03‏/10‏/2009

مقال / عبدالكريم الزيدي

الروائي الذي أعدمته سلطات الدكتاتور عام 1990

حسن مطلك يُبعث في مصر من خلال رواية دابادا



عبدالكريم الزيدي


أية ليلة حزينة تلك التي شهدت إعدام القاص المبدع حسن مطلك!.. أجزم أن النوارس فرت مرعوبة من نهر دجلة وهي تشاهد تدلي هذه الجثة .. كالضوء.
كيف تجرأ الرئيس صدام حسين على تنفيذ أمر إعدام هذا القاص.. ليدخل بذلك التاريخ الأسود كما دخله قبله فرانكو حين أعدم شاعر إسبانيا لوركا.
إن عملية إعدام حسن مطلك الروائي الرائع والوديع، الذي اقتحم العاصمة بغداد بكتاباته الرصينة واستطاع أن يكون لنفسه صوتاً متفرداً ومتميزاً في الرواية العراقية، تعد خسارة للأدب العراقي.. بل والعربي. فقد كان دؤوباً ومخلصاً لعملية الإبداع، وكان مشروعاً لأن يكون أحد الأسماء البارزة والكبيرة في الأدب العربي.. إنها حقاً محنة المثقف العراقي المعاصر إزاء نظام دموي لا يتورع عن قتل مبدعيه خلافاً لتقاليد دول العالم التي تكرم مبدعيها وتقيم لهم التماثيل لتخليدهم.
أصدر الراحل حسن مطلك رواية (دابادا) عام 1988 والتي أثارت ردود فعل كبيرة لدى المختصين، فقد قال عنها جبرا إبراهيم جبرا: "إنها رواية غير عادية وكاتبها شاب جريء"..
"دابادا: هي صرخة في الفراغ..
تشهد نضال الإنسان ضد الموت التدريجي.
إنها رفسه مُوجهة قبل حلول الزوال، لبعض الناس الذين يرفعون إنسانيتهم إلى الأعلى فيخرجون من إطار الجذب الاجتماعي ويدخلون صفحات الأسطورة. إنها لا تُرسخ اتجاهاً معيناً ولا تدافع عن مدرسة أدبية، وإنما تتحدى قدسية التراث الروائي بأكمله، فهي تشبه قصيدة غليظة مشحونة بحس الفجيعة المضحك، غائرة في التراث الاجتماعي لسكان وادي الرافدين حتى عصر آشور بانيبال، وربما كانت: "تمريناً شاقاً لتعلم الخطأ" كما يصفها كاتبها الذي يقول إنه كتبها ليحمي نفسه من القراء".
قال عنها الروائي عبدالرحمن الربيعي:" لقد أحببت هذه الرواية العصية، إنها رواية مختلفة، لا يمكن أن تذكرنا بأي عمل روائي آخر ولم تتعكز على إنجاز روائي سابق.. إنها رواية وحيدة ومكتفية بما حملت". واعتبرها الراحل محمود جنداري:بأنها تمثل "الكتابة بشروط الحياة". أما الدكتور الناقد عبدالله إبراهيم فقال عنها:" إنها رواية تستفز القارئ وتتصدى لقضايا كبرى، إن هذه الرواية ستثير إشكالات في مستوى القراءة ومستوى التأويل وستختلف الآراء حولها".
وقد صدرت رواية (دابادا) ـ بطبعتها الثانية ـ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وجاءت طبعة القاهرة في 220 صفحة من القطع المتوسط ومدرجة ضمن سلسلة كتابات جديدة التي يديرها الروائي إبراهيم عبدالمجيد.
رواية دابادا يعدها النقاد أهم رواية عراقية كتبت في العقدين الأخيرين لما فيها من تجديد متميز على كل المستويات؛ اللغوية والتقنية وعمق الموضوع، ولما كان لها من تأثير كبير على الكتاب العراقيين الشباب.
بعد كل هذه الشهادات بحق هذه الرواية.. أيستحق كاتبها أن يُعدَم، وجريمته أن له رأياً مغايراً لنظام الرئيس صدام.
أيها الراحل المبدع الشهيد حسن مطلك، سنقيم لك تمثالين خالدين الأول خالداً في مدينتك الحدباء (الموصل) والآخر في بغداد.. فمثلك يجب أن يُخَلّد، أما تماثيل من أمر بإعدامك فستتحطم وتتناثر شظاياها في القمامة.
فهذا التاريخ، وهكذا كان لوركا مع فرانكو.. وأنت قد غدوت (لوركا العراق).. باقة أزهار على قبر مبدع سيبقى يفوح شذاها لكل الأجيال.
-----------------------------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الاتجاه الآخر) العدد 43/الأربعاء 5/12/2001 دمشق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبدالكريم الزيدي: شاعر عراقي يقيم في دمشق.

ليست هناك تعليقات: