وقفة
مع الكتابة وقوفاً لحسن مطلك
خلف حسين
"قل لهم إنني ما زلتُ حياً،
حدثهم عني كي لا ينساني أحد، لأنني أخافُ النسيان أكثر مما أخاف الموت".
حسن مطلك/الكتابة وقوفاً، ص٤٤
.. كأنها وصية أو صرخة لحظوية آتية
من قبر حسن مطلك!
يجتاحني شعور عارم.. هو مزيج من الشغف
واللذة واللهفة والغبطة، وأنا أمّزق غلاف النايلون مرتعشاً كعريس في ليلته الأولى.
أول شيء فعلته عندما أزلتُ الغلاف، أنني فتحتُ منتصف الكتاب ثم حشرتُ أنفي بين
أوراقه، واستنشقتُ رائحة كلماته وأوراقه بلهفة.. كمن يخرج رأسه من الماء، وكنتُ
أفعل ذلك كلما انتهيت من قراءة صفحة من الكتاب، حتى يُخيل إليّ أن للصفحات
المكتوبة رائحة تختلف عن الصفحات الفارغة، وكأن رائحة كلمات حسن مطلك لها عبيرها
المتفرد، بل هي كذلك. شرعتُ أقرأ ويعتريني القلق من إنهاء الكتاب.
كنت أراقب أرقام الصفحات كما أراقب
مرور الزمن، لأطمئن نفسي أن الكتاب لم ينته بعد أو لم يقترب من النهاية. استوقفتني
الكثير من الجمل المحنكة بتعقيد مُركّب، إن جاز التعبير، وذلك هو أسلوب حسن في
الكتابة، فأُغلقُ الكتاب على إصبعي، وأركز نظري في الفراغ محاولاً جاهداً
استيعابها ولملمة دلالاتها المركبة، وكأن الكاتب يضعني في تحدٍ ونزال ويتعمد
إرهاقي. إنه يتعمد تعقيد أسلوبه الكتابي لكي يجبرنا على إعادة قراءته مرةً بعد
أخرى.
قد يتصور القارئ أن القصد من العنوان
(الكتابة وقوفاً) هو أن نكتب ونحن بوضع الوقوف الفعلي، لكن في الحقيقة يقصد أن
ننظر إلى العالم ونحن واقفين ثم نكتب عن تلك التجربة -النظرة- وبذلك فهو يربطها
بالمفهوم الذي نادى به وهو (الواقعية المُطلقة) التي ترفض عملية النظر إلى العالم
من منظار واحد، وعلى حد قوله: "أن نتلقى العالم بشكل طولي".
إن هذا الكتاب هو الخلاصة المعرفية
المتراكمة لدى حسن مطلك، فهو زاخر بالتأملات المستفيضة في فن الرواية وعناصرها من
شخصيات ومكان وزمان وحدث وشكل، إضافة إلى محاولات التجريب والتنظير في عملية
الكتابة، مليء بالتعريفات الأدبية للأدب والرواية، والمنهجية التي يجترحها حسن
لنفسه في كتابة الرواية.
يطرح قضايا جوهرية كبرى، منها
إشكالات الرواية الحديثة وعلاقتها بالميتافيزيقيا، والتطلعات الميتافيزيقية
للروائي. وفي كل مرة تنتصر الرواية على الفلسفة بالبراهين الدامغة التي يطرحها حسن
مطلك.
وكذلك يتناول جدلية العلاقة بين الشِعر
والفلسفة والرواية فيمثلها كالآتي:
"أحدهم حوّل خياله إلى واقع، بعدما
حوّل الواقع إلى الخيال، وقد طاب له أن يمزج بين جسدين: وحش وبلبل، فصار شاعراً،
وآخر أعطى للهجين معنى كونياً فصار فيلسوفاً، أما الثالث فقد تحدث عن كليهما وما
صنعا، فكان روائياً".
ويمزج بين تحويل الواقع إلى خيال
ونشوء اللغة وتطورها فيقول:
"وغابراً، في لحظة ما، أراد أحدهم أن
ينقل الصورة لصخرة رآها، إلى شخص آخر، بالإيماء والصوت، غير أن الآخر قد تخيلها
وحشاً.. وحتى بعد أن رآها، فقد استخدمها كوحش، كأداة لقتل الوحوش، وربما نحتها
بصورة وحش فعلاً.. وبذلك لم تعد الصخرة كما هي، بل صارت شيئاً مغايرا".
حسن مطلك لا يُقرأ مرة واحدة، كتابته
تتجدد، هذا الكاتب الشرس المحنك، هذه الظاهرة المتفردة، يجعل من الكتابة كائن حي،
إنك في كل مرة تعيد قراءته؛ تكتشف أشياء جديدة لم ترصدها في المرة السابقة.
اقتباسات موجزة:
*"الرواية
هي أن نعبر بكل دقة ووضوح عن عدم فهمنا للعالم".
*"الرواية
هي خطأ مقبول يعطينا شكلاً بديلاً عن الواقع".
*"الأسلوب
هو طريقة لرؤية العالم".
*"بالحس
يحيا الإنسان."
*"إن اللحظات التي تمضي من
الحياة دون أن يرصدها الأدب، هي لحظات ميتة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في موقع (الأنطولوجيا) بتاريخ 6/5/2023م
https://alantologia.com/blogs/67776/?fbclid=IwAR3pv9YkAzGZE4DATb2z8ZsSm-m-CDUmvwxkFe62cArGgIJwFrb5zCvgxUI
*خلف
حسين: كاتب عراقي، من أعماله، مجموعة قصصية بعنوان (نزهة في مقبرة)،
الفائزة بمسابقة الاتحاد العام للأدباء والكتـــَّــاب في العراق 2023م.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=3173442956288118&set=a.1386809398284825
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق