نص غير منشور سابقاً
اليأس بديلاً عن
كلمة القلب
حسن مطلك
تموز 1988
ثمة ما يُخيف، ليس اكتشاف العلاقة
الشِعرية في عالم الصخور، بل منطقة التوتر المريح مقابل أشكال الدرهم بين الناس،
تبدل صورة الفجيعة في نشرات الأخبار، انسحاق الإنسان، الانسحاق...
هناك كلمة أخرى: (اللاجدوى) التي لم تعد
تخيفني كما أخافت السيد (بيكيت) و(كامو) و(باسكال).. إنها بديهية الوجود، الكلمة
الأولى، حجر الزاوية في بناء العالم.. ولكن المباغتة التي أخذت هؤلاء كانت أكبر من
التصديق. أحدهم (هيدجر) اكتشف "أننا موجودون لأجل الموت".. فما الفرق
بين هذا وبين آخر يكتشف أننا نتنفس. حقاً، ان من أصعب الأمور أن نبرهن بديهية
معينة، ولكن، علينا أن نعرف جميعاً أن ثمة أمر يمكن اكتشافه على الدوام:
"نحن" الكلية، تعني: أننا، أو (أنني) وجود غير قابل للنفاد، وجود ممتد،
ضخم، بلا حدود، وأن مشكلة (الموت) هي مشكلة جزئية بالنسبة للأنا، إنها ليست
المشكلة الوحيدة، ولو أنها مشكلة رئيسية، فهناك مشاكل أخرى، مثل: من أنا قبل أن
أموت؟.
إنني أنبثق من هذا الحطام الرهيب، والاستعجال
بالإجابة هو محاولة لإراحة الوعي الشقي. الخروج من هذا اليأس، إلى يأس ذي قوة.
الصيرورة، واحدة من أهم إنجازات العقل،
ولكن الإنجاز لأعظم هو أن نعي تماماً، وبلا خوف، بأننا وصلنا إلى اليأس.
إنني أمتلك شعوراً هائلاً: أن كلمة
(يأس) بالنسبة لي، بديل عن كلمة (قلب) التي هي أكثر الكلمات عربية، أكثر الكلمات
ضعفاً.. إنها خرق كُمثري في حائط الكينونة. لقد اكتشفت أخيراً أن أكثر الأفكار
تجريدية وجفافاً تأتي من الشعور.
هناك الفينمولوجيا، ان فكرة الأنا هي
الشعور الحرج بأنني أستطيع مخاطبة العالم، حتى لو تطلب الأمر أن أتصور وعياً آخر
يتصور وعيي لأول، وهذا هو (ديكارت) في الكوجيتو.
ملاحظة: إن المؤشر الدقيق على عظمة مفكر
ما، هو أنه لا يمكن إدانته إلا بعد أن يموت.
-------------------------
*نشر في صحيفة (العالم) العراقية، العدد 800 بتاريخ 22/4/2013م