17‏/01‏/2023

عن: كتاب الحب / ابتسام مشني

قراءة:

كتاب الحُب.. ظِلالهن على الأرض

ابتسام مشني

عنوان الكتاب: (كتاب الحُب.. ظِلالهن على الأرض)، اسم الكاتب: (حسن مطلك)، الناشر: (دار المدى)، الطبعة الثانية لعام 2017م، اقتنيته من (معرض العراق الدولي للكتاب) 2022م.

بعد عدة سنوات صداقة في عالم الفيسبوك، التقيت بالروائي والكاتب والمعلم والأستاذ والصديق والأخ الكبير الدكتور محسن الرملي.. الذي جاء إلى بغداد بعد فراق لها دام ثلاثة عقود، بعيداً عن وطنه واهله وأصحابه.. بعيداً عن قبر أخيه وصديقه والأب الروحي له؛ حسن مطلك الذي أُعدِم عام ١٩٩٠ بأمر من النظام الدكتاتوري.. أُعدم وهو في ريعان شبابه بعد مشاركته في محاولة لإسقاط النظام البائد... ووفاءً من الرملي، قدم لنا إصدارات مؤلفات حسن مطلك، بعد تنقيحها وترتيبها وإعادة روحه بعد الخلود الأبدي له..

رغم قصرها وأنها كانت الزيارة الأولى للروائي محسن الرملي إلى بغداد، وتحديداً إلى معرض العراق الدولي للكتاب، إلا أن حضوره كان مُشعّاً بإطلالته وتفاعله مع القراء، الذين جاؤوا من الشمال والجنوب والشرق والغرب.. كيف لا.. والرملي قدّم لنا الأدب الروائي بأروع صورة، وشخصيات الأبطال التي نسجها بين خيال فلسفي وواقع نظري، يتناسق مع كل الأزمنة... عند اللقاء مع محسن الروائي، أخذتني المشاعر إلى الفرح الممزوج بالدموع.. بالتفاعل مع لحظات السعادة والخوف من أن ينتهي اللقاء.. دقائق اقتطفتها ونلتها من بين جمهوره من القراء، والشباب تحديداً، الذي كان محسن الرملي أبوهم ومعلمهم وصديقهم ومُلهمهم، ومنهم من تتلمذوا على يديه وقدموا معه كتاباً مشتركاً، (سعدية ومسعود بين الرافدين)، يضم أربعين قصة، كتبها الشباب لأول مرة ومن خلالها عبروا عن أفكارهم وهواجسهم وبقلم احاسيسهم...

ولأنني قد قرات كل روايات وكُتب محسن الرملي، لذا كان لابد أن اقرأ لـ حسن مطلك، الشاب الذي عاش حياته القصيرة بحسرة وألم ووجع، ولكن عاش قصص الحُب الذي دارت أحداثه في كتاباته الروائية (دابادا) و(قوة الضحك في أُورا) وبعض من القصص القصيرة، مثل (تشرين الثالث) و(المذكر والمؤنث)، وفي مذكراته (كتاب الحُب.. ظِلالهن على الأرض).

كلنا دخلنا في معترك العاطفة، وربما لأكثر من مرة، منذ أن دق القلب إثر نظرة عين، أو بسمة على ثغر أو التفاتة جمعت الروحين في وعاء الحُب. فمن لا يدق قلبه للحب، يكون ميت الاحساس والمشاعر، روحه يابسة لا خضار ولا ينابيع فيها، لكن للحب عند حسن مطلك حكاية كتبها كمذكرات، أو بمزيج من أدب اليوميات والرسائل ومن السيرة الذاتية، أسماها (كتابة حُرة)، أشار برموز إلى حبيبته الأولى ميسلون بالحرف (م) وحبيبته الثانية هدى بالحرف (ه)، إضافة إلى تشبيهات بالغة الدلالة:

الظِل = الحُب.

الأرض = حسن مطلك.

الباشق = م (ميسلون، حبيبته الأولى).

القمر = هاء (هدى، حبيبته الثانية).

تجربة حسن مطلك العاطفية مع حبيبته ميسلون، التي رمز لها بالباشق، لأنه من الطيور الجوارح، كانت فترة عسيرة، قاسية وغير مستقرة، تتعامل معه بنوع من عدم الاهتمام والتجاهل والبرود، مما أضاف للعلاقة نوعاً من العذاب والتوتر والقلق لـ حسن الفنان، الرسام، الحساس، بمشاعره المرهفة.. ورغم إنها قد أُعجِبت به وقربته إليها، لكنها كانت عاجزة عن أن ترتفع من مستواه المعرفيّ... انعكست حدود الفهم هذه، عندما كان يعود إلى مسألة الكتابة، معتبراً إياها كل شيء بالنسبة له، الممكن وضده، تصبح عنده العادة أسلوباً بمرور الزمن.. وكل ماعدا الكتابة باطل ولا أهمية له...

عاش حسن مطلك صراعاً مريراً بسبب تجربته مع الباشق م، خاصة إنها كانت تتلوى وتتلون بالخديعة والكذب والجهل بالعاطفة، وعدم اللامبالاة، فأخذ حسن مطلك يبحث عن الخلاص، وفك أسره من م الباشق... بعد عدة أيام من الانكسار، فتح حسن مطلك مشروع مرسمه، وأخذ فرشاته ورسم وجهاً معيناً، وملثما هو محطَّم كان يُنصت إلى قطرات المطر من خلال الزجاج، وهو يمزق هواء نينوى وتتمايل الأشجار لتوسع مساحة للغبطة بينه وبين الأشياء...

ولندخل بعدها مع حسن مطلك في قراءة كتابته الحُرة، وهو يستذكر قصته مع القمر هاء (هدى)... فبعد أن قُدّر لـ حسن، العمل في منطقة ريفية وسط الطبيعة الخام: "قُدر لي أن أعمل في أحد الجيوب الطبيعية، قرية محاطة بالدغلِ والوحوش، حيث تحس عندما تسمع عواء الذئاب وقرقطة الخنازير وشكوى بنات آوى، أن العالم لازال بخير.. تماماً مثلما تفرغ نفسك من الأفكار وتستلقي وتعرف أن الشمس ستطلع في الصباح، وأنك ستراها كيف تطلع. جاءت تلك المُعجِزة فدخل الجمال كله إلى الغرفة"...

ثم كتب حسن مطلك: "وكتبتُ: "إلى جيش من النساء.. أعنيكِ أنتِ.. أيتها النصل في القلب. أعترف أنني عرفتُ نساء كثيرات، لم تعطني واحدة منهن طعم الإحساس بالخسارة مثلما فعلتِ. ولم تعطني واحدة طعم الربح مثلما فعلتِ..".

ومن كتاباته أيضاً: "يقولون إن العاشق يفكر بقلبه لا بعقله، ولقد أصبحتُ متأكداً الآن من صحة هذه المقولة، فقد أطفأتُ الضوء وأردت أن أنام بسبب ألم شديد في رأسي، غير أنني بقيتُ أتقلبُ في الفِراش، ثم أشعلتُ الضوء وبدأتُ أكتب لكِ دون أن أتهيأ للكتابة.".. لقد احتفظَت، حبيبة حسن، السيدة هدى، ببعض الرسائل التي كانت تصلها من حسن لها... أما رسائل حبيبته الأولى، السيدة ميسلون، التي تزوجت (ثابت) صديق حسن، الذي كان وسيطاً بينهما ومرسالاً لحب حسن لميسلون.. ففي لحظة انفعالية، مزق وحرق الرسائل، والقسم الآخر عليه بقع من الحِبر، لذا هناك فراغات، تم وضع نقاط بدلها..... ولكن النص حافظ على تسلسله الزمني والمكاني...

كانت حبيبته (القمر)، الذي يرمز إلى الجمال والسكينة والهدوء والسلام، الذي أشار به كناية عن هدى... امرأة مهزوزة الثقة بنفسها، في البداية، بسبب التجارب التي عاشتها قبل حبيبها حسن، لذا منحها حسن حباً صادقاً، لمسته عبر اهتمامه وحُبه ومساعدته لها لاستعادة الثقة بنفسها، وعندما تتشابك الأيدي ببعضها، يُسمعها حسن كلمات الحُب الجميلة، كأن يقول لها: "أنتِ قمة الحياة"، "لا زمن إلا ما يُقضى بين طياتك"، "أتمنى أن تكون هناك كلمة أكثر قدرة من (أحبكِ)، ولكن اللغة أصغر من عواطفنا".

ومن كتاباته أيضاً:

"إن لحظة انتظارها تعادل حادث عطش.. لحظة طويلة في حسابات من ينتظر الفَرَج. وهي تهطل دائماً كغيمة مفاجئة، عندما أقول: إنني سأتمزّق بعد قليل.".

"إننا لا نستطيع أن نتذكر بالضبط، أيامنا، بدون أن تكون ثمة نكبات وزلازل نفسية، وجرح يُنكأ كلما تقدمنا بخطوات حَرونة نحو الشيب."

"إن السر يكمن في اصطياد هذه الفكرة، لكي نكون أفضل دائماً. أنا بالتحديد. إن السر يكمن في هذه المرأة، التي بدأتُ أغار عليها غيرة النمر...".

الرحمة والسلام لروح الكاتب والروائي الشاب حسن مطلك...

وإلى الأخ والصديق والمعلم، أستاذنا الدكتور محسن الرملي.. شكراً من القلب لجهدك في هذه الأوراق التي عرّفت بمعنى الحُب بجمعك لها.. شكراً من القلب لأنك تنبض بروح رفيق دربك والأب الروحي لك حسن مطلك... وبالتوفيق إن شاء الله، وننتظر منك زيارة أخرى قريبة إلى بغداد الحبيبة...

https://www.facebook.com/photo/?fbid=862967974909567&set=pcb.862968484909516

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

ممتنة عيوني استاذنا الغالي دكتور محسن ل تشريفي بهذا النشر والله يرحمه ويسكنه فسيح جناته صديقنا الشهيد حسن مطلك وانت العايش وحفظكم الله وان شاء الله احصل على كل مؤلفات الكاتب والروائي حسن مطلك ...محبتي وسلامي