حسن مطلك في عين شمس
خضير ميري
مرة ثانية أستذكر القاص والروائي الراحل الصديق حسن مطلك وذلك بمناسبة إعادة طبعات كتبه القليلة خارج العراق، طبعاً ذلك العراق الذي عاش فيه مطلك وناضل من أجله ودفع حياته ثمناً من أجل المساهمة في تغييره وتحسين الحياة فيه. مناسبة الكتابة عنه هذه المرة هي وقوعي على طبعة جديدة لروايته المعروفة (دابادا) وذلك حين كنت أتمشى قليلاً لأرى بعض ملامح مدينة (عين شمس) على مسافة من مدينة القاهرة، وعندما كنت أتطلع من خلال نظارتي الطبية، شاهدت كتباً مفروشة على الرصيف ورحت أحدق فيها فإذا بي أعثر على نسخة وحيدة من رواية المطلك (دابادا) تلك الرواية التي شهدت مولدها واستمعت إليه وهو يقرأ فصولها الأولى عليّ ويطلق ضحكة عالية واثقاً من نفسه وعازماً على الذهاب لإنجاز (دابادا) التي شهدت النور من المبلغ الشخصي للمؤلف ولم تهتم بها الأوساط الأدبية العراقية خوفاً من مصير مؤلفها الذي حصل على مكافأة الإعدام الرسمي وهي أبسط أنواع المكافآت السارية المفعول في زمن الطاغية.
بالطبع لم يكن يخطر في بالنا، أنا وحسن مطلك، أن نرى روايته منتشرة أبعد من بغداد أو الشرقاط الموطن الأم للروائي، كما لم يخطر في بالي أنا المتسكع التاريخي أن أعثر على نسخة من هذه الرواية الحبيبة.. وأين؟ في إحدى شوارع عين شمس. لقد شعرت بغصة في صدري هي مزيج من الفرح المنفرد والحزن المزمن، شعور بالنجاح الذي قطعه حسن مطلك في الوصول إلى مناطق أبعد مما وصلت غليه قدماه، وهو اليوم مطروح أمامنا في عملين مهمين هما (دابادا) و(قوة الضحك في أورا) ذلك الضحك الذي صيره مغامراً كبيراً ذات وطن استطاع أن يقطعه مطلك سريعاً وأن يموت فيه بضربة معلم.
الموت الذي لم يغيبه عنا ولم يُنسنا إياه إنساناً كبيراً ومبدعاً مهماً مازالت أسطورته الخاصة تعيش بيننا ساخرة من خوفنا الرعديد من اتخاذ مواقف أكبر من الموت وأعلى من أعواد المشانق. لقد ذهب حسن مطلك سعياً إلى الجانب الآخر من الحرية دون أن يلتفت إلى الوراء إلا ليكتب (دابادا) ورواية أخرى وبعض القصص القصيرة والنصوص النثرية، وهذا يكفي لاستراحة المحارب ولتلقين الرواية العربية درساً جديداً في المسرود المقسوم على اثنين؛ أحدهما مات بقوته الذاتية والآخر مازال يحيا بقوة القراءة وحدها وتواصلها التاريخي الذي لا شك فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*خضير ميري: كاتب عراقي يقيم في مصر.
*نشرت في صحيفة (الصباح) العدد 931 بتاريخ 10/9/2006 بغداد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق