20‏/07‏/2019

حسن مطلك.. واختيار الأسلوب / حسين الحسن



حسن مطلك.. واختيار الأسلوب
حسن مطلك

حسين الحسن
هل ان الأسلوب الفني لحسن مطلك هو أسلوب اضطراري؟
أي أن البيئة والسلطة هنّ ما دفعنه لأن يكتب بهذه الرمزية أو كما سموها بالرمزية!
يقول حس:"لا بد ان يجيد الكاتب اللعبة الفنية في التفصيل أو توصيل فكرة معينة" أي انه لم يرد زج أية فكرة بصورة مباشرة فتكون بذلك موضع تقبل القارئ من عدمه، وإنما أراد من القارئ أن يستنتج الفكرة ويستنبطها بالدوران حولها أو الحديث عنها بتفصيل معين فتكون لدى القارئ فكرته هو أو فكرة القارئ والتي قد تختلف عن فكرة قارئ آخر لكن بالتأكيد قد وضع حسن فيها لمسته في صياغتها أو صقلها وتعديلها في فكر المتلقي.
"
لا أريد أن أسمي نتاجي هو رواية حديثة، ولكنني أعتقد بأن الإنسان المعاصر لا يمكن التعبير عنه بشكل بسيط...”
في الحقيقة أراد حسن اضاءة الإنسان بكل جوانبه فكره وحسه.
أن يؤخذ الإنسان ككل ولا يؤخذ كتجزئة له"
وهو بذلك يبتعد عن النقل المباشر، النقل الفوتوغرافي لحياة الإنسان، التي لا ترى سوى الجانب الظاهري للإنسان أو الفعل نفسه، ويتلقاها الآخر ويفسرها حسبما تعلم من مرات سابقة أو استنتاجات لاحقة.
فهو كما يقول "تعلمت من وليم فوكنر أن لا اشير للشيء مباشرة" إنما يتحدث عن شي مثلا الحزن، فهو لا يكتب عن الدموع أو النشيج والانتحاب أو الألم واسبابه. انما يكتب ويدور حول هذا الشيء أو يتحدث عن شيء آخر فيجعل الشخصية أو القارئ يشعر بالتعب أو يشعر بالحزن أو يجعلها تحس بهذا الإحساس، وهو بذلك يبتعد في مستوى الكتابة، إذ جعل من الإنسان محوره وليس الاشياء التي يعيشها أو يحسها.
إذن هو لا يعتمد الرمزية الفعلية المعنية بقلب المعنى أو الاستعانة بإيحائتها. يقول عنها "دعونا نسميها شيئاً آخر غير الرمزية، هناك فكرة (النص المزدوج).. الرمزية مثلا: نضع على فم شخص لاصق، فتفهم أن الشخص لديه احتجاج ضد العالم.
بينما مسألة النص المزدوج: تجد الجملة تحمل في ثيمتها معنيين. ظاهر وباطن، يعني هناك نص داخل النص وهذا ما اسماه رولان بارت (النص في النص).. وهكذا من القراءة الأولى لا تسطيع ان تسيطر على الرواية"
لذا من الصعب الجزم بأن ما كتبه قد كتبه ليقرأه أحد أو أن أحد يريد أن يستنبط منه ما أراد قوله، إنما قال ما قاله بطريقته هو لا بطريقة الناقد والمتلقي أو القارئ أو أي مراقب آخر.
"-
قلت انك لا تضع شرطة في داخلك اثناء الكتابة.
-
(يضحك) لا... أبدا... أنا لا أضع شرطيا."
يؤكد حسن مطلك انه لا يخاف الناقد الحذق بالدرجة الأساس أو القارئ كما سماه بالقارئ النخبوي، وهي السلطة التي تمسك الكاتب وتلزمه بقيم معينة في الكتابة، أو حتى السلطة السياسية نفسها.
ويقول "أن أجعل القارئ حاجزآ عن الانتقاد والنجومية، أي أن تكتب بسهولة، تصل إلى الجمهور بسهولة وتصبح نجما بسهولة. لكن حين تكتب عملا صعبآ سوف يكون عملك من النوع الذي لا يكسب جمهورآ واسعآ ولكن الكسب يكون على مدى طويل وبطيء.."
وهو ما كرهه حسن مطلك أن يكون عاديا ومفهوما، بذلك يتناوله الجميع ويحبه الجميع ويشعر الجميع بأنه يعبر عنهم، والا ما فائدة انك تكتب إذا كنت تكتب للجميع، أو مالجديد الذي جئت به، أي أن الإحساس هو إحساس عادي مادام الجميع يحسونه ويفهمونه، وهو ليس بالفرح أو الألم الجديد انما الم عادي وحدث عادي كأي لحظة ولادة حدثت مليارات المرات. وهو شيء خال من الدهشة تماما لأنه متكرر دائما.
أي لم يرد إلا أن يعيش كفنان ويتحدث كفنان ويفكر كفنان اقصد الفنان الإنسان الذي في داخله فتخرج كل كلمة بفن معين، تكون ذات زاويا بعيد عن عين الناظر انما تكون اقرب إلى حسه كإنسان فقط. وهو بذلك يمس الفنان العميق الذي ينشأ من شيء حقيقي داخل كل إنسان.
اقصد أن كل إنسان بداخله فنان لكن هذا الفنان مخبأ بعيدآ جدا وهو ما أراد حسن الوصول إليه وايقاظه، أو حتى حشره في نفس القارئ من جديد.
لأن هذا الفنان قد مات بالفعل حين لم يعد يدهشنا شيء، وبتنا نبحث عن العيش فقط، العيش كأي إنسان بسيط دون ذكر، إنسان تهمه الأشياء التي تؤثر في حواسه الخمس فقط، التي يراها ويسمعها ويلمسها أو يشمها ويتذوقها.
بل ان حسن أراد الولوج ابعد من ذلك وإيجاد الحاسة الأولى، وهي حاسة الفن.
وبذلك فانه ينتزع كل ما هو له علاقة بما حوله، كل ما له علاقة بحواسه الخمس، جعلهن جسرا للوصول إلى حس الفنان فيه وفي المتلقي.
"
كأنني أول كاتب في العالم.. نزعت كل القيود المتمثلة بالبوليس الفني والبوليس الاجتماعي والبوليس الديني.. فكل هؤلاء على الكاتب أن يستبعدهم لكي يكتب بحرية". فهو يحافظ على الدهشة باستمرار، ويجسر كل ما يشعر به أو يحسه للوصول اليها.
"
الكتابة بقيود هي كتابة مفتعلة...”
لذا أحب حسن التحرر دائما من القيود وهو يكتب، أراد أن يكتب كيفما كان... جالسا ونائما..أو حتى واقفآ.
لنقل: ان لا يجعل الكتابة فعلا اضطراريا. فجاءت كلماته بعفوية وحس عنيفين، تخرج الكلمة كيفما جاءت، أي أن الكاتب طفل نقي تجرد من كل خوف أو حسبان لشيء إلا فنه وحسه تجاه هذا الفن.
إذن من الخطأ.. كل الخطأ، أن نعتقد بأن أسلوب حسن هو أسلوب اضطراري. 
حسين الحسن