من
أوسلو
دابادا.. صرخة بوجه الظلم
هادي الحسيني
(دابادا) عنوان رواية عراقية صدرت
أوآخر الثمانينيات وظلت حاضرة في ذاكرة الأدب العراقي لجرأة ما طرحته الرواية من
إحتجاج وصرخة من خلال نص واحد متكامل لم يتجزأ لفصول ومقاطع، كتبها شاب عراقي كان
للتو قد خرج من حرب الثمان سنوات وقد عمل في التدريس بعد تخرجه من جامعة الموصل وهو
قاص وشاعر ورسام وروائي بارع، أحب اللغة العربية وآدابها وعشق الرسم لكن حبه لوطنه
كان الأعظم في دواخله ولهذا قرر مع ثلة من النجباء بأن يطيحوا برأس النظام البعثي
الدموي أثناء استعراض عسكري على طريقة إغتيال الرئيس المصري أنور السادات لكن
مخططهم كشف وألقي القبض على المجموعة وتم إعدام من كان عسكرياً رمياً بالرصاص وأخذ
ثمن رصاصات الإعدام من ذويهم! ومن كان مدنياً بالشنق وكان أحدهم الروائي العراقي
صاحب رواية (دابادا) أبن قضاء الشرقاط الشهيد (حسن مطلك 1961 – 1990) الذي
ترك عائلته وطفلتيه الصغيرتين اللتين ينتظران عودته المستحيلة. الروائي حسن مطلك
كان كثير الأحلام والمشاريع الأدبية والفنية والسياسية ففي يوم صدور روايته (دابادا)
عام 1988 كان الفرح يقفز من عينيه وهو يحاول إيصال نسخها الى أصدقائه من الأدباء
في بغداد وكانت السيارة التي تحمل نسخ الرواية قد تعرضت لحادث مروري فوق احدى جسور
العاصمة بغداد وتناثرت نسخ الرواية فوق الجسر! ثم استأجر سيارة أخرى ليصل بنسخه
الى الكثير من أصدقائه الأدباء. رواية دابادا لم تطبع في بغداد على الرغم من ان
الخبير الذي أعجبته مخطوطة دابادا لم يجزها بسبب قوة طروحاتها خاصة وأنها لا تواكب
مرحلة الحرب وتوجهات النظام القمعي الذي جيّر كل شيء من أجل حروبه وطموحاته في التخريب،
لقد خاف الخبير من إجازتها في تلك الظروف الحرجة ، فأضطر كاتبها حسن مطلك ان يقوم
بطباعتها في بيروت عن الدار العربية للموسوعات. رواية دابادا في ثيمها التي هي
عبارة عن رفض وصراخ في المجهول يشهد محاولات ومقاومة بالضد من الموت البطيء عبر
عبقرية الروائي بإدخال كائنات كثيرة وأبطال ومسميات تدخل في الترميز الذي يقترب من
الوضوح الذي لا يخفى عن قراء الرواية ، دابادا رواية ذكية تحاول كسر حاجز الصمت
والخوف و تمتلك لغة أنيقة، ومن خلال تلك اللغة استطاع كاتبها تطويع النص الأدبي
الى ما فوق التراث وتحيله الى الألم والخوف واللوعة بطريقة مضحكة أحيانا عبر شخصية
(شاهين) بطل الرواية. دابادا تشبه القصيدة حين تبتسم لسامعيها وقراءها حين ترسم
على وجوههم شحنات الفرح المغمسة بلوعة الألم وكوارث الزمن، دابادا نص روائي مختلف
بطرحه وبلغته وبظرفه الصعب . ويعتبر الروائي الشهيد حسن مطلك من الأصوات الأدبية
البارزة في جيل الثمانينيات داخل العراق والذي يسمى بجيل الحرب ، نشر العديد من
القصص وفازت بجوائز أدبية . وأذكر بعد سنوات قليلة من اعدام حسن مطلك ألتقيت ابن
مدينته الروائي العراقي الكبير محمود جنداري الذي حدثني بألم عن حسن مطلك خاصة وأن
جنداري قد أعتقل لفترة بسبب علاقته بحسن لكن بعد الأفراج عنه بفترة قصيرة غادر
محمود جنداري الحياة على أثر دس مادة الثاليوم له من قبل أجهزة نظام القمع كما
أكدها البعض وهي ليست بغريبة على النظام الذي عرف بقتل معارضيه بطرق وحشية متعددة!
وعن الزمان ومكان الرواية فقد كان الروائي محسن الرملي وهو شقيق الشهيد الروائي
حسن مطلك قد عثر على شريط مسجل في داخله حوار عن رواية دابادا بصوت الراحل بعد
صدور الرواية بشهور قليلة وتحدث فيه عن زمن الرواية قائلا: (ان زمن الرواية الأصلي،
هو زمن الحدث الروائي، ثلاثة أيام، أي ثلاثة نهارات وأربع ليال، أما الذي تتحدث
عنه الرواية فهو زمن طويل، زمن نفسي طويل حيث يوجد تاريخ يمتد الى الشخصيات
الموجودة في الرواية، بينما المكان فيمكن أن يكون رمزاً، أي ليس مكاناً حقيقياً).
ان
رواية دابادا فيها من قوة النص ومفارقاته الكثيرة والتي قد تكون مأخوذة من الحياة
التي عاشها الروائي داخل العراق خاصة وان دابادا باسمها الغريب، الأسم الذي لا
تحتويه الجغرافيا ولا اللغة قد يكون خلقه الروائي ببراعة وبترميزية عالية ، فلو
قمنا بتشكيل حروفها قد تعطينا معاني كثيرة تدين الوضع آنذاك وكدليل على الصرخات
التي يطلقها شاهيين وبعض الشخصيات في الفراغ باستمرار وحتى شخص كاتب الرواية الذي
يظهر اسمه مرة أو مرتين داخل النص الروائي وهو تعبير عما في داخله من آهات ومآسي
حاول تطويعها عبر الأدب وبلغة سردية مختلفة عما كان يكتب في الرواية داخل العراق
التي جيرت لأدب الحرب بطريقة مخزية!. وكثيرة هي الآراء في رواية دابادا من قبل
أدباء وروائيين وشعراء لكن رأي الراحل الكبير جبرا ابراهيم جبرا كان مهما في تلك
الفترة فقال عن دابادا (أنها رواية غير عادية ، فهي جديدة وكاتبها شاب جريء). ان
رواية حسن مطلك دابادا تعتبر من الأعمال الروائية التي أثارت اهتمام النقاد والمشتغلين
بالأدب بشكل عام وأحاط بها الجدل منذ صدور طبعتها الأولى قبل ثلاثة عقود ونيف وحتى
اليوم فهي حاضرة ولم تغب عن المشهد الثقافي العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام
لمِا تحمله من حداثة في اللغة وجرأة في الطرح وصرخة انسانية عالية يلفها الحزن
الشديد والألم الذي يتفوق على الفرح المفتعل.
---------------------------------
*نشرت في
صحيفة (طريق الشعب) العدد 117، السنة 84 بتاريخ 4/2/2019 بغداد
https://www.tareeqashaab.com/images/TariqPDF/2019/2/4.pdf
*ونشرت في مجلة (تموز) العدد 70، السنة 26 ربيع 2019 مالمو-السويد