قراءة
الشمولية في رواية (دابادا) لـحسن مطلك
د. وسن مرشد
استوعبت رواية (دابادا) لـ (حسن مطلك) الخروقات جميعها، لتؤسس
لذاتها متناً كتابياً مميزاً، ومثمراً، ومجدداً، وشاملاً، قابل للديمومة والعطاء.
إذ انطلقت سردية الرواية بفعلٍ قصدي لنقد الممنوعات جميعها، بشمولية وذكاء
روائي مميز، يحسب للروائي لا عليه، ليوظف التقانات جميعها، من تورية، وقناع،
ورمزية، وسريالية، وغرائبية...إلخ، ومن هنا حققت الرواية لنصها الديمومة، والتميز
المتقن.
جاءت سرديتها ناقدة للتابوات جميعها (سياسة، دين، جنس، قبيلة) وهذه الأخيرة من
أخطرها، وهي ماركزت الرواية علية بصورة مميزة.
شخصياتها واضحة ومفهومة، ولا تحتاج إلى اعمال الذهن في فك شفراتها؛ لأنها
مركبة من واقع معاش، والقارىء الواعي باستطاعته فهمها وفك شفراتها الرمزية.
تبدأ السردية بمأساة (هاجر) الزوجة الباحثة عن زوجها (محمود) الذي خرج ولم
يعد، الغائب عن زوجته، الحاضر في مخيلتها، علة فقدانه تنحصر بحكاية خرافية ملفقة،
تنحصر في أن (محمود) خرج إلى البراري التي دخل اليها ولم يعرف مصيره؛ لأن الأرنب
المبقع أجبره على ملازمة البرية معه، والحقيقة لم يكن هناك ارنباً بل مجموعة
أرانب، اودت بحياة الكثيرين أمثال محمود؛ لأن الأرض "مليئة بالأرانب
المبقعة"، وكانت هاجر "في كل خريف تتجدد ذكرى ضياع الأب في البراري بسبب
ارنب مبقع"، مما دفعها إلى طرق الأبواب جميعها من دون اية نتيجة.
احتل (شاهين) بطولة الرواية، وهو الطفل اليتيم الباحث مع أمه (هاجر) عن الأب
المفقود، واحتل الظلام جزئية كبيرة من حياته المعتمة الضائعة بين الوجود واللا
وجود، بين الأمل بغدٍ جديد، الممحو بمعترك ظلام الليل المتجدد، المنزوي في سوداوية
البحث عن والده (محمود)، ليلاقي المصير المجهول هو الآخر بسبب السلطة التنفيذية
التي يقودها جاسوس السلطة (حلاب) الذي أودى بحياة الكثير من الأبرياء وأولهم
(محمود)، ثم بحياة (عبدالمجيد) مختار القرية، الذي قتل بطريقة بشعة، عن طريق سم
الفئران الذي دُس اليه بالطعام، عن طريق القاتل المجرم (حلاب) الذي سعى بقصدية
عالية إلى هذا العمل الأجرامي، بهدف الحصول على منصب ولاية القبيلة، والذي حقق
مبتغاه فيما بعد، ليصبح وجوده طوعي واجباري" افسحوا الطريق لحلاب. جاء حلاب
افسحوا الطريق. ابتعدوا"، هذا هو المشهد الجديد، والهدف المحقق لـ(حلاب)، الذي
عمل جاسوساً للسلطة لمدة" سبعة وعشرون عاماً من المؤمرات، لأجل هذه
اللحظة".
والسريالية نلمسها ايضاً في شخصية الرسام (عواد) الذي رسم كلبه (شرار) بصورة
الكلب الغادر لا الوفي.
وانتهت الرواية بمصير مجهول لبطلها (شاهين) الذي كان ينتكس من الأخبار "زلازل.
فياضانات. أخبار مجاعة السود. محدثات نزع السلاح النووي. عمليات الفدائيين العرب.
جلسات مجلس الأمن. إرهاب عالمي. مخدرات. فضائح سياسية. تجسس. جرائم. خطف. حروب. انقلابات"
ونقدت السياسة المغلفة برداء الدين بالقول: "وهم يضحكون يومياً بين
سجاداتهم المزينة بصور طواويس وأعراف هداهد وقرون وعول تمتص صدى قهقهاتهم وكلامهم
السطحي الدافىء يهمسون في لحظات الهدوء بعد العاصفة، حركة واحدة كصلاة إلى الأسفل
بحيث يمتلىء الهواء بأماكنهم"، "شيوخ يحسبون خرز المسبحات او يكرزون
بذور عباد الشمس تحت لافته: البول للحمير".
أضيف، الرواية حققت وجودها المعلن على الساحة الأدبية والثقافية؛ لأنها انطلقت
من عقم الواقع المعاش، وحققت وجودها عن طريق الخرق المعلن لمقص الرقيب، بذكاء
الروائي الشهيد، ليترك لقلمه بصمة ادبية جريئة، خرقت الممنوع في وقت الممنوع، أي
أنها كتبت في ظروف تمنع مثل هذه الكتابات السردية الناقدة لعقم الواقع وجحيمه.
------------------------------------
*نشرت في (صحيفة المثقف)
العدد 4765 بتاريخ 22/9/2019
د.وسن مرشد