بمناسبة صدور كتابين جديدين له ..
حسن مطلك : الحب هو الركض على الحائط
كتب :عبد الرزاق الربيعي و علي جـبار عـطية
.. سـبـحـان اللّــه!
مثلما كان الروائي الراحل حسن مطلك يفتخر بأنه يقطع المسافة بين الموصل وبغداد والتي تتجاوز أربعة مائة كيلومتر بثلاث ساعات بسيارته (الميتسوبيشي) وبسرعة مائة وأربعين كيلو متر في الساعة كذلك كانت حياته الدنيوية سريعة فغادرنا دون أن يكمل الثلاثين من عمره!.
غادرنا تاركاً روايته الفذة (دابادا) التي طبعت في بيروت عام 1988 وابنتين هما (مروة)و(سارة) وزوجة طيبة تحب بلدته (الشرقاط) وقريته (سديرة)على الرغم من بساطة هذه القرية وتفضلها على مدينة مولدها بغداد بكل ما فيها..
جمعتنا معه الأقدار يوم 1/9/1988 ودارت بيننا أحاديث شتى كعادتنا كلما نلتقي ولا أعرف لماذا خطرت ببال أخي علي تدوين ما جاء في هذه الجلسة التي دامت أربع ساعات. وكان المرحوم منزعجاً لعطل أصاب سيارته. وقبل خروجي من بغداد تسنى لي حمل بعض الأوراق القديمة وكانت هذه السطور من بينها.. والتي لا أعتبرها حواراً يستكشف آفاق تجربة حسن مطلك وثقافته الغزيرة وأراءه الجريئة.. بل لا تعدو أن تكون أكثر من (دردشة) دارت بين أصدقاء لم يكن يدور بخلدهم أن القدر سيختم على الكثير من اللقاءات التي هي في طي المجهول بالشمع الأحمر ..!
لقد أفلتت هذه( الدردشة) من قبضة النسيان وأسوار التلف بفضل إلحاح التدوين.. ذلك الإلحاح الذي حفظ لنا الكثير من النصوص الأدبية والآثارية على الألواح والرقم الطينية!.
فكم من الأحاديث فقدت بمجرد انتهاء الجلسات !!
الذي حفزنا لإعادة نشر هذا الحوار الذي سبق لنا نشره قبل سنوات عديدة في عدد خاص من مجلة "الواح " هو صدور كتابين جديدين للراحل حسن مطلك عن الدار العربية للعلوم في لبنان يحمل الأول عنوان (الأعمال القصصية) ويضم هذا المجلد مجمل القصص القصيرة التي كتبها حسن مطلك وسبق نشرها في الصحافة الثقافية أثناء حياته والبعض لم يسبق نشره، قام على جمعها وإعدادها شقيقه الدكتور محسن مطلك الرملي وقسمها إلى مجموعتين (الحب هو الركض على حائط) وهي القصص الخاصة بموضوعة الحرب، ومجموعة (أبجد حَسن هوّز) المتنوعة في مواضيعها وتقنياتها.
أما الكتاب الثاني فيحمل عنواناً رئيسياً هو (كتاب الحب) وعنواناً فرعياً (ظِلالهن على الأرض) يمكن عده من المذكرات فيما كان مؤلفه قد عده (كتابه حُرة) كونه اعترافات ويوميات تتعلق بالحب، وبشكل خاص عن تجربتين من بين التجارب العاطفية التي تخللت الحياة القصيرة لحسن مطلك الذي ولد عام 1961 وأعدم عام 1990.
*في البداية قلنا له: لماذا تفضل القرية؟
- القرية افضل من المدينة؛ لأنها لا تقطع أحلامك وتتيح لك قدرة على التأمل والعزلة.. وعندي أن الإنسان مسؤول عن أعماله فهو واحد على الرغم من العلاقات الوهمية مع الناس ويجب أن يعي هذه الحقيقة ولا يخاف الموت، وقريتي (سديرة) متكافلة اجتماعياً، فالذي يصيب أحدهم يصيب المجموع. والناس فيها يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، ويجب عليك ألا تستاء من هذا التدخل ...
..ومع هذا فقد أنجبت بلدتي ثلاثة قصاصين هم: (محمود جنداري) و(حمد صالح) و(حسن مطلك).
*كتبت رواية أسميتها (دابادا) فماذا تقصد بهذا الاسم؟ وما الذي تريد تحقيقه من ورائها؟
- أعني بـ(دابادا) ما بعد اللغة، وحين انتهيت من كتابتها عرضتها على عدد من دور النشر في العراق فرفضت طباعتها مما اضطرني إلى طبعها في بيروت وكلفتني ألف وثلاثمائة دينار(حينها كان الدينار العراقي يعادل ثلاث دولارات!) مقابل ثلاثة آلاف نسخة!.
لقد أكدتُ في هذه الرواية على خطي المتميز في صنع عالم ما بعد اللغة وتجسيد الانتظار وصنع النص المزدوج الذي فيه معنيان؛ ظاهر ومضمر، وتناولت الهجران من باب أن الإنسان يعيش دائما في حالة هجران .
*لكن القاريء قد لا يستطيع إكمال قراءة روايتك!.
- لا أريد القاريء الكسول. ويسعدني أن تترك روايتي قبل أن تكملها.. فالرواية التي تتحداك تنفعك .
* كيف استقبل النقاد روايتك ؟.
ـ لقد قال القاص موسى كريدي عن الرواية :انها تعد فتحا في عالم الرواية العراقية المغلق، وللناقد عبد الله ابراهيم رأي مشابه ظهر في جريدة (القادسية) وضرب الدكتور علي عباس علوان أولاده بعد قراءة الرواية!.
* وما موقف النقاد الشباب من الرواية؟.
- صنف الناقد خضير ميري روايتي بالمصطلح الذي أعمل عليه (الواقعية المطلقة) ورأى بأنها تجمع كل المدارس الأدبية من كلاسيكية واشتراكية وطليعية ونفسية واجتماعية ورومانسية وغيرها.
* بمناسبة ذكر اسم (خضير ميري)، برأيك لماذا يهاجمه البعض رغم ثقافته الموسوعية؟.
- لأنه يدل هذا (البعض) على نقص معرفته. وهنا يحدث التصادم ويثير الزوابع في كل أمسية.. لأنه قد وصل إلى درجة عالية من الوعي برغم رأسه الصغير!.
* مثل ماذا؟.
- في إحدى الأمسيات أسكت خضير ميري الحاضرين حين طرح عليهم هذا السؤال :أنتم تتحدثون عن الموسيقى في الشعر، فمن منكم يعدد لي السلم الموسيقي!؟. إن خضير ميري ذو قدرة عجيبة على القراءة والتحمل وقد توصلنا أنا وهو إلى أن الإنسان يعيش في إشكالية مستمرة؛ فما أن ينتهي من مشكلة حتى يقع في أخرى وعليه (الإنسان) طرح الأسئلة دائماً ومعرفة الأشياء.
* ما دمنا بصدد القراءة، بودنا معرفة آرائك بعدد من الأسماء الأدبية المؤثرة؛ مثل (كافكا)؟
- إن (كافكا) في روايته (المسخ) قد جسد ضآلة إنسان في حشرة، فهو قد حوّل الإحساس بالمهانة لدى مساح أراض يحاول أن يكتشف العالم .. حول شعوره النفسي بالمهانة إلى صورة مجسدة، وهذه هي فضيلة كافكا وسره.
* ومارسيل بروست؟.
- إنه أعظم روائي عالمي؛ فقد كتب رواية (البحث عن الزمن المفقود) في ثمانية آلاف صفحة ومات بعد كتابتها.
* وماذا عن دوستويفسكي ؟.
- لعبته النفسية أصبحت مكشوفة.
* وكازنتزاكي ؟.
- رائع في كل ما طرح.. خاصة في (زوربا).
* وماركيز؟.
- يجيد صنعة الرواية لكنه لا يضيف شيئا فكرياً للقاريء.. فهو سطحي.
* كثيرون قد تناولوا موضوعة الحرب في كتاباتهم، فمن رسخ في ذهنك من هؤلاء؟.
- أعظم من كتب عن الحرب الكاتب الروسي (جنكيز ايتماتوف) في روايته (جميلة).
* لـماذا؟.
- لأنه ليس في روايته ذكر مباشر للحرب، فهي تدور فيما بعد الحرب، وتطرح معاناة فتاة روسية فقدت زوجها.
* ماذا عن الروائيين العرب؟.
ـ خذ من الطيب صالح روايته (عرس الزين) لا (موسم الهجرة إلى الشمال).
* ومن مصر؟.
ـ خذ إبراهيم أصلان لا نجيب محفوظ الواقعي الذي يمكنك حذف فصول من روايته من دون أن تؤثر عليها!.
* وماذا تريد من الكاتب؟.
- أن يقصد الشيء في كل كلمة يكتبها ولا يمكن حذفها.
* كيف توضح علاقتك بالشعر؟.
- لقد بدأت حياتي شاعراً لكنني أدركت بأن الشعر يحتاج إلى تضحيات كبيرة فانقطعت عنه كتابة لكن علاقتي به مستمرة قراءة وحفظاً.
* وماذا عن قراءاتك؟.
ـ أقرا كثيرا في الفلسفة والأدب.
* قضية القراءة والكتابة تشغلك، أليس كذلك ؟.
ـ نعم ولديَ دراسة عنوانها الحالي (الكتابة والقراءة) حاولت فيها كشف أسرار صنعة الرواية لبعض الكتاب.
* هل لديك بحوث أخرى؟.
- كثيرة في مجالات المعرفة الإنسانية المختلفة، ولقد قمت ببحث حول الآثار الآشورية فوجدت مثلاً؛ أن آلاتهم لا تختلف عن آلاتنا بشيء.. حتى الفأس نفسه!.
* لكنك تهاجم العلم رغم تخصصك العلمي.. لماذا؟!.
- لأن العلم خان الوعي فحوّل الإنسان إلى آلة. وعندي أن (كارل ماركس) ملعون ملعون.. فهو الذي جنى على البشرية !!. إن كل ما وصل إليه العلم قد توقف وهو الآن يعمل على تطوير الأشياء ولهذا يجب الاتجاه نحو الإنسانيات، ودراسة الإنسان.. فهو السر الذي لم يُكـشَـف بـعد !.
* وماذا يجب علينا أن نفعل ؟.
- أن نـتـشـبـث بـالأمـل.
----------------------------------------------------------------
*نشر في أكثر من منبر ثقافي منها مجلة (ألواح) العدد 11 سنة 2001م مدريد. و(آرام) وغيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق