04‏/03‏/2009

أورا - دابادا / من الإنترنيت



أورا - دابادا

هذه كلمات واعية وقيمة عثرنا عليها في شبكة الإنترنيت دون أن نتبين اسم صاحبها
ننقلها هنا اعتزازاً بها وشكراً لمدونها
كما تجدونها على هذا الرابط
--------------------------------------------------

مطلـَك القـوّة الغرابَـة

حسن مطلك لم يكُن صاحب لغةٍ عادية , ولا سائدة , و لم يكُ يكتب أصلاً بهدف رواية الأحداث و نشرها للعالمين , بل كان صاحب لغة متعالية , يكتب ليستلذّ , ليثمل بطريقةٍ رطبَة أكثر من الخمر السائل , طريقة تُفقدهُ عقلهُ في غياهبَ الحقيقة بشكلها الآخر الذي فسّره من خلال كتابه , لا الذي رآهُ و حسب .يُسمّى أسلوبه الكتابي في الرواية بالأسلوب المُخاتل , و المخاتلة بكلمة بسيطة تَعني المراوغة , كان يستخدم هذا الأسلوب للتحايل و المرور من مقص الرقيب و السلطة و التحكم السلطوي الذي كانَ يطارده و يضيّق عليهِ كثيراً بسبب جرأته في كشف فساد المجتمع بأسباب الحكومة , و هذا الأسلوب القمعي من السلطة كانت ميزته الوحيدة لدى مطلك أنّه صقل أسلوبه و جعلهُ يحلق بعيداً تماماً عن سرب المباشرة و الوضوح , لهذا اعتمد في رواياته على الحِكاء الغير مباشر و على القاريء أن يتأنى و يتحلى بالفطنة و هو يقرأ لمطلك بالذات , لأنّ رواياته بمثابة الألغاز الوصفية و كثير من القراء يعشق هذا النوع من القراءة .
من جهة أخرى نستطيع تسمية أسلوبه بـ ” المقنّع ” لأنّهُ يقنّع الدلالات و مواطن كشف الحقيقة بتشبيهات جداً دقيقة و تلزم من القاريء الكثير من الانسجام مع السطور والحياة التي تدور أمامه في هذا الكتاب ليستطيع التقاط معاني الصور بخفة أو حتى مِنَ القراءة الثانية لها .- هذا الأسلوب قد لا يكون الأسلوب الناجح لشخص يريد أن يعيش الناس الواقع البائس الذي كتبه , و أن يقتنعوا به , لكنّهُ رضى أن يقوم بهِ لأنّهُ لم يكن يحتمل أن يرضخ أو يضعف و يستسلم لجبروت السلطة الشوفينية في بلاده آنذاك .. و هو لا يطلب شيئاً ممّن تأثروا بسيرته الذاتية و حادثة إعدامه و أسبابها , إلا أن يحاولوا أن يتعبوا قليلاً و هم يقرؤوا هذا الإرث الذي تبقّى منه . ” رواياته ” .


--------------------------


قـوّة الضّحـك فـي أورا :
تتحدث الرواية عن عدة موروثات أسطورية و هو الاتجاه الذي يحب بعض الروائيين العرب المتمكنين و الغرب أيضاً استخدامه و توظيفه في رواياتهم , فكان هنا يستخدم أسطورة المكان أولاً من خلال ” أورا ” و هي مكان غير موجود , مكان وهمي خلقه الكاتب ليضع فيه الأحداث التي ستدور , و يقال أنّ حتى هذه الأسطورة المكانية لم يخلقها من عدم بل كانت دلالة على مدينة نينوى عاصمة الآشوريين في العراق . إلا أنه لم يذكر أيّ ملامح لها بل جعلها مجرد مسرح رمزي تدور فيه الحكاية و قد ذكر هذا بنفسه في مقدمة الرواية حين قال :
[أورا هو كل مكان لم أره، تاريخ مفتعل، بل رقعة ألم تأخذ شكل القبر لأن المعادل الكلي لما قلت هو الموت المخيف والرفس ومحاولة الهرب إلى مكان بلا ذكريات وليس(أورا) إلا ذكريات جارحة كبرت فتحولت إلى كوابيس ]
الرواية تتحدث عن حضارة سُرِقَت و معابد دُمّرت و لم يبقَ مِنها إلا أطلال امتهنتها الأجيال الجديدة من نينوى و آشور و الموصل لأنهم لم يعايشوا عظمة بنيانها و هيكلها حين كانت في أوج ثباتها و وجودها , و هو يلخص كل الرواية يا نينوفر في هذا المقطع الذي يحتوي كنه الرواية كله بشكلِ إضاءةٍ رمزية :
[ هناكَ ذكرى بعيدة , منذ أن كنتُ طالباً في الصف الثاني الابتدائي , شهدتُ رجلاً وجدَ صندوقاً مرمريّاً جميلاً و باعهُ بأربعةِ دنانيرَ إلى رجلٍ انجليزي! .. آنذاك تعذّبْت .. و ما زلتُ اتعذّب ] .الصندوق المرمريّ يشير إلى بقايا من كنوز آشور و آثار حضاراتها , و مدى استقباح و استرخاص و جهل المقيمين في المدينة لها حتى أن أحدهم باع صندوقاً بملايين الملايين إلى رجل انجليزي بأربعة دنانير فقط !!!!! .
هذا هو كنه الرواية كله , كان يحكيه بالحوادث و المشاهد التي ألّف بعضها كما سمعها من جدته و البعض الآخر رآها بنفسه في طفولته الفقيرة.

- مسَـاقِط ضَـوء مِـن الرّوايَـة :
1
لم تكُن لي علاقةٌ بِما حدَث آنذاكَ لأنني كنتُ مشغولاً بوضعِ بُعدٍ آخرَ لا تقيسهُ المسطرة لهذا الوجود , وجودي أنا الذي يطمح بنوعٍ مِنَ الشوق أن يتحول إلى حادث.

2
لا أدري ما علاقةُ التلذّذ بالسيجارة

3
كنتُ أؤجّل دائماً لحظة التفكير بنفسي , لأنني أعرفُ كرمَ القسوة , و أعرفُ الهوّة التي عليّ أن أقفزها لكي أعودَ مرةً أخرى إلى الفيضان.

4
لم أعُد خائفاً مِنَ الكسل كما كنت , لأنني لم أعُد أثقُ بالنسيان و إن يُخلّصني أحياناً مِن وجع الفكرة.
---------------------------

دابَـادا

ثمّة سِدرة وحيدة في قعرِ المكان الجدب و قد أعطَت للوادِي شرفَ التّسمية عن جَدارة في
المكوث و التحمّل منذ أزمان الجوع ] ص40- بهذا المقطع الوصفي للسّدرة الشامخة .. في الوَادي الواقع في قرية كانت باسمٍ لم يؤرّخ إلى أن قام الآشوريين بتسميته ” إسديرة ” .. نسبة إلى شجرة السدة الخالدة فيه , أكمِلُ حديثي _ الذي لن يكون طويلاً _ عن حسن مطلك الذي تعود أصوله إلى هذه القرية . و دابادا التي تشبهُ السّدرة الوحيدة في قريته . هكذا هي روايته و ما قام بكتابتهِ بعدها من الروايات , فريداتٌ وحدهنّ لا تشبهنَ أيّ كتابٍ آخر كُتِب . هذا لا يعني أنهنّ أعظم ما كُتب في العالم ! , لكنّهُ لا يعني أنّهنّ أقلّ من الروايات العظيمة أيضاً ! . و مَن الأحمق فينا الذي يستطيع أن يجزم على كتابٍ ما أنّهُ الأعظم على الإطلاق ؟! .كنت قد تحدثت في الجزء السابق عن لغة مطلك و أسلوبه المُخاتل و شذوذه العبقري عن كل الأفلاك التي عاصرَها و التي امتدّ بعضها حتى اليوم نسبةً إلى المعاصرين من أصدقاءه الذين ما زالوا يكتبون و ينتجون .. إدوارد الخرّاط و أمين معلوف مثاليْن .
و لأني تحدثت سابقاً عن مطلك كلغة و فِكر و بيئة كتاباته و بيئته هوَ التي شكّلَت ثيمة كتاباته , سأتحدث الآن عن روايته الأولى , بل عن ” اللعنة الأولى ” التي خرَجَت مِن رحمِ عبقريّته . عبقريّته التي لا شكّ فيها , ولا مجال للشكّ فيها بأيّ شكلٍ من الأشكال , حتى من الذين شتموه و لعنوا كتاباته .

_ توطـئة _
كنتُ دائماً أرى أنّ النخبوية أنانية أحاربها , و على قدرِ محاربتي لها أحبّها , لأنّها تُعنَى بالصّنف الذكي من النّاس , أتحدث عن النخبويّة في كلّ الأشياء التي لها دَور رئيس في تشكيل شخصية الفرد أو تطويرها أو إحداث أثر فيها , و طبعاً الكتابة في الصفّ الأول بالقائمة .
النخبويّة أيضاً لا تخصّ الأذكياء فقط , إنّها فيما يتعلق بالرواية المأساوية , و السيَر الذاتيّة , تكون معنيّة في المقام الأول بطبقة المتألّمين و المهمومين , طبقة المحزونين و المجروحين , الناس الذين عاشوا الألم و مرّوا بمراحل الانكسار و الصراع النفسي في دواخلهم , أنا لا أتحدث عن الفقراء و المساكين و الشحّاتين ! , رغم أنّ الحديث عنهم أيضاً ! , فقد يكون كل فقير مهموم و مجروح و مُتألم, لكن ليس كلّ متألم يعني ألمهُ أنّه فقير ! , الحديث هنا بشكل أشمل و مباشر أكثر ليس عن طبقة المترفين نفسياً , واجتماعياً , أولئك لا تناسبهم هذه الكتب و اللغة فوق الطبيعية و المضمون الذي لا يعرف مدى حقيقيّته إلا الذين عاشوا تلك البيئة في كل وجوهها أو بعض منها .
لهذا النخبوية هنا هي نخبويّةٌ إنسانيّة , كتابات حسن مطلك و بعض أصدقاءه المميزين في جيلهم كإدوراد الخراط و عبدالرحمن منيف و خوان رولفو عالمياً و نيكوس كازنتزاكيس و نابوكوف الروسي هي كتابات نخبوية لا يفهمها الذي يقرأ ليستمتع أو الذي يقرأ ليتلهم الكتاب بسرعة و يوهم نفسهُ أنه قاريء نهم!! ..
كتابات نخبوية لا تُعجب الذين يبحثون عن الجمال في مشاهد الـ ” آكشن ” فقط ! , أو التأثّر مِن مشاهد الحزن الناجم عن جرائم الاختطاف و الاغتصاب مثلاً ! , ولا تعجب الذين يقرؤون السّرد الشعري في وجهه العاطفي الذي يوظّف الشعر فيه كثيمة وصفية لعلاقة حب مفصلة .
نادرُون هم الذين يملكون عقولاً مهيّأة لاستقبال و استسَاغة الإبداع الأدبي الإنساني , ذلك الممزوج بأكثر من جنس كتابي , شعري رمزي كما في كتابات مطلك مثلاً .
و هذا لا يعني أنّهم قرّاء رديئون بالطبع لا , لكنّه لا يعني أيضاً أن الإبداعيين كمطلك و رولفو سيّئين و فاشلين ! . هو يعني فقط أن الذين لم يستوعبوا أو يتقبلوا رواياتهم ليسوا من النخبة التي يناسبها هذا النوع من الكتب , النخبة التي عرفَت الإنسانية عن طريق التمرّغ في الألم و التحمّم يومياً بالبكاء .


_ دابَـادا _
تتحدث الرواية الصادرة بطبعتها الأولى عام 1988م عن الدار العربيّة للموسوعات في بيروت عن الصراع بين الخير و الشر , الانتماء و التشتت , الهويّة و الضياع , تدور حول هذه الصور و تحكيها بقالب رمزي شِعري مخاتل و موغل في الدقة بذات الوقت .
الرواية أستطيع وصفها بشكل خاص و شامل بالملحمة الشعرية الروائية , لاحظوا أنني أقول شعريّة روائية , لا روائيّة شعرية , أقدّم الشعر فيها على الرواية لأنه الثيمة الأساسية الأولى التي اتخدها الكاتب الراحل شكلاً يحكي به معاناة شاهين الأبله و الذكي في ذات الوقت و أمّهُ المسكينة هاجر .
تدور الرواية حول الأب الضائع في البراري_ والد شاهين _ و هو نفس المضمون الذي تحدث عنهُ خوان رولفو في روايته بيدرو بارامو و آخرون أيضاً , ضياع الأب , و المشهد فقط هو المختلف , إضافة إلى اختلاف المكان و الزمان .
والد شاهين ضاعَ في البراري إثر أرنب مبقّع نتيجة إقصاء مختار القرية ” الحلاّب ” له , حين كان شاهين يبلغ من العمر فقط سبع سنوات , و هذا الحلاب القذر هو نفسهُ الذي سلبَ السلطة من شيخ القرية عبدالمجيد ودبّر لهُ مؤامرة قتلهُ بالسمّ .
طوال عشرين عاماً يعتزل شاهين في غرفته المظلمة و المهترئة ليس حزناً بل استسلاماً لحال الركود بعد اختفاء والده و ضياعه , أمه هاجر حاولت أن تجعل منه رجلاً بعد أن كبر لكنّه حين خرج من عزلته كان كالأبله لا يفقه شيئاً في الحياة ولا يملك أدنى قدر من إرادة , بل أنّهُ لا يعرف حتى ما مامعنى القوة , وما معنى الإرادة .
و كأدنى مساعدة من القدَر لشاهين يَبعث إليه بحلاّب المختار ليجعلهُ عاملاً أو أجيراً لديه و يعطيهِ حماراً كي يرعاه , يقوم شاهين بقتل الحمار و هو يمسك خنجره الصغير بالمقلوب فيطعن يده بدلاً من الحمار , يهرب إلى الجبل و هو يظن أنه قتل الحمار و يقابل هناك ” عارف ” أحد أصدقاءه القدامى و يخفيه في مكانٍ آمن , و بعد أن يستقصي عن الحقيقة يعرف أن الحمار لم يموت و يخبر شاهين بما حصل و أنه لم يرتكب أي جريمة سوى أنه طعن يده .
في جانب آخر من الرواية يوجد البطل الثاني و هو ” عوّاد ” صديق شاهين و عشيقته ” عزيزة ” و التي كان شاهين يحبها أيضاً , يسافر عواد بعد مرحلة متقدمة من علاقته بعزيزة , يسافر استنكاراً من تساهل عزيزة أمام غزلهِ و إغوائاته .. يقول أنّهُ لم يكن يريدها أن تستسلم له بهذه السهولة. و هذا كان ملخص كل حكاية عواد و عزيزة مع بعض , و التي يعود إليها مرة أخرى.
تنتهي الرواية و هي تتحدث عن أن ذاك الصراع و الضياع بين الخير و الشر وبين النفس وذاتها كما في شاهين البطل الرئيسي في الأحداث , هو صراع لا ينتهي دام حياة الإنسان بدَأت بشكلٍ سيء في بيئة مختلّة لم يعمل أيّ طرف معني بالحزن و المصيبة تغييرها , إنّ الرواية تتحدث عن فداحة الاستسلام للحزن و العزلة و ماذا تفعلان في الإنسان , في كل أعضاءه , ليس في عقلهِ و نفسه و حسب .
ـــ
_ مساقط ضوء من الرواية _
1
“رآها في حضورٍ دائم بعدَ خمود النّار حركَة إثْرَ حركَة ولا يعرف كيفَ يقول : أمّي , و هيَ تجهل عنه الكثير لأنّها لا تعرف كيفَ يقول : أمي , ولا ترى إخلاصهُ المُشعّ كإخلاص الأبناء عندما يسألونَ عَن طبخَةِ اليوم , بل على العكس , ترى الجحودَ المُشعّ في مرور السنوات التي يقضيها محبُوسَاً و هيَ عندهُ سواء في النشاط أو المرض , و يخمُدُ الجَمْر فتغيبُ عنهُ كذكرَى وفاة “


2
” كانَ النّباح يصعد مَعَ الأرجَاء , النقيق في البِرَك , و حينَ عوَت الذّئَاب ابتدأت يقظَةُ الحشَرات عندما قالَ شيْخ : إنّ الشّرّ فِكرة , و إن الحب طبيعة .


3
” لربّما سيَأتِي الحظ في هيئةِ شحّاذ : صُدفة , أو عودة غائب مِن وراءِ الأقفَال في نفق : السلامُ عليكم ! ” .


.أتمنى أن تستمتعوا بقراءة الروايتين

-----------------------------
نشر على هذا الرابط
حيث ستجدون التعليقات الخاصة به أيضاً

ليست هناك تعليقات: