04‏/10‏/2009

عن حسن مطلك / نجم ذياب رمضان


كان يحب القرية لأنها تمنحه الوحدة

صورة: حسن مطلك في حقول قريته


نجم ذياب رمضان

في عهد الاستبداد، حيث كان كثير من الكتاب والمثقفين خدماً وأبواقاً للطاغية قانعين مطمئنين بذل ومهانة.. كان الشهيد حسن مطلك قد وضع نفسه بشجاعة في مواجهة الطاغية، الذي كان في ذروة قوته وجبروته، مستمداً تلك الشجاعة من مزاياه الشخصية مضافة إلى إرثه من آبائه وأجداده الذين لهم مجابهات كثيرة مع الطغاة على مر التاريخ.
انضم الشهيد حسن مطلك إلى طليعة ثورة 6 كانون الثاني 1990 وكانت مجموعة من الضباط والمدنيين الذين نذروا نفوسهم الزكية في ثورة منظمة للإطاحة بنظام الحكم المستبد وتخليص الشعب العراقي من ويلات المغامرات.
وكان الشهيد هو الرجل المهم في الجناح المدني للثورة. أصدر الطاغية حكمه الجائر بإعدام كوكبة خيرة منهم وأحيل الكثيرين إلى السجن المؤبد.
وكان حسن مطلك مثقفاً وكاتباً وأديباً امتازت أعماله بخلوها من التمجيد الزائف والترويج لمغامرات النظام فأصبحت أكثر جذباً للأنظار وأكثر أصالة وعمقاً، فتراه خصباً متكاملاً يمثل امتداداً لعمق وأصالة تاريخه الحضاري وجذوره الريفية الأصيلة فكان صفحة من صفحات الفكر المشرقة.
في منتصف عام 1961 ولد الشهيد حسن مطلك روضان الرملي الجبوري في قرية سديرة الوسطى على الساحل الشرقي لنهر دجلة في محافظة نينوى من عائلة فلاحية تتكون من تسعة أفراد وكان تسلسله الخامس بين اخوته.
وفي عام 1973 أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة القرية والتحق بعدها بثانوية الشرقاط حيث أكمل الفرع الأدبي عام 1979 ومن ثم التحق بـ جامعة الموصل/كلية التربية/ قسم العلوم التربوية والنفسية، وتخرج منها عام 1983.
أقام معارض عديدة للرسم ومنها معرض الرسوم التشكيلية في قاعة الفنون التشكيلية/المركز الطلابي عام 1983 وشارك في مسرحيات عديدة كاتباً ومخرجاً ونشرت له العديد من القصص القصيرة.
نشأ في وسط متعلم حيث كان والده مطلك الروضان يعد بالنسبة لمنطقته المرجع الديني ومستودع أسرارهم وخطيباً في مسجد القرية داعياً ومدرساً حيث أنشأ مدرسة لدراسة الدين واللغة. فأضافت هذه البيئة الاجتماعية صفحات من الأهمية إلى ما كان يمتاز به الشهيد من أمجاد شخصية في الفكر والأدب.
حصل على الجائزة الأولى في مسابقة قصص الحرب عام 1983 عن قصته (عرانيس)، وكُرم من قبل رئيس الجامعة عن معرضه الشخصي الأول في الفنون التشكيلية. وبعد أن أكمل الدراسة والخدمة العسكرية عين مدرساً في ثانوية (الزرارية) التابعة لمديرية تربية كركوك وأصبح عضواً في نقابة المعلمين عام 1988.
كتب عدة روايات طبعت منها رواية (دابادا) في بيروت/ الدار العربية للموسوعات 1988. وعانى كثيراً من أجل نشرها حيث لم تحصل الموافقة على نشرها داخل العراق. وأصبح عضواً في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عام 1989.

النقيب حسين مطلك شقيق الشهيد يقول: "كان الشهيد مسالماً للغاية، منكباً على كتبه ودفاتره ولوحاته ولم يستخدم المسدس في حياته، لكنه كان يؤمن بضرورة التغيير، وكان تواقاً إلى التحرر من الظلم والعبودية التي يعيشها أبناء الشعب، طموحاً يحلم بحرية النشر وحرية الصحافة. يتعامل مع الجميع بوداعة، حاضر الابتسامة ولم أره يوماً يغضب ويفقد أعصابه. نشطت علاقته بضباط ثورة 6 كانون الثاني وخصوصاً مع النقيب سطم الغنام والنقيب صالح جاسم الجرو.. وغيرهم.
فاتحه النقيب صالح في موضوع الثورة على الطاغية، وصالح زميله وصديقه منذ الصغر، فكان الشهيد من السباقين في تلبية الدعوة لما كان يعانيه من مضايقات في نشر نتاجاته الأدبية لأنه لم يقبل أن يكون من أبواق نظامها.. ومنذ انضمامه إلى طلائع الثورة أصبح مفكر الثورة وأديبها.
أُعتُقل الشهيد يوم 6 كانون الثاني 1990 وكان مدرساً في ثانوية (صُبيح) واقتيد إلى بغداد منطقة الحاكمية حيث معتقلات الطاغية وأزلامه.
وانقطعت أخباره حتى يوم 2 آب عام 1990 حيث وصلنا بلاغ لاستلام الجثة وكانت حينها مغامرة غزو الكويت قد وضعت الناس في محنة أشد من سابقتها.. وكانت سيارة الأمن تتواجد بشكل دوري قريباً من دارنا. ومُنِعنا من إقامة مراسيم العزاء وإشهار مراسيم الجنازة وكنا فيها ننتظر ويلات ونكبات الحرب الجديدة ".

صورة: النقيب حسين مطلك (ولد عام 1963 وتوفي سنة 2008م)


أعماله الأدبية
كانت بداياته في الشعر فعثرنا على الكثير من الأشعار متناثرة في أوراقه ودفاتره، دفقات إبداعية وحالات انتابت أديبنا الكبير فتركها مسودات خام منها قصائد نثرية أو خواطر كتبت لمرة واحدة عبر فيها عن واقع القرية الاجتماعي الذي يعيشه.
وكان قارئاً نهماً وذواقاً للشعر.
جمع الدكتور محسن مطلك الرملي أعماله الشعرية في مجموعة أسماها مبدئياً (الأقنعة) لم تنشر بعد. وفي القصة القصيرة نشر عدداً كبيراً من القصص في الصحف العراقية والعربية وكانت أشهرها قصة (عرانيس) التي أصبح لها صدى كبير في الصحف العربية.
وفي مجال الرسم له لوحات كثيرة ومشاركات ومعارض عديدة وأشهر لوحاته: مولد القوة، عشتار، مقطع من حارة، ضياع.. ورسومات ولوحات كثيرة. وفي الرواية له روايتين: (دابادا) و(قوة الضحك في أورا). طبعت الأولى في بيروت ولم تطبع الثانية بعد.

ماذا تعني له القرية؟
كان يحب القرية لأنها تمنحه الوحدة والقدرة على التأمل وتمنحه العزلة.
وكان ريفياً يحب الأرض ويحب الزراعة ولا تشغله أعماله الخاصة عن مشاركة الآخرين أفراحهم وأحزانهم.
وعن القرية يقول:"ثمة سدرة وحيدة في قعر المكان الجدب وقد أعطت للوادي شرف التسمية" ص40دابادا. ويصفها فيقول:"ثمة أيضاً تلك الخطوط الرفيعة المرسومة بحوافر القطعان كحبال عظيمة تشد السدرة إلى جهات الوادي فتذهب محاولات السيول عبثاً في تعرية جذورها".
ويقول:"القرية مأوى الوجع الكبير.. شكلها القديم الهادئ.. أشجارها المعادية.. سواق محفوفة بجذوع" ص140 دابادا.
وهكذا فإن القرية مصدر إلهامه بما تحتويه من شخصيات وأساطير وحكايات العجائز وتراث الأبطال والشهداء مادة خصبة للقصص والروايات يستمد منها أفكاره ويستعير شخصياته لقصصه.

صورة: حسن مطلك في حقول قريته

رمز السلطة في رواية (دابادا)
كان الجميع يطبلون للطاغية ويصورون أفعاله بطولات إذا قام أو قعد. فما وجد كاتبنا إلا أن يرمز للسلطة بالحمار قندس يحمل أوهام وأحلام أسياده بلا مبالاة، فيقول:"فقفز ملتقطاً مديته، والمدية في يده، هاجر في الرأس، الحمار المدهون بزيت الخروع على بعد ذراع وطعنة.. طعنة.. طعنة" ص195 دابادا. حاول شاهين أن يقتل الحمار وفي رأسه الأهل والأقارب من بعده، لكن المدية كانت مقلوبة فطعنت يده فتدفق الدم من يده "ويهجم الألم لحظة رؤية الدم" ص195 دابادا.
"وبدأ الألم ينقر راحة يده فيضعها بين فخذيه ويطبق" 202 دابادا.
ما أصاب كاتبنا يشبه ما حدث لبطل روايته شاهين الذي حاول طعن الحمار فما كان ليصيب السلطة قد أصابه هو شخصياً. فتنبأ كاتبنا لما يصيبه من مواجهة السلطة إذا فشلت الثورة وذلك قبل الثورة بسنتين، فقال:" لكن صورة الرجل الأول كدفقة حارة مالحة من دفقات نقاط الزيت مستقلة في الكيف فيضطر أن يموت.. وهو رجل مهم".
وهكذا حُكم بالإعدام شنقاً حتى الموت لتآمره على السلطة في يوم 18 تموز 1990 فمات وهو رجل مهم وكاتب وفيلسوف الثورة، وكان يدرك:" أن الرجل الحقيقي هو الذي يحذف ساعات الخطر الحقيقية ويقترب من القرار بإلغاء صيغة التعجب في تحجيم الذات"ص146 دابادا.
وتنبهت السلطة لما كان قد حيك لها قبل أوانه فكانت رفسة الحمار المحتضر.
"أعرف بأني لم أقتله لأني اكتشفت فيما بعد... استعملت المدية بشكل معكوس لأن كفي ظل يؤلمني والدم هو دمي أنا لا دم الحمار" ص210 دابادا.
"تسلل المساء الحزين إلى بقعة هاجر التي لا تعرف ماذا تقول.. فكانت تقوم لتكنس جثث العصافير الساقطة على العتبة" ص205 دابادا.
في مساء يوم 18 تموز 1990 عندما تسلل الخبر ليصل قرية الكاتب تلفعت هاجر بالسواد والحداد تنتظر الخلاص من الظلم والاضطهاد، وهاجر رمز الأم والأخت والزوجة التي وقع عبء القرار الجائر على كاهلها.
واندملت كل الجروح باستثناء جرح المدية المقلوبة الذي مازال ينزف.
"سرعان ما تندمل العناصر المتحدة باستثناء جرح المدية المقلوبة فسوف يُنكأ بالمصافحة" ص211دابادا.
وظلت الأيام والسنين التي تلت ذلك المساء من عام 1990 والأعوام التي بعده إلى أن رحل الطغاة ورواد الظلام عن بلدنا وشعبنا.. ولا يزال ماثلاً في الذاكرة ذلك الجرح.
----------------------------------------------------
*نشرت في صحيفة (الاتجاه الآخر) السنة الثالثة/العدد 123/ السبت 28/6/2003م.
*نجم ذياب رمضان: صحفي عراقي من أبناء قرية الراحل حسن مطلك.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
رحمك الله أيها الشهيد البطل
وأسكنك فسيح جناته
إني أتشرف بذكر اسمك وعنوان روايتك بإشارة سريعة مختزلة في كتاب سيصدر لي قريبا بإذنه تعالى.
هادي النجف