22‏/12‏/2022

دابادا.. إجادة الرموز / هيفي الملا

 

دابادا.. إجادة الرموز

هيفي الملا

بعض الروايات لا تقتصر أن تكون سرداً أو حواراً مباشراً، لذلك فمن الصعب تحديد مبتغى الكاتب ومراميه البعيدة، تلك الروايات التي تستفز القارئ وتخلق إشكاليات في مستوى التأويل، لأنه مختلف بطرحه ولغته الترميزية العالية، من العنوان (دابادا) مرورا بصرخات الضياع في الفراغ وانتهاء بالنهاية اللامتناهيةُ، ربما لن أستطيع تلخيص الرواية، لأنها مستعصية علي التلخيص، ولأنني غير متيقنة من تشربي لمعانيها والرموز التي وضع الكاتب حسن مطلك أصبعه عليها، وحقا أنا بحاجة لمكابدة أخرى للقراءة، عسى تلك الانتقالات المفاجئة تتجلى وتمسي أكثر وضوحا، وعسىاني أربط بين فكي تلك الكماشة التي طرفاها، حزن يلف الرواية، منذ مشهد الخريف وتصوير ضياع الأب تائها وراء الأرنب المبقع، وبين الضحك ونافذته، التي تثير تساؤلات شاهين، الطفل الكبير الهزيل المنعزل منذ كان عمره سبع سنوات، الضحك الذي يجهل سببه ويكتشف لاحقاً، أن من يسكنون مقابل نافذته يضعون المسامير في النار حتى الاحمرار، ثم يلقونها في الماء ويضحكون على هذا.. وهل ذلك يستدعي كل هذا الضحك، الذي يشد انتباه شاهين الملتف بالحزن والعزلة والضعف.

للحظات قادتني الرواية إلى جو كافكائي سوداوي، وتخيلت شاهين الحشرة غريغور المنعزلة في غرفتها، والتي ترمز إلى مسخ الإنسان شكلاً، وتدميره من الداخل أيضاً، نعم حشرة ضعيفة خجولة ولكنها مليئة بالصراخ.

قد اقرأ الرواية مرة ثانية بعد أشهر، حتى أحسم بعض التشويش، وأمسك بخيوط الحدث المبعثر، وأفهم تلك اللغة السريالية أكثر، واستوعب التداخل الزمني منذ الصفحة الأولى "قامت هاجر، يقول شاهين وهي أمه" عبارة سهلة جدا تلخص أن هاجر هي أم شاهين، لكن كان من الممكن التعبير عنها بأسلوب قواعدي أسهل، هذا الكاتب الذي أجاد لعبة الرموز لم يكتب عن فراغ، ولم يقصد من تأويلاته المباشرة، إلا أهداف بعيدة المنال، تاركا ساحة الإبداع للقارئ.

قد يستطيع القارئ الحاذق بلوغ تلك الرموز بقراءة جادة، أو بعد قراءة ثانية، فتلك القرية الصغيرة هي العراق بوجعه وتناوب الأزمات عليه، وشاهين هو رمز الشاب الضائع الذي فقد البوصلة، لذلك قرر العزلة، وعندما خرج من العزلة، كان كائناً غريباً هجينا بلينه وتصرفاته وردود أفعاله.

زمن الرواية القصير وهو ثلاثة أيام فقط، ممتد وطويل بمقياس الوجع والتناقضات التي عاشها بطل الرواية، الذي يختفي في النهاية كما اختفى قبله الأب.

شخصية حلاب، الذي اغتصب السلطة، والذي حاول تدجين شاهين ليراقب حماره قندس في نزهاته، لن يخفى على قارئ رمزية هذه الشخصية، وما أشد روعة مشهد شاهين الذي يركض والدم يتقاطر من كفه، ظنا منه أنه قتل الحمار قندس.. فيما المدية قد جرحت كفه هو، والحمار في نزهته سالماً، شاهين صرخة حقيقية في وجه الفراغ، ودابادا التي صرخ بحروفها هي كل شيء، وهي لا شيء،

حاولت تلخيص الرواية فاستعصت، الحل يكمن في قراءتها فقط، ولكنني أشبعت فضولي في القراءة لهذا الكاتب الذي رحل في سن مبكرة، تاركا الفجيعة في قلب أهله، والفراغ في ساحة أدبية هي بأمس الحاجة لهكذا أقلام ساحرة.

https://www.facebook.com/photo/?fbid=2549950368480252&set=a.685789521563022

هيفي الملا

ليست هناك تعليقات: