02‏/11‏/2025

من طاهر عصفور إلى حسن مطلك

 رسالة من طاهر عصفور إلى حسن مطلك

 

(من روائي على الطريق إلى روائي صار طريقًا)

تأخّرتُ في كتابة هذه الرسالة، ولا أدري لماذا.

ربما لأقرأك أكثر، وأستمتع بك أكثر،

وربما لأقف أمام أعمالك في صفاءٍ ودهشةٍ أكثر... وأكثر... وأكثر.

لكن جاء أخوك الأديب محسن الرملي، ومعه الصديق مؤمل الحطّاب،

ليذكّراني بتلك المهمّة التي ألزمتُ نفسي بها ذات صمتٍ طويل:

أن أكتب إليك.

أكتب إليك لا لأنك غائب، بل لأنك الحاضر الذي لا يغيب.

أكتب لأقول لك إننا ما زلنا نحاول أن نفهم اللغة كما كنت تفهمها أنت،

لا كأداةٍ، بل ككائنٍ حيٍّ يتنفّس ويحبّ ويتمرّد.

حين أقرأ (دابادا) اليوم، أشعر أنني لست أمام رواية،

بل أمام نهرٍ لغويٍّ يغسل اللغة من نفسها.

أشعر أنك لم تكتب لتُخبر، بل لتُبدع قولًا جديدًا،

وأنك لم تكن روائيًّا فحسب، بل كاتبًا يرى العالم بعينٍ لم تلوثها العادة.

كنتَ تعرف أن الحرف لا يُغيّر العالم،

لكنه يجعل الإنسان أقلّ استسلامًا للعتمة.

كنتَ تكتب بدمٍ يشبه ضوءًا حزينًا،

وبصبرِ من يعرف أن الجمال لا يُنجز بالسرعة،

بل بالوجع.

في هذا الزمن الذي يزدحم فيه الكتّاب وتغيب الكتابة،

نحتاج إليك أكثر من أي وقتٍ مضى.

نحتاج إلى تلك البراءة القاسية في عينيك،

إلى تلك اللغة التي تمشي في النار ولا تحترق.

يا حسن،

يا من تركتنا ونحن لم نكن جاهزين لغيابك،

يا من جعلتَ من موتك نصًّا مفتوحًا،

ومن صمتك درسًا في البلاغة.

أكتب إليك لأقول:

لم تمت، لأن الذين يكتبون بدمهم لا يموتون.

أنت حيّ في كل جملة تُكتب بتورّط،

في كل نصٍّ يتلعثم خوفًا من الصدق،

في كل كاتبٍ يعرف أن الكتابة ليست ترفًا،

بل عبورٌ نحو الضوء من تحت الركام.

سلامٌ عليك يا حسن،

في لغتك، في وجعك، في جرأتك التي لا تشيخ.

سلامٌ عليك يا أخي البعيد،

من أخٍ ما زال يسير في الطريق الذي بدأتَه،

حاملًا الحبر كمن يحمل وردةً في جنازة العالم.

*مُحبّك: طاهر عصفور

https://www.facebook.com/reel/2871262159732941