02‏/05‏/2009

كتابة / ورد صبيح صادق

حسن مطلك وابنته الكبرى مروة

أعدك يا حسن مطلك

ورد صبيح صادق

في الحقيقة انني لا أدري لماذا أكتب لك هذه الرسالة، ربما لأنني أظن في أعماق نفسي بأنك ستقرأها، فأنت بشكل من الأشكال لا تزال حياً بين كل أولئك الذين يتذكرونك، أو ربما أكتب لك لحاجة في نفسي.. لأنني أريد أن أقول لك بانك قد ذكـّرتني بحلم.
لاحظ، أنا عراقية، عراقية مثلك، وُلدت عام 1980، ولحسن الحظ، أو لسوء حظي، كان عليّ أن أخرج من هناك وعمري سنتين فقط. ولكن هذا لم يُنسني حبي لوطني، ولا أن أنساكم، لقد حللتُ بأرض غارثيا لوركا... نعم لوركا شاعرك وشاعري أنا أيضاً، شاعر جيل الـ 27، لقد عشت هناك، في غرناطة، ولهذا فان طفولتي هي هنا في أرض الأندلس، في هذه الفناءات وبين تلك السنادين، ومن الممكن أن يكون ذلك سبب شغفي المستمر في متابعة أعمال لوركا، أو قد يكون بسبب علاقة والدي به، هل تعرف؟ إنه من المعجبين بلوركا.
لقد كنت أحلم زمناً طويلاً بأن ألتقي في يوم ما بكاتب عراقي يُشعرني بأنه يمتاز بحس أحد أدباء جيل الـ 27. لقد كان ذلك أملاً أو من الممكن أنه كان خيالاً، لأنني بالكاد أقرأ العربية كما أقرأ الاسبانية، ولكن ظل أملاً في مخيـّلتي.
أتذكّر في هذا الصيف كنت في زيارة للمغرب، أمام البحر، قلت لصديقتي ثينتيا: "في يوم من الأيام، عندما أستطيع، سأبحث عن كل واحد منكم، عن شعوركم، عن انطباعاتكم المشتركة حول أولئك الذين يعانون.
هل تعرف؟ لقد أعدموا أيضاً ذلك الظالم الجائر الدكتاتور، وكان هنالك من يبكي فرحاً، وكان هناك من يبكي عليه، وآخرون لم يشعروا بشئ، قد يكون ذلك بسبب الخوف أو السلوى ، أو قد يكون بسبب الحزن على أنفسهم، حزن لأنهم فرحوا، حزن لأنهم لم يستطيعوا أن يشعروا بشئ. تألم على كل تلك الأيام التي عشناها، وتوجعات عليكم لأنكم لم تستطيعوا أن تعيشوا هذه الحياة.
أظن أن الحدث بذاته لم يكن سلوى لك، ولا لأولئك الذين فقدوك. سأظل أكتب لك وسأظل أروي لك ما يجري في بلدك وبلدي العراق، بلد جميع العراقيين، كيف أن الصراع لم ينته بعد، وكيف أن الظالم الأكبر قضى على ظالمنا، ولكن لا نزال مظلومين.
إنه جزء من التزامنا الاخلاقي تجاه وطننا أن نعرف بوجودك، وبأنك لوركا العراق، وأن وجودك لم يكن حلماً، وإنما هو هدية. فقد وحـّد ذاتي وأحلامي وذكرياتي، وحّد ذكريات طفولتي مع طفولتي في غرناطة، لقد أيقظت فيّ الحلم والخيال والنيّة كي أستطيع قراءتك وأن أعدك من أعماق روحي، أن أكتب كتاباً عنك عندما تسنح لي الظروف.. كتاب عنك وعن لوركا، أعدك يا حسن مطلك.

* * *

كما وعدتك سابقاً، ووعد الحر دين عليه، فلا أزال أكتب لك من بعيد. على بعد مرتين، مرة لأنني لست في العراق، ومرة أخرى لأنك لم تعد موجودا...أكتب لك من أرض لوركا، ولكن هذه المرة أكتب لك كي أبشـّرك بأحسن الأخبار.
فخلال سنوات كانت كل الأخبار التي من وطننا تحمل في طياتها نبوءة شر لنا، نحن الذين نعيش في المنفى. إن اتصالاً هاتفياً مع وطننا يعني الألم، يعني الإعلان عن مصيبة ما، عن انفجار قنبلة أو عن وفاة أحدكم، أو حوادث قتل.
الاستماع لصوت مرتجف، ذلك الصوت.. انه البكاء وحتى ولو لم يكن بكاءً، فإنه يُـشعرنا بالخوف، فنبدأ بالهروب منه على الرغم من حنيننا اليه.
عندما غادرتَ أنت هذه الحياة تركتَ خلفك وردتين في ساحة المعركة، ابنتيك (مروة وسارة) أينعتا بين الحروب والحصار والاحتلال.
كان القدر لك بالمرصاد، ففرقكَ عنهما وعاشا دونك، ففقدت َطفولتهما بين يديك، ألعابهما، ابتساماتهما، احتضانهما، وفقدت حتى حضور زفافهما، ولكن هما أيضا فقدتا وجودك.
والآن فان زهرتك، وردتك، قرة عينك، ابنتك الكبيرة، مروة، قد أنجبت ولداً، وطبعاً فقد أطلقوا عليه اسم (حسن) فأسعدوا أخيك ومحبيك. لقد وصلته مكالمة هاتفية، فاهتز بذلك صوته، ذلك الصوت الذي ترك افواهنا مُـتيبّسة، ذلك الذي نخشاه، ولكن في هذه المرة فإن سبب انهائه المكالمة مع نظرة مغرورقة كان وصول خبر سار، نظرة أمل.. أمل في أن يعيش هذا الطفل في حرية، تلك الحرية التي كافحتَ من أجلها، ومن أجلها أعدموك. إن من واجبنا الأخلاقي أن نسعى لأن يعيش هذا الطفل، حفيدك يا حسن مطلك.. في عراق حر.
--------------------------------------
*ورد صبيح صادق: عراقية تعيش في إسبانيا، والنصان كتبا ونشرا بالإسبانية أولاً ثم تمت ترجمتهما هنا إلى العربية. wardsadiq@hotmail.com
و
نصب الحرية في بغداد

ليست هناك تعليقات: