إجازاتي.. في بداية هذه الإجازة مررت بها وكنت أتجول في أروقتها، لكنني لم أكن أحس بأي طعم، زيارتي مزيجاً من المشاعر المتناقضة.. وكأنني لن أعود إليها ثانية، فبدت مجرد بناية صماء، شوارع وحدائق وطلبة غرباء.. ليس فيها أية حياة.. شعرت أنا الآخر بالغربة والضياع فيها، لم أتمكن من البقاء فهربت كسجين يغادر زنزانته المقيتة.
ودعني قائلاً: أظن بأنني لن أراك ثانية، لكنك ستراني موضوعاً في تابوت طويل سيكون نجاره خاسراً كونه سيحتاج إلى خشب ومسامير أكثر من المعتاد بحكم طول قامتي.
ودعني زارعاً الخوف في نفسي خشية من أن تصدق نبوءته.. للأسف صدقت نبوءته وحدث ما أخشاه فعاد ملفوفاً بعلم العراق لتنهمر دموعي ساخنة صاخبة من أعماقي.

مشهد ـ د ـ
أصبح مشاكساً ومهموماً بسبب ما عاناه من مواقفه وفي طبع (دابادا) وضيق ذات اليد، فكان يصب من همومه ومعاناته في صندوقه/ صدري.. لكنني أحسست بأنه يحمل هماً أكبر من الأدب كون أفكاره قد أخذت بمصالحتي، لأنه كان، سابقاً، يهاجم السياسة عندما يرغب باستفزازي، أما الآن فأشعر به يقذف بشباكه لتعود إليه خاوية، كوني قد عرفت من خلال تلميحاته بوجود شيء ما لكنه سيفشل بسبب التلصص والأمية السياسية والإرهاب الدموي الذي تمارسه الدكتاتورية.. دفعني ذلك لبناء سياج حولي دون أن أفقد صداقته.. وكان حسن مطلك هو عواد وهو شاهين في (دابادا) فأمسك المدية بشكل خاطئ ونجى حمار المختار المدلل (قندس) فأدمى يده وأدمى قلوبنا وجعلنا نبكيه بصمت في دواخلنا.. لقد كان الثمن باهضاً.. لكنه تراب العراق!.

مشهد أخير
الآن اختلطت أجسادكم بتراب العراق في قبريكما.. لكن روحيكما مازالتا ترفرفان، فوق رؤوسنا، مع أرواح بقية قوافل شهداء العراق.
فوداعاً يا أحبتي.. وشكراً لكما لأنكما قد جسدتما كلماتكما ووعيكما وثقافتكما بفعل الاستشهاد من أجل العراق وكل حسب طريقته.. فلكما الخلود لأنكما رفعتما راية حب العراق وبرهنتما على أن محبة الوطن من الإيمان.. فطوبا لكما ولكل شهداء عراقنا.
------------------------------------------------------------
*معذرة لهما لأن ما كتبته هنا لا يعطيهما حقهما.. كتبت موضوعاً أطول بهذا الشأن لكنني هنا قمت باختيار مشاهد/ لقطات منه بحكم أنها ألقيت في حفل تأبينهما الذي أقامه منتدى سديرة الثقافي، فجاء المكتوب فيه من الغبن لهما ولي.. لكنها الضرورة.
العبارات والأفكار التي دونتها على لسانيهما، وحتى الإهداء، ليست مطابقة نصية لأقوالهما وأفكارهما، لكنها من الذاكرة ومن صورهما في داخلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*إبراهيم الإمحمود: كاتب وسياسي عراقي، صديق الراحلين حسن مطلك وإبراهيم حسن ناصر، وابن قريتهما.

ليست هناك تعليقات: