دابادا..
حسن مطلك
الشفرة..
أو البيان السابق لبيان الثورة
ط4 دار المدى
2016/233صفحة
جواد كاظم محمد
"ان من
أصعب الأمور أن يكون الإنسان فكرة محددة عن الأشياء حين يعتبرها الآخرون زمنا مضى
بلا أهمية" من الرواية:164ص
هذه رواية للراحل حسن مطلك (1961 ـــ 1990)، الشهيد الأديب الفنان
الشاعر الروائي والمعارض الثائر في زمن الخوف من الثورة. تغمده الله جل جلاله
برحمته. وهو شقيق الروائي العراقي المعروف محسن الرملي، صاحب (تمر الأصابع) و(ذئبة
الحب والكتب) و(حدائق الرئيس) وسواها من الروايات والكتب والقصص.
شارك حسن مطلك في محاولة للثورة على الدكتاتور وفشلت المحاولة،
وعندما كان من يفكر بالثورة كان يعلم أن الموت أمامه. فأعدمه نظام صدام حسين. إنه
مؤلف رواية (دابادا)، محط هذه المقال، والتي طبعت عدة طبعات، و(قوة الضحك في أُورا) روايته
الأخرى. و(كتاب الحب.. ظِلالهن على الأرض).. وهي نوع من الكتابة الحرة والمذكرات،
و(والعين إلى الداخل.. كتابة حرة)، و(واقنعة.. أنا وأنتِ والبلاد)، مجموعة شعرية،
و(الأعمال القصصية)، جمعهن جميعا وحققهن محسن الرملي بجهد أكاديمي.
وحسن مطلك هو الذي تنبأ له الفنانون والروائيون في حياته بأن له
شأنا جللا.. إنه القائل في بعض أوراقه التي نشرتها صحيفة (العالم) من بين أوراق
أخيه محسن الرملي: "أنبثق من هذا الحطام الرهيب، والاستعجال بالإجابة هو
محاولة لإراحة الوعي الشقي.. الخروج من هذا اليأس، إلى يأس ذي قوة..".
ألف (دابادا) وهو محكوم بداخل منتفض ثائر، وبلغة تثويرية للمبنى
والمعنى فكانت (دابادا) وكانت معها (قوة الضحك في اورا).
(دابادا) نص روائي غريب، وهي عندي رواية غريبة الزمان والمكان،
غريبة الحدث، غريبة الطريقة في فضاء النص المنتج لدابادا.
وما بين شاهين وأمه وأبيه وصديقه عواد وبقية الشخصيات التي تظهر في
الرواية، لا يمكن إمساك الحدث، ولكن يمكن إمساك الرواية وهي تلغز.. وأعني هنا أن
الرواية التي صاغها حسن مطلك بابداع فريد.. هي شفرة من نوع ما.
أتصور بعد قراءتي الثانية لها، أنه أراد ان يضحك بها على الرقيب
والنظام السابق والذين يرتضون الدكتاتورية، وأن تكون (دابادا) أشبه ببيان ثوري
سابق للبيان رقم (واحد)الذي رام حسن مطلك أن يساهم فيه بمساهمته في المحاولة
الانقلابية الجريئة.
دابادا ليست مجرد شاهين الذي لا أراه حسن مطلك، وليست مجرد ذلك
الحوار الذي يقترب من الغموض أحيانا ومن الحاجة إلى معجم سردي للمعاني الأولى
والمعاني الثانية وحتى المعاني الثالثة.
دابادا.. هي نص مشفر حد التشفير، وربما كانت خيبات شاهين شفرة عن
خيبات العراق في الخلاص من صدام حسين الذي سيرتكب بعد إعدام حسن مطلك بأيام خطأ
دخول الكويت، وهو خطأ متعمد أصاب العراق بمقتل.. فهل كانت ضحكة القرية في
الرواية.. ضحكة المجموعة الغامضة التي الغز عنها حسن مطلك وهي ترى أن الحرب الأخرى
قادمة فحاولت تجنيب العراق ما أصاب العراق بعد 1990 و1991 ... سؤال لم أجد له
جوابا.
المكان والزمان في (دابادا) يتنازعان كتنازع الشخوص، ويبدو الجنس
أحيانا شكلاً من أشكال إكمال طلسم الرواية، التي لا أشك أن قراءة حسن مطلك لها
أمام جماعته تختلف عن قراءة سواه لها، فهي بيانهم السابق للبيان الذي أعدوه ليكون
بيان الثورة على وحشية نظام قاده أمثال (قندس) في الرواية.
دابادا.. نص روائي يستحق، أن تعاد قراءته سياسيا، مثلما قرأه من
قرأه أدبياً وفنياً وروائياً وجمالياً.. فهذا نص يبين لنا أن المجتمع بحاجة لمن
يقوده بديلاً عن قيادة غامضة لا تظهر (بحكم زمن تأليفه للرواية) ولكنها بينة لمن
يبحث عن الرمز داخل دابادا.
ان تحولات (دابادا) وشاهين وعزيزة، وظهور الرجل الغامض، وتحولات
مختار القرية وتحولات هاجر وتحولات اختراع صوت يلفظه بالصراخ: دابادا. وتحولات
الحيوانات في الرواية وتحولات النهيق ونهاية الحمار وسواها... كلها تحولات تستوجب
إدراكاً للغز الذي صاغه حسن مطلك ونشره رواية تفلت من يدي الرقيب وعينه، ولكنها
تبعث برسائل لمن يدرك أن المقبرة والأموات في الرواية هم غير ما يظنه القارئ لأول
مرة من مشهد المقبرة والأموات. وأما اليد الناعمة التي تمسك بالملقط الأسود وفيه
المسمار المحمى ليصبح مثل الجمرة، فهي عندي، في اجتهادي، كناية عن الثائرين
القادمين لكيّ العراق بعد أن صار الكيّ آخر الدواء...
ولا أبلَغ من نهاية الرواية بالضحك (ضحك ضحك ضحك).. فهو ضحك يرى أن
الطريق مثله، مثل كلمة دابادا.. يمكن أن يُخترع أثناء الصراخ، وربما أثناء الضحك
على شيء قادم... عرفنا بعد إعدام حسن مطلك ما هو.
دابادا.. رواية ليست سهلة، يمكن أن تمتع المستمتع، ولكنها تفتح
أبواب الطلاسم والاجفار والألغاز والمعميات لمن يفتش عن وصف العراق نهاية
الثمانينات... وكان ذلك جزء من إبداع حسن مطلك رحمه الله تعالى برحمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جواد كاظم محمد، كاتب
عراقي، رئيس تحرير مجلة (إدارة الأزمة).