09‏/03‏/2025

صرخة حسن مطلك.. حضور إبداعي وغياب مأساوي/عدنان حسين أحمد/ الجزيرة الوثائقية

 

 الجزيرة الوثائقية/ نقد سينمائي

صرخة حسن مطلك”.. حضور للسيرة الإبداعية وغياب للجانب المأساوي 

عدنان حسين أحمد

Published On 5/3/2025

لم يكن فيلم “دابادا.. صرخة حسن مطلك” مجرد فيلم وثائقي عابر، يتمحور حول قصة حياة الروائي العراقي الراحل حسن مطلك.

فما إن يأتي أحد على ذكر هذا الاسم، حتى تتبادر إلى الأذهان فورا مشاركته في محاولة الانقلاب على النظام المستبد الحاكم، وإعدامه شنقا في 18 يوليو/ تموز 1990، مع متهمين آخرين بالتخطيط للانقلاب، من ضباط ومثقفين عراقيين كانوا يحلمون بتأسيس نظام ديمقراطي حر، خالٍ من القمع والاستبداد.

أما على الصعيد الإبداعي، فتخطر على البال موهبته المبكرة في الرسم وكتابة القصة القصيرة والرواية الحداثية، فقد خطفت قصة “عرانيس” الجائزة الأولى سنة 1983، ونالت قصة “بطل في المحاق” الجائزة التقديرية سنة 1988.

وحين صدرت روايته الحداثية “دابادا”، قال عنها الروائي جبرا إبراهيم جبرا: لم أكنْ أتصور أن كاتب هذه الراوية العظيمة في سن العشرينيات.. إنها رواية مغايرة.

وهي مغايرة حقا، لأن حسن مطلك ذيلها بعنوان فرعي ثانٍ قال فيه إنها “تمرين روائي جديد في الواقعية المطلقة” التي تتعالق مع العلم، وتضم بين دفتيها السينما والمسرح والموسيقى والسحر وما إلى ذلك.

فلا غرابة إذن أن يركز مخرج الفيلم علي ريسان في هذا الفيلم على الجانب الإنساني، من سيرة القاص والروائي حسن مطلك، أكثر من تركيزه على الجانب المأساوي الذي يعرفه الأدباء والفنانون التشكيليون، سواء في محافظته خاصة أو في العراق عامة.

 

فيلم وثائقي يهز المشاعر ويلامس الوجدان 

سوف تتبين للمتلقي الذي يشاهد الفيلم أهمية هذه المقاربة المدروسة، في تسليط الضوء على حياة حسن مطلك الشخصية، وخلفيته الثقافية والفنية والاجتماعية، والمكانية إن شئتم.

وذلك لأن المخرج حاذق ومطل على الأحداث برمتها، وقد منح قرية “سديرة الوسطى” بطولة مساوية وموازية لشخصيات الفيلم الرئيسة، التي تتوزع بين أهله وذويه وأصدقائه من الكتاب والفنانين والمخرجين المسرحيين، سواء في قريته الحميمة أو في محافظة كركوك، التي كان يدرس فيها طلاب المعهد، ويلتقي بأدبائها وكتابها وفنانيها المعروفين محليا وعربيا.

وكانت هذه المادة كافية لإنجاز فيلم وثائقي ناجح، يهز المشاعر ويلامس الوجدان، مع أن المخرج علي ريسان لم يهمل الجانب المأساوي والنهاية المفجعة كليا، بل أشار إليها في مرثية وجهها إلى الشهيد الراحل حسن مطلك، وكانت خير نهاية فنية يمكن أن تسدل الستار على حياة كاتب وفنان متعدد المواهب، تنبأ بموته في باكورة أعماله الروائية “دابادا”، ومات قبل أن يبلغ الثلاثين.

ترك حسن مطلك لقُرائه ومحبيه إرثا يكاد يتجاوز 10 كتب، موزعة بين القصة القصيرة، والرواية “الحداثية”، والشعر، والسيرة الذاتية، والكتابات الحرة، إضافة إلى لوحاته الفنية الكثيرة التي انهمك بها منذ طفولته وصباه، حتى لحظة إعدامه التي تركت أثرا موجعا لدى أهله وأصدقائه ومحبيه، من القراء والمتابعين لتجربته الأدبية والفنية على حد سواء.

يعوّل المخرج وكاتب السيناريو علي ريسان على تقنية “الرؤوس المتكلمة”، وتعليق صوتي واحد فقط، ختم به قصة الفيلم المؤلمة، وتسجيل بصوت حسن مطلك يُستعمل أول مرة، يتحدث فيه عن تقنيات الرواية الحديثة.

وقد ارتأى ريسان أن يلتقي 3 شخصيات من عائلة حسن مطلك، وهم أخوه د. محسن الرملي، وهو قاص وروائي معروف يقيم في إسبانيا منذ سنوات كثيرة، وأخته كاظمية مطلك، وابن أخيه المعلم كامل الرملي، وخمسة أصدقاء آخرون.

كما أسند دور حسن مطلك في طفولته إلى حفيد أخيه، الطفل سامح ثروت حسين مطلك، الذين رأيناه في لقطات ومشاهد متعددة في مستهل الفيلم ونهايته.

 

        "يا أبي، تستطيع أن تفعل بي ما تشاء لكنك لن تفهمني أبدا" 

لا تكتمل قصة الفيلم من دون المرور على الشخصيات الرئيسة بمجملها، ولتسهيل عملية السرد سنتوقف أولا عند أبطال الفيلم من العائلة؛ أولهم أخوه محسن الرملي.

تحدث محسن عن موهبة حسن وشغفه المبكر بالرسم، لكن موقف والده -وهو رجل دين متشدد- سبب له مشاكل كثيرة، فمنعه من الرسم، وحرمه من الأوراق والألوان التي كان يوصي المسافرين بشرائها من المدينة، مما اضطره للرسم على الحيطان، أو على رمال الشاطئ.

ولعل موهبة الرسم المبكرة هي التي فتحت له باب السجن الموصد الذي كان محبوسا في داخله، فاستمر في الرسم سواء شاءت العائلة أم أبت. وقد خاطب والده المتزمت ذات مرة قائلا: “يا أبي أنا ملكك، وتستطيع أن تفعل بي ما تشاء لكنك لا تفهمني، ولن تفهمني أبدا، وحاول أن تتركني في الأقل”.

يتوقف د. محسن في إطلالته الثانية عند قلعة آشور، التي تقع على الضفة الأخرى من نهر دجلة، ليستكشفها ويكتب عن تفاصيل فضاءاتها الداخلية التي يتخيلها، فليست كل التفاصيل واقعية بل كان بعضها ينطوي على شطحات من الخيال المجنح.

يكشف محسن عن 3 تجارب حب قوية مرت بحياة أخيه حسن، بغض النظر عن علاقاته العاطفية العابرة، ويؤكد في إطلالته الثالثة على قوة حدس حسن، فقد تنبأ بموته قبل بلوغه الثلاثين.

ثم يعرج محسن على مشهد أمه التي تجلس إلى جوار النافذة، وتتطلع إلى الشارع العام، لعل سيارة تقف وينزل منها حسن، ولم تزل تنتظر حتى بعد إعدامه، إلى أن وافتها المنية ولم تحظَ برؤية فلذة كبدها، الذي التفت حول عنقه أنشوطة الموت.

يوحي لنا محسن في إطلالته الأخيرة بأن أخاه ما يزال حيا يرزق، وما تزال الصحافة تنشر الأخبار عن كتبه الصادرة حديثا، مثل “الكتابة وقوفا” وغيرها من الإصدارات.

 

كاظمية.. الشقيقة والصديقة وكاتمة الأسرار 

لا ترى كاظمية مطلك نفسها شقيقة حسن فقط، بل ابنته الصغيرة وصديقته وكاتمة أسراره، فقد حرضها على قراءة الروايات التي تناسب عمرها الصغير آنذاك، وكانت تهيئ له فرص اللقاء مع حبيبته، إما بالاتصال الهاتفي، أو بدعوة الحبيبة إلى منزلها، حتى تزوجت وسكنت في مدينة أخرى.

كان حسن ذا قلب طيب، لا يولي اهتماما كثيرا بالولائم والأعراس، ولا يخشى الموت، وكان يفضل العزلة التي يشتتها قلمه، وتبددها مكتبته المكتنزة بعيون الأدب العربي والعالمي.


تفوق دراسي في أجواء تعج بالمتميزين 

يورد كامل الرملي -وهو ابن أخي حسن- قائمة بأسماء أصدقائه الذين تعرف عليهم أثناء تدريسه في معهد المعلمين بكركوك، بعضهم كتاب ونقاد ومخرجون مسرحيون، فمنهم محمود جنداري، وعبد الله إبراهيم، وعواد علي، وعبد الرزاق محمد عزيز، وجعفر موسى وآخرين.

وقد كان يروي لهم الفعاليات والأنشطة التي تحتفي بها كركوك، بصفتها مدينة أدب ومسرح وثقافة، ويرى كامل أن عمه لو بقي حيا لشكّل ظاهرة جديدة في الرواية العراقية على الأقل.

ما يميز هذا الفيلم هو مصداقية المشاركين فيه، فهم يتحدثون بعفوية ولا يزوّقون كلامهم بالمحسنات اللفظية، فنرى صديقه المعلم إبراهيم أحمد خلف يقول إنهم في أواخر الستينيات كانوا يعانون من فقر مدقع، وكانوا يدسّون الدشاديش في بناطيلهم، بدل القمصان التي لا يستطيعون شراءها.

وكان من التلاميذ المتميزين هناك حسن مطلك، وإبراهيم حسن ناصر الذي أصبح أديبا معروفا في العراق، ولا ينكر إبراهيم منافسته للطلاب الأذكياء الذين يتبارون على المراكز الأولى، لكنه يقر بتفوق حسن بالرسم والخط والدراسة. 


        "العالم يُحكم بعصا واحدة لأن تعدد العصي يفسده"

يدلي الكاتب حسين العنكود -وهو من أصدقاء حسن المقربين- بآراء مهمة، منها أن التنقيبات الأثرية التي بدأت مبكرا في قرية “سديرة الصغرى” قد أثرت على ثقافة أبنائها، فقد زحف الوعي المتقدم إليهم أسرع من القرى والمدن المجاورة. كما أن قدوم المعلمين من شتى محافظات العراق أدى دورا كبيرا في تعليمهم وضخهم بالمعطيات الثقافية المتنوعة.

ويتذكر حسين كلام صديقه حسن الذي كان يقول: إن العالم يجب أن يحكم بعصا واحدة، لأن تعدد العصي يفسده.

وأشار إلى قصة “العرانيس” التي فازت بالجائزة الأولى عام 1984، وتنبأ بأن رواية “دابادا” سوف تحاربها لاحقا وسائل الإعلام، ونبّه إلى قدرته في الحدس، واستباق الأشياء بدقة متناهية.

تُرى، ماذا كان سيقدم حسن إلى الأدب العراقي لو عاش عشرين سنة أخرى؟

يعرِب الدكتور ياسين سلطان -وهو صديق طفولة- عن إعجابه بمكتبة حسن الكبيرة آنذاك، مع أنه يقطن في قرية صغيرة نائية.

أما المعلم المتقاعد محمد حسن، فيروي لنا ولع حسن المبكر بالمسرح الرمزي الجاد، فقد أخرج مسرحية “الطبيب” وجسدها معه على خشية مسرح متواضع. وقد حظيت هذه المسرحية الرمزية بإعجاب الجمهور، من الطلبة والأساتذة وأبناء القرية.

 

وعي متقدم وذكاء مفرط في كتابة الرواية الحديثة 

المتحدث الثامن هو المخرج المسرحي عبد الرزاق محمد عزيز، وقد تعرف على حسن مطلك سنة 1979، حينما كان يمشي مع الأديب محمود جنداري في أحد شوارع كركوك، ثم تطورت العلاقة، وصارا يلتقيان كثيرا، حتى أصبحا صديقين حميمين.

وذات مرة جلب له مخطوطة رواية “دابادا”، فأعجبته وأدهشته لما تنطوي عليه من وعي متقدم، وذكاء مفرط في كتابة الرواية الحديثة، التي كان حسن يراها تمرينا في كتابة الرواية الواقعية المطلقة.

ربما يكون صوت حسن هو الأكثر تركيزا على الجانب الأدبي، فقد ترك كل ما تعلمه من الفن الروائي، وبدأ يكتب وكأنه أول كاتب في العالم، كما نزع الرقيب من داخله، وتخلص من الرقيب الاجتماعي والسياسي والديني واستبعدهم، لكي يكتب بحرية مطلقة.

وكان يرى أن الأدب الجديد يجب أن يكون أدبا كليا، يتعالق مع الفنون والأجناس الأدبية الأخرى. أما التعليق الصوتي الوحيد فقد جاء على شكل قصيدة سلسة منسابة، نقتبس منها هذه الأبيات:

رحل إلى الحرية من أجل الحرية

تاركا لنا إرثا مدهشا لا يموت

ودرسا بليغا في حب الكائنات للأوطان

فهو القائل: “أغار عليك يا وطني

وضحى بكل شيء من أجل حرية وطنه

ومر كشهابٍ فوق هذه الأرض

فكان عليها شاهدا

ومر عليها شهيدا

ومن الجدير بالذكر أن المخرج علي ريسان مخرج سينمائي عراقي، يقيم في السويد حاليا، وقد أنجز حتى الآن أربعة أفلام وهي:

  • الأمكنة المشاكسة”.
  • صاعد السلالم”.
  • مرثية بزيبز”.
  • دابادا.. صرخة حسن مطلك”.

ويفكر بإنجاز فيلمه الخامس عن القاص الراحل محمود جنداري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في موقع (الجزيرة) الوثائقية، بتاريخ 5/3/2025م

https://doc.aljazeera.net/cinema/2025/3/5/%D8%B5%D8%B1%D8%AE%D8%A9-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D9%85%D8%B7%D9%84%D9%83-%D8%AD%D8%B6%D9%88%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9

03‏/03‏/2025

{دابادا}.. ترنيمة حسن مطلك الحزينة

 

{دابادا}.. ترنيمة حسن مطلك الحزينة

علي حمود الحسن    

استمتعت بمشاهدة الفيلم الوثائقي 'دابادا' للمخرج المغترب علي ريسان، الذي أرسله لي مشكورًا قبل أيام. لكن هذه المتعة لم تكن كاملة، إذ امتزجت بشعور من الأسى والحسرة، الفيلم الذي ينتمي إلى أسلوب الديكودراما، يتناول السيرة الحزينة للروائي والرسام العراقي حسن مطلك، الذي أُعدم شنقًا عام 1990 عن عمر ناهز الـ 29 عامًا، بعد حياة حافلة بالإبداع والتمرد، ليس فقط على واقعه الضيق بأحلامه، بل على نظام شمولي صادر حياة شعب بأكمله. وكان ريسان موفقاً باختيار عنوان رواية حسن مطلك الفريدة وغير المتوقعة "دابادا"، اسماً لفيلمه الذي اقتفى به طفولة صديقه ثقفي المزاج وحتى نهايته التراجيدية، من خلال راوٍ منحاز ومجموعة منتخبة من أسرة مطلك وأصدقائه، فكانت سيرة بصرية ضاجة بالحنين.. كتب السيناريو للفيلم ريسان نفسه، ومثل طفولة حسن الفتى سامح ثروت، وصوره احمد الهلالي، ومنتجه صافي الداودي، ووضع موسيقاه التصويرية خالد كاكي، وترجمه علي سالم، وهيأ المادة الأرشيفية وتابعها الكاتب محسن الرملي.  

اعتمد المخرج أسلوب الديكودراما من خلال تجسيد الفتى سامح ثروت لطفولة حسن مطلك وسط قرية "إسديرة" في الشرقاط، فمن خلال مشاهد افتتاحية نقتفي أثر حسن الفتى المغترب، متأبطاً كتابه متلمساً بيوتاتها الطينية، ومتجولاً  في أروقة ودهاليز قلعتها الآشورية، لينتهي به المطاف متأملاً نهر دجلة، هذا المدخل البصري المنفذ بجمال وانسيابية، هو العتبة الأولى التي ستأخذنا إلى عوالم هذا الكائن العراقي الجميل، من خلال تعاقب شهادات مجايليه من أسرته  وأصدقائه، الذين تحدثوا بعاطفة عن حسن؛ الرسام، والشاعر، والروائي المتمرد على رتابة قريته ومحدودية أفقها.  

بأسلوب سلس وإيقاع متزن، أدار ريسان شهادات خمس شخصيات فصيحة ومتحمسة لحياة حسن مطلك، بكل إشكالياتها وتمردها، فقد عاشوا معه وتفاعلوا مع أفكاره، فتى يقرأ بنهم ويشخبط على الورق والحيطان، وشاباً مثقفاً يكتب ويرسم ويمثل.  

يؤكد أخوه الكاتب محسن الرملي: "أن حسن هو أول من رسم في "إسديرة"، وقد تحمل الكثير جراء ذلك"، وأدلى المعلم التربوي إبراهيم احمد خلف بشهادته عن أيام التلمذة برفقة الشهيد، إذ زامله في المدرسة الطينية الوحيدة في المنطقة، يومئذ كانوا فقراء لا يملكون قمصاناً، "فقط بنطال نحشر فيه الدشاديش.. وكان حسن الأذكى والأشطر"، بينما تحدث صديقه الكاتب حسين العنكود عن تأثره بمعلميه المتنورين، فضلاً عن وجود القلعة الآشورية التي جلبت علماء الآثار، ما أضفى على "اسديرة" اختلافاً ومدنية، ويستذكر قريبه د. ياسين الذي يصغره بالعمر مكتبته الطينية التي وصفها بـ "الضخمة" رغم صغر سنه، وقال ابن أخيه كامل الرملي :"عُيّن حسن أستاذاً في معهد المعلمين بكركوك، حيث تفجرت مواهبه وتعمقت صداقاته مع مثقفين وأدباء وفنانين"، ويسترجع المخرج المسرحي عبد الرزاق محمد ذكرى لقائه بحسن الروضان عام  1979، وكيف انبهر بنصه "دابادا"، وقال الرملي: إن الذي فجر موهبة الكتابة عند حسن، "هو فضوله لدراسة الرسم"، بعدها يأتي صوت الشهيد واثقاً وهو يتحدث عن روايته وكيف "محا من ذهنه كل ما عرفه عن كتابة الرواية، وتجاوز كل أنواع الرقابة  في داخله"، وكانت شهادة اخته كاظمية من أجمل الشهادات وأكثرها صدقاً وبراءة، لا سيما حديثها عن ولعها بكتبه وتأثرها به، وسعادتها، لأنها كانت كاتمة أسراره.

سبك ريسان هذه الشهادات العذبة بإيقاع محبوك يمنع الشعور بالملل، مع تنقلات بين المتحدثين، كانت في معظمها سلسة ومبررة وأعطى تجسيد شخصية البطل التي أداها الفتى سامح ثروت زخماً درامياً للأحداث.  

 آزرت الموسيقى الأحداث وعمقتها، وإن كان الصوت المصاحب مستهلكاً، لفرط توظيفه في الأفلام المحلية، كنت أتمنى الاكتفاء بصوت العود الذي كان مناسباً وداعماً لإيقاع الفيلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في صحيفة (الصباح) العراقية، العدد6119، بتاريخ 3/3/2025م

https://alsabaah.iq/110983-.html

 

https://alsabaah.iq/uploads/public_files/2025-03/6119.pdf

فلم (دابادا.. صرخة حسن مطلك) في السويد والدنمارك

 

تقديم وعرض فلم (دابادا.. صرخة حسن مطلك) في السويد والدنمارك

 

من: مالمو

استضافت يوم مؤسسة النور الثقافية في مالمو السويد... الكاتب والمخرج العراقي علي ريسان في أمسية تحدث فيها عن مجمل منجزه الإبداعي ما بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية خلال السنوات الماضية... بعدها قدم فيلمه السينمائي الجديد ديكودراما عن سفر حياة الشهيد الروائي الاديب حسن مطلك وبعد العرض تحدث عن ظروف إنتاج وإخراج الفيلم الذي استمر معه قرابة عام وبعد ذلك تم فتح الحوار مع جمهور الأمسية التي امدت لساعتين وفي الختام تحدث مخرج العرض عن منجزه الادبي والفني ما بين المهجر والوطن في  الكتابة والإخراج المسرحي والسينمائي والدراما التلفزيونية وعن ظروف إنتاج وإخراج الفيلم الاخير والذي امدت لعام مع كادر فيلم دابادا... صرخة حسن مطلك، وكانوا:

مدير التصوير..أحمد الهلالي.. العراق.

موسيقى خالد كاكي... بلجيكا

مونتير.. صافي داووي.. العراق.

ترجمة.. علي سالم.. النرويج.

ارشيف ومتابعة.. د محسن الرملي.. إسبانيا.

سيناريو وإخراج.. علي ريسان.. السويد... وفتح الحوار بعد العرض لجمهور الأمسية التي امدت لساعتين وفي الختام تم تكريم المخرج بشهادة تقديرية من قبل مدير المؤسسة الاستاذ احمد الصائغ.

*مؤسسة النور ...  الاربعاء Onsdag 19-02-2025

الساعة السادسة مساءاً 18:00  Ramels Väg 147 Malmö

----------------------

 

من: كوبنهاغن

استضافت الجالية العراقية في العاصمة الدنماركية الفنان علي ريسان لتقديم وعرض فلمه (دابادا.. صرخة حسن مطلك)، وقد حضر العرض وساهم في النقاش نخبة من المثقفين والفنانين والمبدعين العراق هناك، وأشادوا بالعمل.

وكان علي ريسان، مخرج الفلم، قد كتب عن ذلك قبل الذهاب إلى هناك:

أنا ولوركا العراق في الدنمارك.

بعد العرض الجميل في السويد نكمل رحلتنا الى كوبنهاكن - الدنمارك انا ولوركا العراق الحبيب الشهيد حسن مطلك، لتقديم عرض آخر لفيلمنا .. دابادا...صرخة حسن مطلك.

والحديث عن تجربتي ما بين الوطن والمهجر في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية .

يوم الاحد القادم المصادف 2-3-2025 الساعة الثالثة مساءا ضمن احتفاء لتيار الديمقراطيين العراقيين في كوبنهاكن الدنمارك ...

https://www.facebook.com/photo/?fbid=10162453716634208&set=pcb.10162453719829208

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكتب الروائي العراق سلام إبراهيم، هذا التعليق، تحت هذه الصورة:

 

يتوسطنا المخرج السينمائي والممثل العراقي الصديق العزيز علي ريسان. بعد مشاهدة عرض فلمه الوثائقي عن الروائي الشهيد حسن مطلك "دابادا". والفلم وثق مسيرة حياته حتى مقتله. امتد قرابة ٣٥ دقيقة اعقبها حوار صريح مع المخرج حول ظروف انتاج الفلم في ظل ظروف متدهورة تمر بها الثقافة العراقية.

كانت أمسية ممتعة... والفلم يرسي لبنة بتقاليد تخليد أدباء العراق بأفلام وثائقية تحفظ فيها شهادات القريبين من المبدع وانطباعاتهم.. أحييك صديقي علي ريسان

https://www.facebook.com/photo/?fbid=29173171598940647&set=a.728223583862162

16‏/01‏/2025

حسن مطلك: حكاية لوركا العراق/ شوقي كريم حسن

 

 

حسن مطلك: حكاية لوركا العراق بين الطين والحلم

شوقي كريم حسن

كادر فيلم: دابادا... صرخة حسن مطلك

مدير التصوير: أحمد الهلالي، العراق

موسيقى: خالد كاكي، بلجيكا

مونتير: صافي داووي، العراق

ترجمة: علي سالم، النرويج

أرشيف ومتابعة: د. محسن الرملي، إسبانيا

سيناريو وإخراج: علي ريسان، السويد

فيلم (دابادا) للمخرج علي ريسان عن الشهيد حسن مطلك مشروعًا عميقًا ومؤثرًا يستحق التوقف عنده، للتأمل في حياة هذا المثقف الاستثنائي الذي انتهت حياته مبكرًا، لكن أثره لا يزال حاضرًا. يمكننا تحليل الفيلم من عدة زوايا تلقي الضوء على رسالته وأبعاده الفنية والإنسانية. يظهر أن الفيلم وكاتبه ومخرجه علي ريسان يسعيان إلى توثيق حياة حسن مطلك كجزء من ذاكرة العراق الثقافية، في مواجهة محاولات تزييف التاريخ وتغييب الشخصيات الحرة والمبدعة. الرسالة الأساسية تتجاوز الحكي عن شخص بعينه لتلامس قضايا إنسانية أعمق: الصراع بين الحرية والقمع، وبين الإبداع والسلطة. إنه دعوة للتأمل في مصير المثقفين الذين حاولوا إعادة تعريف معنى الإنسانية في سياقات قاسية.

الفيلم يبدو وكأنه يسير على خطى الرواية الأدبية، حيث يمتزج الحكي بالشعر والرمزية. استخدام التفاصيل الصغيرة مثل المكتبة الطينية، والقرية المنسية، وموهبته في الرسم والخط والتمثيل، يجعل السرد حميميًا وإنسانيًا. هذا الأسلوب يمنح الفيلم عمقًا ويجعله قريبًا من المتلقي، وكأنه دعوة للتواصل مع حسن مطلك كإنسان، قبل أن يكون شهيدًا أو رمزًا وبطلًا مأساويًا كلاسيكيًا، يمثل نموذجًا للإنسان الذي يحترق ليضيء طريق الآخرين.

شخصيته تتأرجح بين الحالم بالحرية والمبدع المتمرد الذي يدين الحرب، وبين الضحية الذي تنبأ برحيله المبكر. هذه الأبعاد تمنح شخصيته جاذبية درامية، خاصة عند ربطها بتجربته الأدبية في (دابادا) و(قوة الضحك في أورا)، التي تظهر كمرآة تعكس مأساته الخاصة. من خلال الإشارة إلى أن الفيلم أخرجه فنان مُغترب، يبدو أن هناك تركيزًا على الصورة كوسيلة أساسية للسرد. قد تكون المشاهد التي تصور المكتبة الطينية، الطبيعة الريفية، وأدوات حسن الفنية (الرسم، الخط) مليئة بالرمزية التي تشير إلى ثراء شخصيته في مقابل بساطة البيئة التي نشأ فيها.

ربما يستخدم الفيلم التناقضات بين الحياة البسيطة والطموحات الكبيرة لإبراز الصراع الذي واجهه الشهيد. السياق الزمني الذي يغطي الثمانينيات والتسعينيات، حيث الحرب والقمع والاضطراب السياسي، يجعل حياة حسن مطلك شهادة على جيل كامل من العراقيين الذين عاشوا في ظل الخوف والحرب. إدخال هذه الأجواء التاريخية ضمن السرد قد يعمق من تأثير الفيلم، حيث يصبح حسن مطلك رمزًا لهذا الجيل. الفيلم يبدو كما لو كان رسالة حُب ووفاء شخصية منك كصديق مقرب لحسن مطلك، وهو ما يمنحه طابعًا صادقًا وإنسانيًا. من خلال هذا الفيلم، يبدو أنك تسعى ليس فقط لاستعادة ذكرى صديقك، بل لمنح صوته الخالد فرصة لأن يصل إلى الأجيال الجديدة، التي قد لا تعرف شيئًا عنه في ظل "كتّاب السلطة".

مع كل هذا الثقل، يبرز تساؤل عن كيفية تقديم الفيلم للحياة الداخلية لحسن مطلك: هل يمنح المتلقي مساحة للتواصل مع أفكاره؟ أم أنه مجرد استعادة لسيرته؟ هل يترك مساحة للرمزية والتأويل، أم يلتزم بمسار سردي تقريري؟ يبدو أن الفيلم ليس مجرد توثيق لحياة حسن مطلك، بل هو أيضًا احتجاج ضد محاولات تغييب الرموز الثقافية، ودعوة للتأمل فيما يعنيه أن تكون إنسانًا حرًا وسط سياقات سياسية واجتماعية قاهرة.

إنه فيلم عن الإنسان، الحلم، والإبداع الذي يرفض الانكسار. سينما الوثيقة، خاصة عندما تتناول شخصية مثل حسن مطلك، تتحول إلى أكثر من مجرد سرد مرئي للأحداث، بل تصبح وسيلة لإحياء الذاكرة وتقديم شهادة حية تعيد تشكيل الماضي برؤية جديدة. هذا النوع من السينما يتميز بقدرته على المزج بين الحقيقة والفن، مما يجعلها وسيلة فعالة للتوثيق والتأثير العاطفي في آن واحد. الفيلم هنا لا يبدو مجرد تسجيل لحياة حسن مطلك، بل مشروع لإعادة بناء سيرته بشكل يكشف أبعادها الإنسانية والفكرية العميقة.

حياة حسن مطلك الغنية بالرموز والإشارات الثقافية تجعل من الفيلم فضاءً للتعبير البصري والدرامي. المكتبة الطينية، على سبيل المثال، ليست مجرد مشهد عابر، بل استعارة عن قدرة الإنسان على خلق وعيه وسط ظروف تبدو غير مواتية. هذه التفاصيل البسيطة يمكن استثمارها في سينما الوثيقة لتحمل دلالات عميقة توصل رسائل عن مقاومة القمع بالفكر والإبداع. الرسم والخط والتمثيل ليست مجرد مهارات، بل تعبيرات عن شخصية حساسة ومتمردة، تبحث عن طرق متعددة للتعبير عن ذاتها في مواجهة واقع قاسٍ. في سياق سينما الوثيقة، الفيلم يقدم أيضًا فرصة لإعادة بناء الزمن والمكان من خلال الصورة والصوت. المشاهد التي تصور بيئة (سديرة الوسطى)، القرية المنسية، يمكن أن تكون مدخلًا لفهم التناقض بين محدودية المكان واتساع الأفق الفكري لحسن مطلك. هذا التناقض يمكن استثماره لخلق لغة سينمائية تثير التساؤلات عن العلاقة بين الإنسان وبيئته، وعن كيفية تجاوز الحدود المفروضة لتحقيق الحرية الفكرية. سينما الوثيقة تتطلب أيضًا معالجة ذكية للزمن، خاصة عندما تتناول شخصية تنبأت بمصيرها، كما فعل حسن مطلك في (قوة الضحك في أورا). المزج بين لقطات الماضي، سواء كانت أرشيفية أو معاد تمثيلها، وبين شهادات معاصرة من أصدقائه وأفراد عائلته، يمكن أن يمنح الفيلم عمقًا إضافيًا. التركيز على لحظات فارقة، مثل كتابته لقصص تدين الحرب ضمنيًا، أو تحقيقه شهرة أدبية في ظل ظروف قاسية، يمكن أن يبرز تناقضات الزمن الذي عاش فيه وتأثيره عليه.

الأهم في هذا النوع من الأفلام هو الحفاظ على التوازن بين التوثيق الفني والبُعد الإنساني. حسن مطلك ليس مجرد ضحية لنظام قمعي، بل مثال على المثقف الذي حاول أن يعيش بأقصى درجات الصدق مع نفسه. الفيلم يمكن أن يتجاوز البُعد الفردي ليصبح شهادة على حقبة بأكملها، مليئة بالصراع بين الحرية والقمع، بين الطموح والموت. سينما الوثيقة هنا ليست فقط وسيلة لإحياء ذكرى حسن مطلك، بل أداة لاستعادة صوته في وجه محاولات التهميش والنسيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*شوقي كريم حسن: كاتب وسيناريست عراقي معروف.

https://www.facebook.com/photo?fbid=10162365612424208&set=a.10151713235949208 

*نشر في جريدة (الوطن الجديد) بتاريخ 12-1-2025 العراق.

https://www.facebook.com/profile.php?id=100063789858077&locale=ar_AR

*سينشر أيضاً في مجلة (سينما).