حسن
مطلك كاتب عراقي يمزج بين لوركا وكنفاني
قصص
حسن مطلك نصوص لا تمنح نفسها بقراءة واحدة
محمد
الحمامصي
كتب المبدع العراقي
الراحل حسن مطلك (1961 ـ 1990) في القصة والرواية والشعر كما قدم أعمالا في الرسم،
فكان المبدع متعدد الأوجه، ورغم حياته القصيرة فقد ترك إرثا هاما خاصة من كتاباته
القصصية التي يستعيدها شقيقه محسن الرملي في الأعمال الكاملة الجديدة التي تضم
نصوصا لم تنشر لمطلك سابقا.
يعد الكاتب والرسام
العراقي الراحل حسن مطلك (1961 ـ 1990) واحدا من أهم الأصوات الأدبية الحداثية
التي برزت في العراق، في ثمانينيات القرن العشرين، ويطلق عليه البعض تسمية
لوركا العراقي. هو صاحب رواية “دابادا” التي عدها النقاد من بين أهم الروايات
العراقية التي ظهرت في العقدين الأخيرين، لما تميزت به من فرادة على صعيدي الشكل
والمحتوى، وقد أعدمه شنقا النظام الدكتاتوري السابق في العراق بتاريخ 18
يوليو 1990 بتهمة اشتراكه في محاولة قلب النظام.
الكاتب والروائي العراقي
محسن الرملي شقيق حسن مطلك أعد الأعمال القصصية الكاملة لشقيقه لتصدر أخيرا
عن دار المدى، كاشفا في تصريح خاص بـ”العرب” عن أنه سبق له وأن جمع في كتاب، نشر
في بيروت عام 2009، الأعمال القصصية التي كان قد نشرها شقيقه في حياته.
ويضيف “لكن هذا العمل أكمل وأشمل، لأنه يضم كل أعماله القصصية، أي التي نشرها والتي لم ينشرها، بما فيها أولى محاولاته القصصية، الأمر الذي سيمتع وسينفع أكثر؛ القراء والباحثين والدارسين والمتتبعين لأدبه وسيرته، ويعينهم على استيضاح المزيد عن مناخاته وشخصياته وطبيعة نمو وتطور مراحل أسلوبه، والمواضيع التي تناولها في كل مرحلة، ورؤيته لها”.
قصص من الواقع
يوضح الرملي “هذه مجمل
القصص القصيرة التي أبدعها حسن مطلك صاحب الروايتين المعروفتين ‘دابادا‘ و‘قوة
الضحك في أورا‘، هي شاهد على تميزه في القصة، كما تميز في الرواية، فكان أحد
الأصوات المهمة في القصة العراقية، نال فيها جائزتين وترجمت بعض نصوصه إلى لغات
أخرى. بعض هذه القصص قد سبق نشرها في الصحافة الثقافية أثناء حياة الكاتب وأغلبها
لم يسبق نشره، فقمت على جمعها وإعدادها”.
وقسم الرملي الأعمال
القصصية الكاملة إلى أربع مجموعات: “صرير المحراث” والتي تضم القصص الأولى،
البدايات التي كانت بمثابة تمارين على الكتابة، “الحب هو الركض على حائط” وهي
القصص الخاصة بموضوعة الحرب، “أبجد حسن هوز” وتناولت مواضيع شتى، من بينها قضايا
المرأة والحب والكتابة والتقاليد الاجتماعية والفن والفلسفة والوجود، مصاغة كلها
بأسلوب ولغة حسن مطلك الرفيعين ورؤيته العميقة والخاصة والمرهفة تجاه كل ما يتطرق
إليه. وأخيرا “ربع ساعة جنون” وهي أقاصيص قصيرة جدا وقصة للصغار وحكاية شعبية
ومسرحية ناقصة.
ونقل الرملي عن حسن
مطلك؛ قوله “إن القصة أرض خصبة لبذر الأفكار. ليست القصة مجرد وسيلة لإيصال حدث أو
واقعة حياتية معينة، إنها مشروع لهدم العادة. أسلوب منتقى للكشف عن جانب من جوانب
الحقيقة، والاقتراب بالمعنى الإنساني من معناه، لكي نعرف أننا كنا على قيد الحياة
وما زلنا، ونعرف أن هناك جوانب كثيرة في حياتنا يمكن أن نعتز بها، حتى الجوانب
الضئيلة. لأجل تكون الوعي التاريخي البنائي، إننا لم نأت من عدم. وعلينا أن نتعود
(كقصاصين) أن نتأثر بروايات الآخرين عن أنفسهم، وندرب أنفسنا على طريقة تلقي
(الحكي) بنوع من التعاطف والتأثر والاهتمام، دون إهمال للتفاصيل التي نرى أحيانا
بأنها لا تعنينا. بالتحديد؛ تصفية كذب الناس، باعتباره إضاءة لجانب الخيال
الاجتماعي الذي يجعل الحياة أقل قسوة”.
ويرى الرملي أن “جل قصص
حسن مطلك كان يستقيها من الواقع الذي عاشه في القرية والمدينة والجامعة والحرب،
وكان ينصحني بذلك قائلا، كما في إحدى رسائله “حاول أن تستفيد من حالات الواقع
وتطورها وتستعير منها رموزا، إذا أردت كتابة قصة رمزية. أو تسجل الحوار اليومي العادي
في حالة القصة الواقعية”.
ويضيف الرملي “كان حسن مطلك المثقف كثير القراءة وله خصوصيته في استخراج الرؤية من النصوص التي يقرأها وطبيعة تأويله لها ونقدها. وأكثر قراءاته كانت في الفلسفة وهو لا يتردد في مناقشة أعقد الأطروحات الفلسفية مع أي شخص بمن في ذلك البسطاء من الفلاحين ممن كان بعضهم يلقبونه بين الجد والسخرية بـ‘الفيلسوف الدفين‘. وهو ميال إلى الفلسفة المثالية أو الأصح الإنسانية أكثر من ميله إلى المادية أو الميتافيزيقية”.
لوركا وكنفاني
يتابع أن مطلك كان “يميل
إلى أفلاطون والسفسطائيين وهيغل وسارتر وهو شديد الإعجاب بالمتشائم شوبنهاور
وبنيتشه الذي يحفظ الكثير من أقواله. وكان من عادة حسن أن يحفظ عن ظهر قلب النصوص
التي تعجبه لغة أو بناء أو رؤية. ومن ذلك أذكر أنه يحفظ قصة ‘البومة في الغرفة البعيدة‘
لغسان كنفاني والفصل الأول من رواية ‘الصخب والعنف‘ لوليم فولكنر، وهو الفصل
المتعلق بشخصية المعتوه بنجي، وتأثيره واضح تماما على حسن في دابادا في شخصية
شاهين. كما يحفظ قصيدة لوركا ‘الزوجة الخائنة‘. فهل أطلق عليه أصدقاؤه ألقاب لوركا
العراقي وكنفاني العراق لإعجابه بهما وحفظ نصوصهما وتشابه نهاياتهم العنيفة?
يشير الرملي إلى أن قصص
حسن مطلك ورواياته تحفل بالرموز أيضا، وذلك بحكم الفترة التي كتبت فيها، وهي فترة
الدكتاتورية والرقابة الشديدة حتى على الكلام المنطوق، فكيف بالمكتوب، لكنه كان
يحرص على قول ما يريد قوله، بشتى الطرق والأساليب، ومنها الرمزية والتجريبية
والاشتغال واللعب اللغوي الفريد، ولهذا؛ فهو حين وجد حرية قلمه محاصرة حد
الاختناق، شارك عمليا في محاولة جريئة وخطيرة لتغيير نظام الحكم، وكان يردد مقولة
لسارتر، مفادها: أن على الكاتب الذي يفقد حرية قلمه، أن يحمل البندقية للدفاع
عنها، ولكن المحاولة قد فشلت، وانتهت بإعدامه مع رفاقه.
ويقول “مازلت أنبهر كلما
أعدت قراءة أي نص له، وكل نصوصه بلا استثناء، لا تمنح نفسها من قراءة واحدة عابرة،
وإنما سيكتشف القارئ لها، مع كل قراءة جديدة شيئا جديدا. لقد تعلمت منها الكثير
وما زلت أتعلم”.
وأخيرا يؤكد الرملي أن “هذا الكتاب يستحق أن يكون في مكتبة أي قارئ مهتم بفن القصة بشكل عام، وبالقصة العراقية والعربية بشكل خاص، ففيه نصوص رائعة ومختلفة ومتميزة شكلا ومضمونا”.
شذرات من: الأعمال القصصية
من قصة: رَبطة
عُنق بنفسجيّة
*يجب ألا تكون الستائر منقوشة، أريدها
قاحلة.
*تتغيّر بتغيّر المواسم. أعلم أن الربيع
سيأتي، تعرِف؟ لونه أخضر.
*أنتِ تكرّسين الفصول. ليس ثمة إنسان يُحب
فصلاً ويريده أن يطول إلى ما لا نهاية، الإنسان مَلول بالطبع.
*بَكَت، فقمتُ من مكاني. لبستُ الربطة على
الحَر. الربطة البنفسجيّة. قمتُ وقبَّلتها. بلَّلَت قميصها بالدمع، الدمع مع
الكُحل، فاستبدَلَته.
*قلت مخاطباً الجدار وأنا منكسر، شبه
منكسر: لا أُبصِر إلا مكاناً عَدَماً، ورأس امرأة مصبوغ، وربطة رجُل بنفسجيّة..
الفراغ، الفراغ خلفَ الآجر المدهون بألوان البَرق.
*قالت: تُكلّم نفسك؟! قلت: أُغازلكِ.
*عندما يكون الغزل جهراً، يكون كذباً.
من قصة: رُبع
ساعة جنون
*لدي حلّ، ليمارس كل منكم الجنون لمدة ربع
ساعة يومياً، وليفعل ما يشاء بلا تحفُّظ.
*أخيراً، يقوم أحدهم، فيقتُل صاحب الفكرة،
وهو في غمرة جنونه.
من قصة: أنا
أَشُدُّ.. وأنتِ تَشُدّين
*أُريد أن أُعاقِب نفسي لأنها جَنَت على
الكثيرين... هكذا أنظُر في المرآة.
*سأموت إن لم أحصل على سيجارة.. أُريد أن
أحتَرِق، أُريد أن أبدأ الشوط الثاني من العذاب. جَرّبتُ إبرة الخياطة.. ورأس
المقص والملعقة.. عبثاً.
*إن بي رغبة عارمة في أن أكون مجنوناً.
*المهم أن أُصبح مجنوناً، أو أجلس في
الزاوية، وأغوص في المقعد، لا أتكلم مع أحد.. لأخرَسُ عاماً بكامله، لأقرأ حتى
الموت.. أو لا أقرأ على الإطلاق، لأهرُب من الجامعة، لأضيع في الدروب والمتاهات.
أُمزِّقُ دفتر المذكرات، وأُعطي لكل طالب في القاعة ورقة، ثم أسألهم: هل جرَّبَ
أحدكم أن يعيش مثل عذابي؟!
*ليعلم كل الناس أنكِ قتلتِ فيّ الحياة..
إلى الأبد...
*اليوم الذي لا أراكِ فيه، هو يوم السعادة
عندي.. أو هو يوم اللا عَذاب، لأني بعيد عن السعادة.. أو هو يوم العذاب المُخَفَّف
لأني بعيد عن اللا عَذاب
*مازلتُ غارقاً في سحابة الدخان وأشمئز
كلما نظرتُ إلى وجهي في المرآة.
*كنتُ أبكي، وكان المطر الذي أحببته
يضايقني، فقررتُ أن أبدأ الشوط الثاني من عذابي.
*كنتُ أعلَم أنها النهاية.. لآمالي،
وأعلَم أني أُواري ما حلِمتُ به عُمراً ثراه.
*رأيتُ في ضحكتكِ الموت من أول وهلة،
ولمستُ النهاية قبل أن تتكلمي.
*قلتِ: أنا طموحة، لا أُريد أن أرتبط
بأحد، أو أن يُقيّدني أحد.
*أمنحك الحرية بحبي.
*بقيتُ أشد.. وأنتِ تشدين، حتى توتَّر حبل
صِلتنا تماماً، وسمعنا أنه يوشِك أن ينقطِع.
*هَزمتكِ، لأني أُدافع عن الحُب، عن الحق
وأنتِ تدافعين عن باطل.
**أُحبكِ حتى لو بعد ألف حُب وألف فشَل.
*كان يومي مُرّاً، وإني وإن كنتُ لا
أُميّز فيما إذا كان أَمرّ يوم لي معكِ، لأن أيامي كلها مُرّة.
*لقد عاهدتُ نفسي أن أُعذبها.. لكن صعب
عليّ عذابكِ.. فأُعاهدكِ ألا أُعَذِّب نفسي.
من قصة: أبجد
حسن هوّز
*ثمة أماكن تسوق المرء إلى الاعتقاد بأنه صار حاد الذكاء دفعة واحدة.
*النهر يذكرني بوعكة حياتية حدثت حينما بدأت أتعلم لأول مرة طريقة
نصب القامة لأجل قتال العالَم.
*أحلام المنقطعين تتحوّل إلى فقاعات.
*إننا ثابتون.. والنهر يمضي. إننا نمضي نحو مصب الزوال العام.
*أشعر بغصة حين تنطح موجات النهر حافة الصخور، وتنتثِر، هكذا،
كقفزات عقرب الساعة.
*تُغذي الموجة نفسها كورطة عاطفية ثم تأتي كدبيب اللمس اللامؤدَّب.
*مَن الذي جلس هنا، عند النهر، قبل عشرة فيضانات؟ رجل ما. امرأة
ما.
*قبل ألفي سنة. كانت الكتابة أسهل من عَض التفاح، لأن الرأس البشري
كان جزيرة عذراء.
*صوت الريشة على الورق كصوت القُبلة في الظلام.
*كتابة بلا ألم.. كتابة بلا معنى.
*أحب القصص لأجل ألا تضيع الحقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (العرب)،
العدد 13234 بتاريخ 29/8/2024م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق