08‏/09‏/2020

إهداء إلى حسن مطلك / قصة: عبد حمد

 

قصة قصيرة

سقوط نيزك

.. مهداة إلى حسن مطلك 

عبد حمد

في إحدى ليالي الشتاء الباردة المليئة بالثلج والضباب، وعلى ضفاف نهر دجله في قرية مليئة بالسدر عند حافة الوادي... فتح الصغير عينيه، وقد ولد توا على يد إحدى عجائز الشرق... عمائم... هلاهل... يلف بصره خمول داكن... لم يستطع تمييز الأشياء... امتد بصره نحو الحقول الخضراء المحشوة بالبطيخ والزغبيب... علقت في رقبته خيط أخضر تتدلى منه رضاعة مطاطية... وبشّرت والده، بان سيكون له شأناً بين أقرانه، على الرغم من أنه ابن سبعة أشهر.. إلا أن أوراقه مليئة بالسواد.

قال الوالد: كيف عرفتِ ذلك؟ قالت صاحبة العمامة السوداء: أما ترى يا بني وجهه الندي الوضاء وجبينه الناصع البياض! رأيته أمس، في المنام، يحمل أوراقا وأسميته (حسن). يحاول أن يزيد من حدة بصره... مسامير على الحائط الطيني، مشنوقة عليها سبعة عشر ملعقة... ثقوب في السقف، باضت وفقست فيها العصافير، وطيور السنونو تتدلى من على عامود يتوسط الغرفة ذات السقف الأحدب... خوف من العالم... حزن على الراحة والاطمئنان اللذان غادرهما قبل قليل... شعر بالحاجة إلى البكاء، فبكى... شعر بالحاجة الى الحليب، فرضع... قالت العجوز لأمه: سيبكي وستبكين... قالت أمه:(اذكري اسم الله).. هذه مجرد أحلام، ربما أكلتِ البارحة بصلاً قبل نومك.

وجد الوليد نفسه.. يتأمل حبل الغسيل المشدود على السواري في فناء البيت... واستسلم لنوم عميق، على إيقاع صرير الحبال وزقزقة العصافير وخرخشة الفئران ومستقبل مجهول... لقد لُفَّ في خرقة بيضاء وتم تحكيمها بحبل من القماش.. حتى أقصى قدميه... استسلم لضغط الحبل.. لأنه يذكره بضيق مكانه الأول.. ولم يحاول إخراج يديه من اللفافة... غادرت العجوز المكان..  وكأنها تودعه إلى الأبد....... سقط النيزك.. وتدلى مشنوقاً بحبل الغسيل... وكثر الضجيج في بيوت القرية وأزقتها.. وتبخر الهدوء من صدر الجبل وسفح الوادي وشوكة البحر التي تحك أوراقها على قارعة الطريق.

----------------------

*عبد حمد علي: كاتب من أبناء قرية (سدير) قرية حسن مطلك

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

احسنت استاذ عبد
قصة رائعة جدا جدا
ورحم الله الأديب الكبير حسن مطلك